الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

صدام الجبابرة

صدام الجبابرة
15 مارس 2013 21:07
أكره جدًا هذا الطراز من البشر الذين يحبون سماع صوتهم الخاص وهم يتكلمون.. هؤلاء الأوغاد المستمرين.. هؤلاء الذين يتكلمون للأبد، ويمكنهم أن يقولوا في ساعة ما يمكن قوله في جملة واحدة.. من المؤسف أن هذه العينة من البشر هي التي يطلب منها الكلام في الحفلات العامة، وهكذا يمسك الرجل بالميكروفون ويبتسم ثم يقول: ـ «بالطبع يشرفني أن أخاطب هذا الجمع المحترم من السادة والزملاء، وأنا لست خطيبًا مفوهًا لكني سأحاول أن أعبر عن سعادتي بالتئام هذا الشمل، وسعادتي بأنكم دعوتموني للكلام هنا، وها نحن أولاء نلتقي ونتذكر كم نحن أصدقاء نحب بعضنا.. وهذا الحفل قد تم ترتيبه خصيصًا لتقوية العلاقات الاجتماعية بيننا، بينما هي علاقات قوية أصلاً، وإن كنا نؤمن أن الإعلان عن المحبة لا يؤدي إلى فقدانها بالضرورة، كما يقول المثل الشعبي كتر السلام يقل المعرفة «ضحكات عصبية من الجالسين»، وهذا المثل في رأيي مغرض ولا لزوم له، وهو من ضمن الأمثال التي يجب حذفها من قاموسنا، لأن كثرة السلام لن تقلل المودة بل ستزيدها.. يمكنك أن تتخيل أنك تمر بي يوميًا فأحييك بصباح الخير، ثم تصور أنني في يوم من الأيام أفضل أن أصمت.. فهل هذا يزيد صداقتنا...... ؟؟؟» كل هذا الذي قاله يتلخص في جملة واحدة تقال في ثلاث ثوان: «أنا سعيد بلقائنا».. لكنه لا يقول أي شيء بالطريقة السهلة.. أمامه نصف ساعة من الكلام المتواصل مع تكرار عبارة «لقد أطلت عليكم» من حين لآخر.. والناس في البداية تنفي ذلك في تهذيب ثم بعد فترة يكتشفون أن الصمت أفضل. هذا الرجل لن يصمت أبدًا.. إنه الشيطان وقد ظفر بأرواحهم.. عندما قررت دخول عالم كتابة المسلسلات كانت لدي فكرة ممتازة للمسلسل: «البطل يحاول السطو على المصرف فيقبض عليه»!. كتبت هذه الفكرة في مشهد يستغرق ربع ساعة على الشاشة، فقال لي المنتج إن علي أن أنفش الفكرة قليلاً.. يجب أن تستغرق ثلاثين حلقة مدة الحلقة ساعة إلا ربع!.. هكذا أدركت أنه من المستحيل أن أقدم أي مسلسل في حياتي، وعلي أن أنكمش. المسلسلات مهنة أمثال خطيب الحفل هذا.. كان لي صديق كهذا في عملي، ثم جاءت زميلة جديدة لتتسلم عملها.. كان أول ما قاله لها: ـ «نحن سعداء بقدومك.. إن قدوم زميل جديد للعمل هو عيد دائم، فكيف إذا كان زميلة راقية مثلك.. هل فهمت ما أريد قوله؟.. نحن سعداء بقدومك.. هذا كلام من القلب.. في العادة نقول هذا لكن الحالة اليوم تختلف.. نحن سعداء أكثر من المعتاد..». كما ترى يمكن تلخيص هذا الحديث في كلمة «أهلاً».. هنا ردت عليه الزميلة: ـ «هذا يسرني.. أنت تعرف أن المرء يكون عصبيًا عندما يلتحق بعمل جديد لأنه يخشى طباع الناس والوجوه.. المرء يكون قلقًا من المعارف الجديدة.. أنت تفهم ما أعنيه. لكن عندما يجد الإنسان وجوهًا مرحبة باسمة فإنه يتفاءل بصدد العمل. خاصة عندما يقابل وجوهًا باسمة ضحوكة.. لن تتصور مدى أهمية الابتسامة للموظف الجديد الذي يدخل مكانًا كهذا..». كما ترى يمكن تلخيص هذا الحديث في كلمة «شكرًا».. كان صاحبي يهز رأسه بلا توقف محاولاً جعلها تتوقف ليتكلم هو.. سوف يموت مكبوتاً أو مخنوقاً.. اصمتي يا ملعونة لحظة واحدة.. قالت له قبل أن يتناول خيط الكلام: ـ «والآن أرجو أن تساعدني في فهم عناصر العمل.. هذا شيء مهم لأن المرء يجب أن يفهم عناصر العمل كما تعرف..». ـ»إنني .....». ـ «هناك وظائف لا يصبرون عليك فيها ولا يساعدونك على فهم عناصر العمل.. هذا قاس فعلاً كما تعرف.. ألا ترى هذا معي أم أنك لا تشعر به؟.. من دون شخص بشوش يقودك لفهم جوانب العمل فإن فرصتك شبه معدومة في الفهم.. هذا شيء بديهي». هرعت إلى غرفة خالية وانفجرت ضحكاً... لقد قابل من يسحقه أخيراً.. هذا هو صدام الجبابرة فعلاً.. المعركة العظمى التي لو وجد أحدنا نفسه فيها لهلك بلا رحمة.. أعتقد أنهما سوف يتزوجان.. لا شك في هذا.. ليس السبب هو أنهما سيحبان بعضهما، لكنهما سيتكلمان ويتكلمان فلا يجد أحدهما فرصة ليخبر الآخر أنه غير راغب في الزواج منه!! د. أحمد خالد توفيق
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©