الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«رُقاق غزل».. قصائد يغلب عليها التّصنيع الفني

«رُقاق غزل».. قصائد يغلب عليها التّصنيع الفني
13 أغسطس 2009 02:29
صدر للشّاعر والأديب اللّبنانيّ راضي علّوش كتاب «رقُاق غزل» وهو الكتاب الثالث بعد ديوانه رياح ورياحين (2006) ومجموعته القصصية (جزيرة النّسيان) (2005). في الدّيوان الأوّل رياح ورياحين وظّف الشّاعر قريحته في خطّ القضايا الجادة، ما بين وطنيّات واسلاميّات ومناسبات، بينما في الثّاني، أطلق العنان لريشته نحو الجمال، يمتاح من كلّ وردة لوناً، ويأخذ من حديقة الحسن ما طاب شذاه وعذب لمُاه. انّه الآن يتجوّل بين الغيد والحور، يتصنّع لغة الغزل المفتونة بسحر المرأة، يقتفي آثاره في محيّا وضّاح، أو ثغر باسم، أو قدّ ميّاس، أو طلعة بهيّة ونظرة ساهمة. في هذا الدّيوان يتوسّل راضي علّوش الشّعر العمودي لغة وبياناً، في زمن قلّ فيه مثل هذا الشّعر، بعد أن قلّ مؤيّدوه وأنصاره، وكثر معارضوه وخصومه. ضمّ الكتاب في تضاعيف صفحاته قصيداً غزليّاً «غلب عليه التّصنيع الفنّيّ، وقد تمثّل هذا التّصنيع في المعاني والأوصاف الغزليّة التي ترافقت مع غزل للأسماء. تسود الدّيوان من حيث الشّعر اتّجاهات ثلاثة: الأوّل: غزل تقليديّ لا يتقيّد بالأسماء يمتد من الصفحة التاسعة ولغاية الصفحة السابعة والثلاثين، بل يجول متقصّيا العواطف والأشواق، معبّرا بعفويّة ورشاقة عن الذّوقين الأدبيّ والجماليّ للمؤلّف، سواء في اختيار المفردات، أو تأسيس الحوار مع المرأة الجميلة. فلا يجد بداً من إجراء صيغة الأمر لدغدغة مشاعر الحبيبة والتّوسّل اليها، أملاً في أن تحدّث أو ترقّ للحبيب الهائم، كقوله: حدّثيني حدّثيني عن هواك واسلميني لشعاع من سناك واملأي الأقداح مخزون الأماني واسقنيها ذوب بوح من نداك هذا خطاب الحبيب الذي تجلّى له الحسن، فغمره كما غمر الأرض بطيبه.لكنّه يبقى أسير الحلم، وطوع الخيال، يداعب طيف الحبيب، ويرسل اليه دموع الصّبّ، وفيض العتب، وحرقة الوجد، فلا يلفي سوى دمع العين معزّيا عن الصّدود والوعود: اذا ما جنّ ليلي في هواها وسهّدني التّوجّد والصّدود أواعد دمعتي أبغي رضاها ودمع العين ترضيه الوعود والذي يتقلّب على جمر اللّوعة، ونار الفراق، يحوّل أمانيّه سحابات عابرة تطرّزها مطالب المحبّ، الذي يأمر مجدّداً ملتمساً التّبادل والمواساة والوصال، فالعاشق يحتاج الى من يفهمه، ويضاهيه اشتياقاً وحناناً، في قوله: وبين الأمل والحلم والواقع، ملاذ الشّاعر المعاتب، يطارح حبيبته سطوات العتاب، بعد أن عبثت بمباهجه، وسخرت من تضحياته، فسقطت رهينة المظاهر والأموال جاحدة نبل مشاعره وعظيم بذله: فسقطت في درك التّفاهة والغوى من برج رشد شيّدته يميني غزل بالأسماء الاتّجاه الثّاني في المجموعة هو عبارة عن غزل بالأسماء وتمتد على الصفحات من (38 إلى 104) ترصده العين المجرّدة مع الذّاكرة، في قصائد ومقطوعات تتنقّل كالفراشات من زهرة الى زهرة، تطبع على كلّ واحدة منها قبل الإعجاب وآيات التّفنّن، حتى تستهلك ما يحتمله الاسم من تضمينات جماليّة. والفتيات يتمّ اختيارهنّ من الواقع اليومي أمثال: سهى، وفاء، سامية، ضياء، زينب، سوزان، ليلى، دعد، هبة، أماني، آمال، سناء، ريما، فاطمة، مريم، غنى، فيروز، نور، سارة وحنان. يقول في وفاء رابطاً بين القيمة الكامنة في الاسم، وبقاء جميل الذّكر: انّ طيف العمر يمضي مسرعاً وجميل الذّكر يبقى يا وفاء وأمام ليلى يعجز البيان عن وصف الجمال: أنت الجمال أيا ليلى فمعذرة كلّ البيان يلاقي العجز إذ يصف وعند إكرام جمال الخلق وحسن الهيئة والكلام، ما يدفع النّاس الى تعديل معاني الأسماء: لو أنصف النّاس في الأسماء لانتبهوا وعدّلوها فصار الحسن إكراما شعر المناسبات في القسم الثّالث من الدّيوان من صفحة (107إلى137) يأخذنا الشّاعر الى المحافل والمناسبات، حيث الأعياد: عيد الأمّ، عيد المعلّم، عيد النّصر، فيثني على الأمّ التي انبثقت منها الأمّة، قائلا: هل تعلم الأمّ أنّ الأمّة انبثقت منها جميعاً بمن لم يولدوا بعد ويرفع مقام المعلّم في عيد المعلّم، هذا الذي يبني أنفساً، وينشئ أجيالاً بعلمه وحلمه، حتى يذوب كالشّموع، وهو قبلة السّاعين ونور الرّسالة: وفي الذّكرى السّنويّة لانتصار آب (2006) يستعيد شاعرنا ملاحم البطولة، ومواقع الشّهادة، فيناجي شهر آب: يا آب، حدّث عن الايمان مجتمعاً في فتية، في جباهٍ أطلعت قمرا حدّث عن المجد عن أبطال ملحمة باهى الزّمان بها التّاريخ والبشرا ثمّ يعرّج على بعض الفضائل واليوميّات كالتّعاون ومحاسبة النّفس، والاجتهاد في العلم، والالتزام بالعهد والأخلاق الحميدة. وفي كلّ الاتّجاهات والأقسام، يحافظ شاعرنا على شاعريّة عنوانها: التّبسيط والوضوح، مع الرقّة والانسياب والمباشرة، كأنّي به عقد عهد القراءة مع كلّ الفئات والطّبقات، فديوانه على هذه الحال في متناول النّخبة، كما هو في متناول العامّة من المتذوّقين المتواضعين.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©