السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الرسالة رقم «مليون»

الرسالة رقم «مليون»
15 مارس 2013 21:07
كان يجلس في حجر والدي حين قرر فجأة تغيير مكانه مسدداً أثناء ذلك ركلة موجعة لوجه أبي شعرت كأنها التصقت بوجهي، وهممت بجذب طفلي من يده لكن أبي ضحك، وقال إن الصغير لا ذنب له، فهو قد تلقى الكثير من الضربات الطائشة من أحفاده ويتوقع المزيد منها إلى أن يقضي الدين الذي عليه. يقول إنه في صباه كان مسافراً مع والده في سيارة نقل مكتظة بالركاب، وبحلول الظلام باتوا في الجزء الخلفي المكشوف من السيارة، وكانوا متلاصقين وينام هو في مستوى أعلى من مستوى والده، ويبدو أنه بقي طوال الليل يرفسه في وجهه بحذائه، «الأحذية القديمة لابد كانت قاسية ومدببة»، ولم يشأ والده إيقاظه وآثر أن يتركه ينام قرير العين طليق القدمين. وفي الصباح فوجئ بوجه والده وقد امتلأ خدوشاً وكدمات. كنت ما أزال حانقاً على طفلي وأرمقه بنظرات توحي بتأجيل العقاب، وقلت لأبي إن ضرباته لم تكن مقصودة، فليس على النائم حرج، ومن ثم لا مبرر لتلقيه الضربات الآن، لكنه قال إن ضربة طفلي أيضاً غير مقصودة، وكما سدّد ضربات خطأ، ها هو يتلقى بعد 60 سنة العقاب خطأ أيضاً. وفي الأدب الصوفي حكاية تاجر أخشاب كان يبخس الحطّابين الفقراء حطبهم ويشتريها منهم بثمن بخس. وفي ليلة طارت شرارة من مطبخه ووقعت بمخزن الحطب، فالتهمت النار أملاكه كلها، فقعد يخبط رأسه بيده أمام كومة الرماد ويتساءل: من أين جاءت هذه النار؟! فقيل له: جاءت من دخان قلوب الحطّابين الفقراء. في اليوم التالي بعثت الرسالة رقم مليون لأحد رؤسائي في العمل، أنشده الله أن يطلب ملفي الوظيفي ويحقق في الظلم الذي تعرضت له، ووضعت يدي تحت خدي أكثر من ساعة انتظر رداً منه، لكن لم يصلني أي شيء. وأثناء تبادل الأحاديث مع زملاء التدخين في مواقف السيارات، أخذت أصف رؤسائي بأجمل الأوصاف «لا أعمل في تلك الجهة حالياً ولذلك لا خوف علي ولا هم يحزنون»، وفجأة انتبهت لسحابة دخان خرجت من فم أحدهم، وتذكرت الدخان الذي تصاعد من قلوب الحطّابين الفقراء. عدت إلى الداخل وقد زال عني نصف ألم الظلم الوظيفي، فقد كنت قبل التحاقي بهذا المكان أشغل منصباً مهماً في مؤسسة إعلامية، وللدقة، كنت الرجل الثاني فيها، وحدث أكثر من مرة أن قرر المسؤول الأول تسريح موظف لضعف أدائه. ولم يكن تعيين أو فصل الموظفين من اختصاصي، ولم يكن رأيي في هذه الحالات مطلوباً، لكن الخطأ الذي كنت أرتكبه هو أنني لم أكن أستمع إلى من أنهيت خدماته، وكنت أتهرّب من اتصالاته، وكان يمكن أن أصغي لما يقول، مجرد سماع لا يكلفني إلا ثلاث دقائق، ثم أناوله ورق محارم وأجبر خاطره بكلمة طيبة. ويبدو أنني ذُقت من الكأس نفسها بعد أن التحقت بهذه المؤسسة التي لا أهش فيها ولا أبش، وتعرضت لغبن واضح في درجتي الوظيفية، إذ أن زملاء آخرين تعرّضوا لإجحاف مماثل، لكنهم وجدوا من يستمع إليهم ولو من باب رفع العتب، وهو ما لم يحصل معي، إذ بقيت أحاول سنة كاملة التواصل مع «الذين هم فوق» لكن كأنني كنت أتحدث إلى الجدران، والوحيد الذي أعطاني دقائق من وقته الثمين قال باستخفاف وهو غارق في مقعده: أنا منذ البداية قلت لهم إننا لسنا في حاجة إليك، وفوجئت بأنك موظف لدينا. هل هذه بتلك؟ هل أقفل أحد الذين كانوا يحاولون الوصول إليّ الخط الهاتفي بعد أن ملّ الانتظار وأنا أتهرّب من مكالمته، ثم رفع طرفه إلى السماء وقال: «اللهم صُمَّ آذان رؤساء هذا المدير عن الاستماع إلى شكواه إلى الأبد»؟ الله أعلم، صحيح أنني لم أظلم أحداً في المؤسسة الأولى، أو هكذا أعتقد، لكن عدم استماع أحد لشكواي يشبه تماماً عدم سماعي لأنين الأشخاص الذين تعرضوا للفصل حين كنت مسؤولاً، لذلك، فأنا لن أنسى حقي الذي سلبوه مني، لكنني متنازل عن حقي في الاستماع إليّ، وأقول في داخلي: تستحق يا مدير «سابق»! أحمد أميري me@ahmedamiri.ae
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©