الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

هند والعسكر.. شروخ الأنثى التي لا يشعر بها أحد طامي محمد

هند والعسكر.. شروخ الأنثى التي لا يشعر بها أحد طامي محمد
13 أغسطس 2009 02:29
الستارة تُفتح. الأطفال يتعلقون بأيادي آبائهم. باص مدرسة البنات الأصفر يحمل فتيات متوشحات بالسواد. صوت الأم وهي توقظ الطفلة مي. أجنحة الطيور تنشر يقظتها في السماء. والشمس تلتحف شرشف الغيم لتكون مهيأة للمطر النجدي. هذا الوصف وهذه الستارة التي تفتح لتكون سبيل هند إلى التقاط هذا الضجيج الصباحي، هي بمثابة المشهد السينمائي الباهر الذي يمثل افتتاحية رواية «هند والعسكر» للروائية السعودية بدرية البشر. لهند مع كل صباح حكاية، تمزجها بفنجان قهوتها لتنسرد الحكايات. هند إذن وبقدر ما تجيد البوح بالتداعيات بقدر ما تتقن متعة الإنصات، فهي تنصت لأمها، عموشة، لأبيها وليد. منصور زوجها هو الوحيد الذي لم تشعرنا بأنها رغبت في الإنصات له. ربما لأن علاقتها مع منصور تشكلت في جاهزية لم ترغبها، لم يكن ذلك الرجل الخلاّق الذي يحرضها على البوح، فلم تكن هناك حميمية تجمعها معه. أثناء ولادة هند كان منصور يتجه الى البحرين، بعد أن عرف أنها ستنجب أنثى، فاختار أن يكون بعيداً. ليس لهند حكاية موجعة، لهند خدوش توجعها بين حين وآخر فتنهمر الحكايات. فهي هادنت في مختلف مراحلها العمرية عسكرها الذين تولوا التناوب على لعب هذا الدور. ابتداءً من الأم وحتى الأخ الصغير إبراهيم الذي تسبب في مغادرتها الرياض، فهي ترأف بذاتها وتعرف كيف تهادن الريح، أقوى قراراتها كان يكمن في سفرها، وكان هذا القرار الشجاع ظاهرياً هو الذي فضح انهزاميتها المخبأة طول الرواية. الأم استحوذت كثيراً على ذاكرة هند. لم يتم تجميل الأم بل ظهرت كشخصية متسلطة وتمارس الإيذاء الجسدي والنفسي على أطفالها. هو انقلاب على تقديم مثالي لصورة الأم النمطية. فهي كانت أكثر الناس التصاقا بهند. وهي كذلك التي تولت حراستها بشدة: «أمي واحدة من هؤلاء الحراس المخلصين، تقول لي دائما عندما أسألها بماذا يختلف عني فهد، بماذا إبراهيم؟! تجيب: هؤلاء رجال، وأنتِ امرأة.. هل تفهمين؟ هند وجدت في الكتابة الملاذ الآمن لسكب تداعياتها وأوجاعها. تبوح بمداواة الكتابة لروحها ولعقلها «صار لدي رغبة بالكتابة، كلما كتبت أسئلتي، أتخفف من قهرها على عقلي، الكتابة تفعل بي فعل السحر» ثم تقول: «الكتابة انتصرت لي مرة أخرى من منصور، بعد أمي، وفي كل مرّة أنا من يكسب معركة حرفي». فعل الكتابة لدى هند لا يأتي كردة فعل فقط، وكعمل تمردي على العسكر الذي يتناوبون على حراستها، بل هي الفسحة الروحية، هي طريقة التواصل مع أفكارها وأمانيها، هواية تكتسي ملامح الدواء «الكتابة صنعت لي عالماً مشتركاً مع أناس كثيرين، اختارهم بنفسي، يحبوني وأحبهم». وإذا كانت الكتابة تمثل لهند الملاذ الروحي، فالعمل يمثل لها الأمان المادي: «سيجعل يدي ممتلئة بالمال الذي لن تتحكم هي بإعطائي إياه كل حين».و مكان ملائم للهرب من سطوة الأم ومن حصارها. منصور زوج هند لم يكن يلعب دور العسكر، تسميه السجان. فهو تجاوز دور الحراسة، دور المراقبة ليصنع من بيت الزوجية سجناً لهند كما تراه هي. كانت مأسورة برؤية نمطية تجاه كل الرجال، فجاء منصور ليتطابق مع هذا النموذج الساكن في ذاكرتها. فقضيتها مع منصور ليست قضية زوجة تعاني من مشاكل زوجية مع زوجها، بل هي أكبر من ذلك. تقارن بين حريتها وحرية منصور: «الرجال في عالمنا يمتلكون عالماً واسعاً، يلهون فيه، ويتخففون من مسؤوليات الأطفال والحياة، بينما النساء تحاط بالتقاليد الضيقة». هذه المقارنات والتباين بين ما يفعله منصور وهو يتحرك ضمن حقوق ذكورية تجعله يتفرد بالكثير من المميزات الاجتماعية والشخصية وبين رؤية هند لذاتها الأنثوية المقهورة، جعلت حكاياتها معه محكومة بالفشل. هند كانت راغبة في هذا الفشل لأنها ستشعر بأنها تعيش في تعنت عسكرها، ستشعر بتلك اللذة الخفية بأنها ما زالت ضحية جبروت العسكر: «أشعر بأنني طفلة تتزحلق على الغيم، وتسقط في ندفه، ثم تطير نحو غيمة أخرى خارج مدار هذا الكون، ويجب عليها ألاّ تفكر لحظة واحدة في خطواتها، وإلا سقطت مثل راقص «الفلامنكو». هكذا هي هند عندما تتناجى مع ذاتها، ذات تهفو لشرفات الحلم. تنفصل عن واقعها لتحلم بأنها فراشة. من هذه الزاوية أطل «وليد» وطرق نافذة حلمها برفق. الرفق الذي كانت تحتاجه، الحديث عن فيلم سينمائي، والتجادل مع وليد حول فيلم» فورست غامب»، عن الروايات والفلاسفة، جعله مقرباً وحميمياً. لقد لامس المنطقة التي لم يرتدها أحد من قبل، تعلقت به. هل أخوة هند (فهد، عواطف، إبراهيم، وكذلك الأب) يصنفون ضمن العسكر، الأمر لا يبدو كذلك، فالأب رقيق القلب ويحب البنات، وكان دوره ثانوياً، فهد كان الأقرب وهو نموذج ربما يبدو في ملامحه سلبياً، اختار السفر لحل مشكلته، عواطف انشغلت بأطفالها، إبراهيم برغم تطرفه كان أداء في يد الأم تسلطه على هند وتعزز هذا التسلط بسلطة الدين والدور الذكوري، إذاً الأم هي محور الصراع مع هند. الرواية حاولت أن تقدم نموذج العائلة السعودية، وقدمت الشخصيات في نماذج مغايرة... لكن هل كانت المغايرة ضرورية في الرواية؟، وهل كان فضاء الرواية يسمح بسرد تفاصيل كل شخصية؟.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©