الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«نسيان com».. ميثاق شرف نسوي لنسيان الرجال

«نسيان com».. ميثاق شرف نسوي لنسيان الرجال
13 أغسطس 2009 02:26
الكاتبة الجزائرية الشهيرة «أحلام مستغانمي» حالة استثنائية في تاريخ الرواية العربية، فمنذ «ذاكرة جسد» مروراً بـ»فوضى الحواس» وصولاً إلى «عابر سرير» حققت حضوراً مميزاً، وبصمة خاصة عبر أشهر ثلاثية روائية في مدونة السرد العربي المعاصر. تلك الكاتبة الذائعة الصيت لم تشأ الاستناد إلى شهرة كتبها السابقة لتقديم كتابها الجديد «نسيان com» الصادر عن دار الآداب في بيروت، فأضافت بعض التفاصيل لإعطاء كتابها حلة قشيبة ومبتكرة منذ العتبات النصية الأولى، وصولاً إلى المتن السردي، ومن هذه التفاصيل الصغيرة نفتح باب التأويل. العنوان نبدأ قراءتنا من العنوان الذي أتى في صيغة غير مألوفة «نسيان com» فهو أيضا عنوان موقع إلكتروني تدعو فيه الكاتبة - ببلاغها رقم واحد- جماهير النساء إلى تأسيس حزب جديد لا ذاكرة له لمواجهة تسلط الذاكرة بما تحويه من خيبات عاطفية سابقة، فثمة نساء عشن تجارب حب فاشلة, ولم يستطعن التخلص من سيطرتها على حياتهن. لهذا تقدم أحلام مستغانمي مجموعة من الأفكار، والمشاريع، والنصائح أيضاً، إلى هؤلاء النساء التعيسات لتعلمهن فن النسيان، كي يبدأن حياة جديدة، ويعشن حباً آخر، فالمرأة السعيدة لا تعيش دون حب يدخل السرور إلى قلبها. على الغلاف خاتم احمر يتضمن جملة (يحظر بيعه للرجال) وهذه الصيغة الرسمية ذات الطابع التسلطي أرادتها الكاتبة لتهيب الرجل حصراً، فقد استعارت منه لغته الذكورية لتخيفه بها فيما يبدو، مثلما تصرح هذه الدلالة إلى أن الكتاب بمجمله هو انحياز للأنثى, الطرف الأضعف - للوهلة الأولى- في معادلة الحب الجدلية. رغم أن (أحلام) تدرك جيداً أثناء الكتابة، وبعد طباعة الكتاب، أن الرجال أيضا سوف يشترون الكتاب لاكتشاف المرأة، أو لاكتشاف ذواتهم في عيون المرأة، وفي كلتا الحالتين ترفع القلم كسلاح بوجه الرجل الذي يدير ظهره دائماً للنساء ولا يخشى أن تطعنه إحداهن في الخلف، فالنساء في غاية اللطف والرقة، فلم نعثر في الكتاب على قصة امرأة خائنة واحدة. بل حتى المرأة التي أحبت رجلاً متزوجاً لم تجدها (أحلام) امرأة مدانة لاكتفائها بنصف رجل، بل تعاطفت معها، وجعلتها تنتقي بكل براءة هدايا لزوجة عشيقها لتسعدها بعيداً عن الغيرة الشريرة. وهنا سؤال يطرح نفسه: لماذا لم تحاول المؤلفة أن تسبر نفسية تلك الزوجة لتعرف إذا كانت تلك الهدايا رشوة مناسبة للتخلص من تأنيب الضمير؟!. التصدير تصدر الكاتبة كتابها بجملة «أحبيه كما لم تحب امرأة, وانسيه كما ينسى الرجال» التي تكاد تلخص الكتاب بمجمله، فعلى صفحات الكتاب نلتقي بنساء أحببن بصدق أضرَّ بهن، فلم يجتمعن إلا برجال ذوي ذاكرات ضعيفة لم يبادلوا محبوباتهم الوفاء والإخلاص. لهذا تريد الكاتبة من النساء أن يتعلمن النسيان كالرجال تماما، كيلا يبقين سجينات الضعف الأنثوي الذي يحول المرأة إلى مجرد حمقاء لا حول لها ولا قوة. وهنا ننتبه إلى أن المؤلفة تتبنى النظرة الذكورية - ربما لاشعورياً- فلماذا لم تعمل (أحلام) على عكس المفاهيم الشائعة وقلبها، أي لو أنها طالبت الرجال بالتعلم من النساء وعدم النسيان، والاحتفاظ بالود وصونه، بدل مطالبة النساء بتقليد الرجال الذين يفرطون في النسيان حتى ينسوا الحب نفسه. وهذا يقودنا إلى الانتباه أن (أحلام) لم تختم قصة حب واحدة بالزواج، وهذا يجعلنا نتساءل بحيادية بعد الابتعاد عن اضطرابات الحب وجنونه: لماذا غاب موضوع الزواج عن العاشقات والمحبات اللواتي أحببن حتى نكران الذات والذوبان في الرجل المعبود لديهن حتى قطرة الدمع الأخيرة؟. بل حتى في حال استمرار الحب لسنوات لا نعثر على ذكر الزواج على لسان إحداهن. الإهداء لم توجه الكاتبة الإهداء إلى بنات جنسها فحسب، فقد شملت الجنس الآخر أيضا (إلى الرجال الرجال الذين بمجيئهم تتغير الأقدار) فلم تشأ الكاتبة أن تبدو منحازة ضد الذكورة منذ السطور الأولى وحتى الصفحات الأخيرة، بل هي تؤكد رفضها للرجال الذين لا يفهمون المرأة, ويصونون مشاعرها, فهؤلاء يفتقدون نبل الرجولة التي تعشقها المرأة, فدونها لا تحس النساء بأنوثتهن. الميثاق وهو (ميثاق شرف أنثوي) تطلب فيه (أحلام) من القارئات التوقيع عليه تضامناً مع بنات جنسهن. وهو بالمحصلة ميثاق للنسيان فليس هناك رجلا يستحق أن تبكي المرأة لأجله، فليس هناك حب أبدي على هذه الأرض. المرفق ولا ننسى أن الكتاب مرفق بـ (CD) يحتوي قصائد للمؤلفة بصوت المطربة (جاهدة وهبي) وهي تجربة رائدة قد تعقبها تجارب مماثلة إذ يكون المنتج الإبداعي يشتمل على الكلمة المكتوبة والمغناة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©