الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الفنون الجميلة ليست «أسهماً» ولا تشترى من أجل الربح

الفنون الجميلة ليست «أسهماً» ولا تشترى من أجل الربح
13 أغسطس 2009 02:29
من يعرف أن توت عنخ آمون كان معروفاً بولعه بجمع القطع الخزفية الجميلة؟! من يعرف أن الرومان كانوا يتباهون - بعضهم على بعض - بما يمكن أن تزدان به المنازل من أحسن الغنائم؟! ثمَّ إن هناك قصصاً عن الملك الجيرماني جينسيرك وحرصه على ضم الغنائم من التحف الفنية إلى مجموعته، بدل أن يتركها طعاماً للنيران عندما كان ينهب روما. وتذكر كتب عديدة أن رعاة عصر النهضة من الباباوات والأمراء، ومروراً بأرستقراطيي بريطانيا في القرن 18 كانوا يجمعون تذكاراتهم التي يحصلون عليها من خلال جولاتهم في أوروبا. اليوم اتسع تأثير الأعمال الفنية أكثر من أي وقت مضى، وقد نسأل: لماذا يجمع الجامعون؟ وما سبب الاهتمام بالأعمال الفنية المعاصرة؟ وما هي مبادئ صناعة جامعي الأعمال الفنية واستراتيجياتها، ثمَّ كيف تصبح جامعاً للأعمال الفنية وما هي الخطوات العملية لذلك؟ كل هذه الأمور المتعلقة بالعمل الفني بما فيها معرفة طبيعة الفن المعاصر يطرحه كتاب «فن الاقتناء.. دليل هواة جمع الأعمال الفنية المعاصرة» للباحثتين لويزا باك وجوديث جرير والصادر عن هيئة أبوظبي للثقافة والتراث مؤخراً، وفي إطار تلك المفاصل نقلب أول الأفكار وأهمها: أكثر الكلمات استخداماً لوصف غريزة جمع الأعمال الفنية هي «الاستحواذ، وتليها أوصاف أخرى مثل: الشغف، المنافسة، العصابية، الاستعراضية، وتعظيم النفس. تقول الكاتبتان: «ينظر أحياناً إلى عملية الجمع على أنها محاولة مرضية للسيطرة على فوضى الحياة اليومية أو على أنها وسيلة لمقاومة العناء». سيجموند فرويد كان جامعاً شرهاً للآثار وقد عرّف جمع الأعمال الفنية على أنه «تعويض عن الفقد»، بينما كان والتر بنجامين جامع الكتب المتحمس يرى أن أكثر ما يأخذ بلب جامع الأعمال الفنية هو جمع مجموعة من العناصر في دائرة سحرية، فتلك هي متعة الاقتناء. وقد كتب جان بودريار، في عام 1968 ساخراً من الجمع وواصفاً له بأنه الوسيلة التي يلجأ إليها المجتمع الاستهلاكي ليستبدل العناصر المادية بالقيم والعلاقات الإنسانية. وقد نتساءل مع الكاتبتين هل يعد جمع الأعمال الفنية في بعض الأحيان داء «ودواء» في الوقت ذاته؟ وهل هو نوع من الأبوة بداخل الفرد يولد لديه الاهتمام الشكلي العاطفي أم هو معرفة ذهنية وعلمية لا تتوفر إلا للقلائل من الناس ممن يطلق عليهم: الجامعون؟. الرغبة والشغف قد تتحولان إلى حالة مرضية أو حماقة كما ترى هيلاري روبنشتاين، وهي جامعة أعمال فنية واختصاصية نفسية ونائبة أول في متحف الفن الحديث بنيويورك. متعة المفاجأة «تواجهك - بالضرورة - الأعمال الفنية المعاصرة عادة بما لا تعرف، أو بما لم تكن تعرف من قبل، أو بما تعرفه بالفعل ولكن بشكل لم تتوقعه». هذا ما يقوله آلان شفارتزمان وهو مستشار فني في نيويورك، بينما يرى أندرو رينتون وهو أمين مجموعة كرانفورد في لندن «أن الناس تجمع عناصر من الفن المعاصر لأنها تعكس تجاربهم، فهي أكثر ارتباطاً، بحياتهم اليومية من أعمال الفترة التكعيبية لبيكاسو على سبيل المثال». ولكن لماذا؟ أولاً لأن الأعمال الفنية المعاصرة هي بنت عصرها، وثانياً يمكنها أن تتخذ عدداً لامتناهياً من الصور، وثالثاً قدرة العمل الفني المعاصر على جذب العقل والعين بما يتمتع به من جمال، وقد يجبر المشاهد على أن يتصارع مع مفاهيم غير مألوفة، أو أن ينظر بنظرة جديدة للحياة اليومية، ورابعاً تشير الأعمال الفنية المعاصرة في كثير من الأحيان إلى الماضي لكي تضيء الحاضر، وتشير إلى المستقبل فتقوي من فهم تاريخ العمل الفني وتقديره، وخامساً كون الأعمال الفنية المعاصرة هي نتاج فنانين لا يزالون على قيد الحياة فهذا يعني صعوبة التكهن بما سيأتي في المستقبل حيث يغير الفنانون أساليبهم، وسادساً يستطيع الجامعون أن يلتقوا بالفنانين، وسابعاً لا يمكن فصل جمع الأعمال المعاصرة عن المشهد الاجتماعي العالمي، وثامناً أهمية عائدات الأعمال الفنية المعاصرة. الفن والمال ولكن هل نستطيع أن نقرر مع باربرا جلادستون من قاعة عرض جلادستون في نيويورك أن الفنون الجميلة «ليست كالأسهم، ولا يجب أن تعامل على أنها كذلك، بل إن جزءاً من المشكلة يكمن في الناس عندما يبدأون في الحديث عنها كما يتحدثون عن الأسهم». تقوم لعبة جمع الأعمال الفنية على ثلاثة مبادئ هي: التفاعل مع الفنون، وعدم اقتناء الأعمال الفنية بغرض التكسب فقط، وتأسيس إطار مفاهيمي، ويشكل التفاعل عمق الفهم الذاتي الإنساني للعمل المطروح. وقد نسأل لماذا هذه القطعة بالذات ولماذا هذا الفنان على وجه الخصوص ولمَ هذا الوسيط الفني، ولمَ هذه الفكرة دون غيرها من الأفكار؟. إن جمع الأعمال تفاعل وتعلم شخصي مما يجعل اقتناء الأعمال أمراً كثير الصعوبة، ويتطلب شدة وعي ذاتي وطاقة عقلية مستقرة. أما المبدأ الثاني فهو أنها ضد مبدأ عائدات الربح، ففي عالم يتفجر بالمليارات من الدولارات تزخر السوق العالمية بقصص عن ارتفاعات مفاجئة وخيالية في الأسعار، ومن ذلك على سبيل المثال: لوحة «الوردة» لمارلين دوما، وهي رسامة من جنوب أفريقيا من مواليد 1953 تنتمي إلى حركة الفن المعاصر وتشتهر باستخدامها للصور ومنها الإباحية في أعمالها، ارتفع ثمنها من 2400 جنيه استرليني في عام 1997 لتصل إلى 1.87 مليون جنيه استرليني في عام 2005. كما ارتفع سعر عمل لجون كيرين وهو رسام أميركي معاصر من 14.300 دولار في عام 1997 ليصل إلى 847.000 ألف دولار اليوم. في حين كان سعر لوحة موريزيو كاتيلان «البابا مضروب بنيزك» في عام 2001 يساوي 880 ألف دولار، وبيعت في عام 2003 بأربعة ملايين من الدولارات. الإطار المفهومي لابد أن يخلق جامع الأعمال إطاراً مفهومياً لمجموعته فمع أخذ تكوينها العام في الاعتبار والعلاقة بين الأجزاء المكونة لها، يمكن أن يحكم كيف تتم عملية الاقتناء وكيف تعرّف المجموعة، والقاعدة العامة هي: كلما كانت فئة المجموعة أكثر تحديداً، زادت مصداقية الجامع. وأهم ما في الإطار المفاهيمي هو معرفة الذوق والتفضيلات بما ينعكس على المقتنيات وبما يستتبع تنظيم المجموعة الفنية واستراتيجياتها حيث يمكن تحديد موضوع المجموعة، والذي يعمق بدوره عملية الشراء لفنان معين أو شراء أعمال لفنانين آخرين يتولد لديك الاحتفاء بهم عبر تجربتك مع الفن. ولكن هذا لا يعني أن الشراء العرضي لا يحدث، فأحياناً يرى الجامع نفسه في إطار «التجميع الأفقي» والذي يتم فيه اختيار نطاق عرضي من الأعمال، ولكن دائماً ما نجد أن الاختيار يتبع الوسيط الفني أو الشراء بالتكليف الخاص. كيف تصبح جامعاً للأعمال الفنية وما هي الخطوات العملية لذلك؟ لنقل بحسب المؤلفتين أن المشاهدة ثم المشاهدة ثم المشاهدة هي الطريق الوحيد للتولع والدهشة وتنمية الشغف. وقد نسأل: هل هو تمرين مستمر يتحول فيه الهواة إلى محترفين؟ نعم.. هكذا يحسب الأمر عندما يبدأ الهواة بطرح الأسئلة فيتحولون فيما بعد إلى أساتذة في هذا الحقل. فكلما زاد فضول الجامع كان جامعاً أفضل. وكما يقول أندرو رينتون: «كل ما يهمني هو الاقتراب الجسدي من العمل الفني»، ولا يتم ذلك إلا عبر تدريب العين والقراءة والتعلم والصلات بالمؤسسات والتكلم والاستماع وعدم التعجل أو الخوف من الوقوع في الخطأ. فحص السوق ما سرّ شراء الأعمال الفنية التي يمكن أن تشتريها أحياناً من معارض فنية أو من المزادات أو من التجار؟ تقول ريموند مولين مديرة مركز الفنون الاجتماعية في باريس: «سوق الأعمال الفنية هي المكان الذي يتحول فيه المنتج الثقافي إلى سلعة بسحر خفي. إن سوق الفن المعاصر وحش متعدد الرؤوس، ولابد حين تدخل إلى تلك السوق أن تحسب خطواتك». ويروي جلين فوهرمان جامع أعمال فنية في نيويورك قصة صغيرة عن علاقته بعملية الجمع: «كنت في الثالثة والعشرين، خائفاً، ولا أملك مالاً كثيراً. اتصلت بالفنان أرنولد نيومان فزرته واشتريت لوحتين منه وهما معلقتان في شقتي لحد اليوم. ومنذ ذلك اليوم عرفت أن اقتحام هذا العالم يحتاج إلى جرأة حيث لابد من التحدث مباشرة مع الفنان. أسس للاقتناء يستتبع ذلك أن نقرر أن الجرأة مهمة جداً، وأنه ينبغي عليك أن تقوم بالدور الذي عليك أن تقوم به، وأن تظهر الاهتمام بأساليب وأسس الاقتناء الصحيح، بالإضافة إلى ضرورة عدم إضاعة وقت العرض، وزيارة بيوت المزادات، وتمتين علاقاتك مع مسؤولي تلك الدور، والاستماع إلى مزايا الشراء من بيوت المزاد، وأن تعرف كيف تتفحص القطعة الفنية، وتدرك أهمية حضور عرض ما قبل البيع، وأهمية المستشارين الفنيين وكيفية الشراء من المصادر الأخرى، وما هي النقاط العامة التي يجب تذكرها عند الشراء؟ ويناقش الكتاب باستفاضة مفيدة كيفية العناية بالأعمال الفنية، وتوثيق العمل الفني، وكيفية التعامل مع نقلها وتركيبها والحفاظ عليها وصيانتها، وأهمية تجنب وقوع الحوادث، وكيفية تخزينها أو كيفية وأسس إقراض الأعمال الفنية وإعارتها. إلى جانب ذلك يناقش أهمية الجمعيات المؤسساتية والمتاحف غير الربحية، ومفهوم المتاحف كونه اصطلاحاً لا يمت للربح بصلة، والأدوار المختلفة في المؤسسات وأشكال الرعاية الفنية، وطبيعة دعم الأعمال الفنية التي تقوم بها تلك المؤسسات ثم استتباع كل ذلك بمصطلحات خاصة يستخدمها المقتنون والجامعون. أخيراً، هذا الكتاب يطلعنا على عالم لم نطأه بأقدامنا بعد بل هو سر من أسرار الحياة وبحر من بحور لا بد أن يغرق فيه جاهله وينجو فيه عالمه، كما أنه الأيقونة التي تضم المارد الذي يمنحك الملايين بلا جهد.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©