الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حكاية الصقر الذي نفق في باريس وضاع المليون درهم

حكاية الصقر الذي نفق في باريس وضاع المليون درهم
13 أغسطس 2009 02:24
صقور يتم إطلاقها بعد الانتهاء من القنص أكثر من ثلاثين عاما مرت على تلك الرحلة التي استمرت 15يوماً، لكن تفاصيلها ما زالت محفورة في ذاكرتي. وعلى الرغم من أن رحلة القنص أصبحت فيما بعد رحلة سنوية تتغير فيها المواقع والأوقات فتضاف إلى باكستان بلاد مثل سوريا والمغرب والجزائر، إلا أن الشوق لها والإعداد للمشاركة فيها أصبح روتيناً محبباً. عادة يبدأ الإعداد بالتأكد من المشاركين، ومن الصقور التي كلف بها خبراء يقومون بما يسمى عملية تقييظ للصقور أي المحافظة على الصقر والإشراف على طعامه وشرابه طوال فصل الصيف. ثم يبدأ موسم شراء الصقور الجديدة، بحيث ينشط بعض المختصين في تجارة الصقور أمثال أبوعلي دبين «رحمه الله» وهو من الرحيبة في سوريا، حيث كان معالي الدكتور مانع يوصيه باختيار أفضل وأحسن الصقور من نوع الحر على وجه الخصوص، وكلما كان لون الصقر يميل إلى البياض وكلما كان أكثر طولاً كان الثمن يرتفع. وما زلت أذكر كيف هبطنا في ذات يوم في مطار دمشق بطائرة خاصة فقط لنحمل بعض الطيور التي تمكن أبو علي من تجهيزها لمعاليه وكان فيها صقر حر شديد البياض ضخم وطويل وآية في الجمال وصل ثمنه إلى مليون درهم بالتمام والكمال. ولكن مع الأسف، ولا ندري ما الأسباب، عندما وصلنا إلى باريس لفظ ذلك الصقر الجميل أنفاسه ونفق وضاع المليون درهم هكذا بكل بساطة. قال بعض المرافقين إن عيناً أصابت الطائر، ولم أجد صعوبة في تصديق ذلك لأنه لم يكن هناك أي سبب لموت صقر جميل قوي مثله بينما الصقور الأخرى وصلت بأمان وسلام. وعندما وجدنا صعوبة في فندق جورج سانك بقبول إقامة الصقور في الفندق، لم نجد بداً من الرحيل في اليوم التالي. وعادة بعد أن يتم شراء الصقر تقطب عيناه، ويحمل لمدة طويلة حتى يعتاد على الناس ويخرج من مرحلة (الوحش) إلى مرحلة (الأليف). بعدها تفتح عيناه ويستعاض بالقناع الذي يغطي عينيه والذي يرفع بين فترة وأخرى ليعتاد الصقر على الحياة الاجتماعية الجديدة. وكنت أفاجأ بصرخات الصقارين (إش إش إش) ثم يمسح الصقار على رأس الطائر وصدره، وتأتي بعد ذلك مرحلة التدريب وما إن يهل شهر نوفمبر حتى يكون الصقر جاهزاً لتجربة الصيد. من خلال تجربة رحلات القنص، أدركت مدى الفائدة التي يحصل عليها المشاركون فيها. فبالإضافة إلى المساواة التي تحدث عنها الشيخ زايد رحمه الله بين الجميع، فإن كل مشارك في هذه الرحلات يمارس عملا ضمن المجموعة. وحتى عندما نكون في البر ونضطر لتحضير طعام العشاء، فإن كل فرد له دور في عملية الطبخ، فهناك من يجمع الأعواد (الحطب) وهناك من يريش الحبارى أي يزيل الريش عنها وهناك من يشرف على الطبخ. أنا شخصياً تخصصت في عمل السلطة التي لا أجيد غيرها ومارستها بحب حتى أصبحت سلطة خليل من أهم بنود رحلة القنص، وصار طعمها اللذيذ ينافس كبسة الحبارى التي برع فيها عامر المنصوري وعلي زادجول الذي كنا نلقبه بـ «علي قهوة». أما في عمليات البحث عن الحبارى فصارت لنا دراية بالأثر الذي يتركه طائر الحبارى على الرمال ولكن الخبراء مثل أحمد الظريف وسيف المنصوري ونصيب بن عجلان فهم يستطيعون من خلال رؤية الأثر معرفة العدد والوقت الذي مر على الأثر. ليل وشعر كان السهر في الصحراء على ضوء النار التي نشعلها وشرب الشاي والقهوة وتبادل الأحاديث حول أحداث اليوم يدخل في نفوسنا الراحة الحقيقية فننسى كل مشاغلنا وهمومنا ولا نتذكر إلا ما حدث وما مر بنا خلال يوم طويل من التجول في البر فوق الرمال أحياناً، وخلال الوديان والمرتفعات الجبلية، ونستعيد صور الغارات الجوية التي قامت بها الصقور وهي تنقض على ذلك الطائر الجميل الحبارى، والذي يجيد الدفاع عن نفسه ويتمكن أحياناً من التغلب على الصقر من خلال رشه بمادة لزجة يطلقها إما خوفاً وإما جرأة وشجاعة تجعل الصقر يتجمد في مكانه لا يستطيع حراكاً ولا طيراناً. وقد جسد الدكتور مانع العتيبة هذه السهرات الجميلة في القنص من خلال قصيدته يوم في القنص والتي جاء فيها: حول نـار المساء طافت حكايـا عـن شواهيـن سابقت أحــرارا ليس مثل الشاهيـن قـال نصيب فتصـدى السعيــد فورا وثــارا قـال للحـر في الطيـور مقــــام لم ينلـه الشاهيـن مهما أغـــارا فهو أقـوى وأكبر الطير حجمـا والحبـارى ترى لديـه الدمـارا واستمـر النقاش يعلـــو ويحلــو واستمر الحـوار يتلو الحـوارا كم يلذ الحديث في الصيـد لمــا تشعـل النار في المشاعر نارا يمنـح الشعــر للحكـايـا جمــالا والحكـايـا تجمــل الأشـعـــارا هكـذا الصيـد بالصقـور وهــذا هـو ما يمنح الرجـال الفخـارا ولعلنـي بحاجة إلى مزيد من المساحة لأغطي ولو جانباً من الذكريات في مجال رحلات القنص، ولكن سأكتفي بما ذكرت على أمل أن أستكمل هذا الموضوع في كتاب خاص بدأت فعلاً بتجميع مادته واختيار الصور التي تثير في جميع من مارسوا هذا التراث العريق مشاعر الحب والاعتزاز والفخار.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©