الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

الغزو والحرب الأهلية والطاعون والكساد الاقتصادي تهوي بالإمبراطـورية الرومانيـة في القرن الثالث

الغزو والحرب الأهلية والطاعون والكساد الاقتصادي تهوي بالإمبراطـورية الرومانيـة في القرن الثالث
4 مايو 2017 23:02
حسونة الطيب (أبوظبي) أزمة القرن الثالث، التي تعرف أيضاً بالأزمة الإمبراطورية أو الفوضى العسكرية بين (235 إلى 284 ميلادي)، فترة شارفت فيها الإمبراطورية الرومانية على الانهيار عند وقوعها تحت مزيج من ضغوطات الغزو والحرب الأهلية والطاعون والكساد الاقتصادي. اندلعت الأزمة عند قيام جنود الإمبراطور سيفروس الإسكندر، باغتياله في سنة 235، لتبدأ حقبة 50 سنة ادعى خلالها 26 شخصاً لقب الإمبراطور، معظمهم من جنرالات الجيش الروماني المرموقين، الذين تولوا السلطة سواء على جزء من الإمبراطورية أو كلها. وقبل مجلس الشيوخ الروماني، بهؤلاء كأباطرة شرعيين في تلك الفترة. وبحلول 268م، تم تقسيم الإمبراطورية إلى 3 دول فيما بينهم، الإمبراطورية الغالية التي تضم المقاطعات الرومانية غال وبريتانيا وهسبانيا والإمبراطورية التدمرية، التي تتضمن الجزء الشرقي من سوريا الفلسطينية ومصر، بجانب الإمبراطورية الرومانية في إيطاليا. وفيما بعد وحد الإمبراطور أورليان (270-275م)، الإمبراطورية ووضع حداً للأزمة، مع اعتلاء الإمبراطور ديوكلاتين العرش في سنة 284م وإجراء الإصلاحات اللازمة. ونتج عن هذه الأزمة، تغييرات جوهرية في مؤسسات الإمبراطورية ومجتمعها وحياتها الاقتصادية والدينية. كما تغير المناخ وارتفعت مستويات البحر، مما أدى إلى تدمير الزراعة وهجرة الناس. وفي سنة 251م، انتشر وباء الجدري وماتت أعداد كبيرة من الناس، لتضعف مقدرة الإمبراطورية على حماية نفسها من الطامعين. وعلى الصعيد الداخلي، واجهت الإمبراطورية تضخماً مرتفعاً للغاية، تسببت فيه سنوات من تدهور قيمة العملة المعدنية. وبدأت رحلة التدهور هذه إبان فترة حكم أباطرة سيفيران، الذين عملوا على زيادة عدد أفراد الجيش بنحو الربع، بالإضافة لمضاعفة أجور الفيالق. وعندما تولى كل إمبراطور الحكم رغم قصر الفترة، يسعى للحصول على المال لمكافأة الجنود بمناسبة اعتلائه عرش الإمبراطورية، حيث يعني ذلك اتباع أقصر الطرق في تضخيم العملة، من خلال خفض قيمتها بإضافة البرونز والنحاس لمكوناتها. ونجم عن ذلك، ارتفاع جنوني في الأسعار، حيث أوشكت العملة الرومانية القديمة على الانهيار، عند اعتلاء ديوكلاتين سدة الحكم. كما تم جمع بعض الضرائب العينية، حيث كانت القيم في كثير من الأحيان، افتراضية في شكل عملات برونزية أو سبائك. واستمر حساب القيم الحقيقية، في شكل عملات ذهبية، إلا أن العملة الفضية والديناريوس، التي استخدمت لمدة 300 عام، لم تعد متداولة، (1 رطل ذهب = 40 أوري ذهب = 1000 ديناري=4000 سيسترسيس). وكادت هذه العملة أن تفقد قيمتها، بحلول نهاية القرن الثالث، في حين يتم تنفيذ التبادل التجاري دون استخدام عملة تجزئة. انهيار شبكة التجارة الداخلية ومن أكثر الآثار العميقة والطويلة التي خلفتها أزمة القرن الثالث، تعطيل الشبكة الداخلية الضخمة لتجارة روما.ومنذ حقبة السلام الروماني «باكس رومانا»، التي شهدت أطول فترة سلام في الإمبراطورية لمدة 206 سنوات، اعتمد اقتصاد الإمبراطورية وبنسبة كبيرة على، التجارة بين موانئ البحر الأبيض المتوسط وشبكة الطرق الداخلية الواسعة التي تربط أرجاء الإمبراطورية. وبإمكان التجار وقتها، السفر من منطقة إلى أخرى داخل الإمبراطورية بسلام في غضون أسابيع قليلة، يسوّقون السلع الزراعية التي تنتجها المقاطعات في المدن والبضائع المصنعة التي يتم انتاجها في المدن الكبيرة في شرق الإمبراطورية، في المناطق الريفية النائية. وتنتج المناطق الزراعية الكبيرة، المحاصيل النقدية بأغراض التصدير، لاستغلال عائداتها في استيراد المواد الغذائية والسلع المدنية المصنعة. ونتج عن ذلك، دعم اقتصادي داخلي مشترك بين قاطني الإمبراطورية في أصقاعها المختلفة. وجاء في وصف المؤرخ هنري موس، للوضع قبل اندلاع الأزمة:«لا تقتصر زيادة حركة السير في هذه الطرقات، على أفراد الجيش والمسؤولين فحسب، بل أيضاً التجار والبضائع وحتى السياح. ونما تبادل السلع بسرعة بين المقاطعات، ليبلغ مرحلة غير مسبوقة في تاريخ الإمبراطورية ولم يتكرر إلا قبل قرون قليلة. وسلع مثل، المعادن المستخرجة من مرتفعات أوروبا الغربية والجلود والمواشي من المناطق الرعوية في بريطانيا وإسبانيا وسواحل البحر الأسود والنفط من بروفانس وأكيتين والأخشاب والشمع من جنوب روسيا وشمال الأناضول والفواكه المجففة من سوريا والرخام من شواطئ بحر إيجة، والأهم من ذلك كله، الحبوب من مناطق زراعة القمح في شمال أفريقيا ومصر ووادي الدانوب، لتلبية حاجة المدن الكبرى، تتحرك بحرية تامة بين أرجاء الإمبراطورية، بموجب نظام دقيق للغاية للنقل والتسويق». ومع ذلك، وفي مطلع أزمة القرن الثالث، لم تسلم هذه الشبكة التجارية العملاقة من الانهيار. وتدهورت الحالة الأمنية في ظل انتشار الاضطرابات المدنية وأصبح من الصعب للتجار الحركة بأمان كما كان في السابق، بينما جعلت الأزمة المالية التبادل التجاري صعباً للغاية مع خفض قيمة العملات المعدنية. ونجم عن ذلك، تغييرات جوهرية متعددة الأوجه، ألقت بظلالها على الاعتبارية الاقتصادية غير المركزية التي تميزت بها العصور الوسطى لاحقاً. وبدأ كبار أصحاب الأراضي، الذين لم يعد في مقدورهم تصدير محاصيلهم لمناطق بعيدة، إنتاج المحاصيل الغذائية بغرض العيش والمقايضة المحلية. وبدلاً من استيراد البضائع المصنعة من مدن الإمبراطورية المنتشرة، بدأ هؤلاء أيضاً، في صناعة العديد من البضائع على الصعيد المحلي داخل مناطقهم الزراعية الكبيرة، لتنطلق حقبة الاكتفاء الذاتي «الاقتصاد المنزلي»، الذي أصبح سائداً في القرون اللاحقة ويكتمل في صورته النهائية في عصر المانورالية، «هو مجتمع يقوم على الإقطاعية الهرمية الرأسمالية»، في العصور الوسطى. وفي غضون ذلك، بدأ عامة سكان المدن الرومانية، التحرك بحرية نحو المناطق الريفية، بحثاً عن الغذاء وحماية أفضل. وللعوز الذي فرضته الحاجة الاقتصادية، أُرغم العديد من الذين كانوا يسكنون المدن، بالإضافة للعديد من صغار المزارعين، على التخلي عن حقوقهم المدنية الأساسية، مقابل الحصول على الحماية من كبار ملاك الأراضي. وفي القيام بذلك، أصبحوا فئة نصف حرة من المواطنين الرومانيين الذين يطلق عليهم اسم «كولوني». وارتبط هؤلاء بالأرض، ليتحول وضعهم لاحقاً وراثياً بموجب القانون الإمبراطوري. ونجم عن ذلك، نموذج مبكر للعبودية، وأصول المجتمع الإقطاعي والفلاحي في القرون الوسطى. تصاعد المحلية بدأت شخصية المدن الرومانية في التغيير، حيث أخذ طابع المدن الكبيرة القديمة المفتوحة، في إفساح المجال أمام نظيراتها الصغيرة المحاطة بالأسوار والتي اصبحت طابعاً شائعاً في العصور الوسطى. وبدلاً من قيام الإمبراطورات اللاحقين بالإصلاحات اللازمة، لم تستطع شبكة التجارة الرومانية في التعافي الكامل أبداً، لما كانت عليه خلال حقبة السلام الروماني «باكس رومانا».ووضح هذا التراجع الاقتصادي جلياً، في الأجزاء الغربية من الإمبراطورية، التي تعرضت أيضاً للغزو عدة مرات خلال القرن الثالث. وبذلك، تحول ميزان القوى نحو الشرق، ما دفع الإمبراطور ديوكلاتين، لاختيار الحكم من نيقوميديا في آسيا الصغرى. وكان لذلك، تأثير كبير انعكس مؤخراً على عملية التطوير في الإمبراطورية، مع جزء شرقي يتمتع بالمزيد من الاستقرار والثراء، ما مكنه من البقاء عند انتهاء حقبة الحكم الروماني في الغرب. وفي حين انهارت عائدات الإمبراطورية، ارتفع مقابل ذلك حجم مصروفاتها، حيث المزيد من الجنود، الذين ارتفع عددهم من 150 ألفا في البداية، إلى 400 ألف عند بداية القرن الثالث، والفرسان والتكاليف الباهظة لبناء الأسوار حول المدن، ما زاد حدة الأزمة. جمع المال عبر فرض ضرائب طوارئ برزت المطالبة بدفع تكلفة البضائع والخدمات، التي كانت تتولى تسديدها الحكومة من قبل، بالإضافة إلى الضريبية النقدية. وعلى العكس من حكومات اليوم الواعية، لم يكن في مقدور الإمبراطورية الرومانية القديمة، تسيير أمورها بعجز في الميزانية. وإن لم يكن لديها فائضاً في تلك الميزانية، يترتب على الحكومة الحصول على المال بطرق غير عادية. ولجأ الإمبراطور ماركوس أوريليوس مثلاً، لجمع المال عبر فرض ضرائب طوارئ وعرض ممتلكاته الشخصية وأثاث القصر، في مزاد علني. وأجبرت هجرة الأغنياء والفقراء على حد سواء من المدن والحرف غير المجدية، الإمبراطور ديوكلاتين، للجوء للإكراه، حيث أصبحت معظم أنواع التجارة وراثيةً وأنه من المخالف للقانون ترك العمال لوظائفهم أو السفر لمناطق أخرى بحثاً عن فرص عمل أفضل. كما أدى تراجع النشاط التجاري بين مقاطعات الإمبراطورية، لوضع الناس في الطريق نحو الاكتفاء الذاتي. ولم يعد كبار ملاك الأراضي الذين زادت نسبة الاكتفاء الذاتي لديهم، يولون الكثير من الاهتمام للسلطة المركزية في روما، خاصة في الجزء الغربي من الإمبراطورية، مع إبداء عداء واضح تجاه جامعي الضرائب. وبدأ مقياس الثروة في هذا الوقت، أقل ارتباطاً بالسلطة المدنية، ليتعلق أكثر بفرض السيطرة على الأراضي الزراعية الشاسعة في المناطق الريفية، منذ أن ذلك يضمن الوصول للمورد الاقتصادي الوحيد ذي القيمة الحقيقية، المتمثل في الأراضي الزراعية والمحاصيل التي تنتجها. وفي غضون ذلك، افتقر عامة الناس في أرجاء الإمبراطورية، للوضع الاقتصادي والسياسي فيما يتعلق بالأرض، حيث تلاشت الطبقات التجارية الوسطى، بجانب سبل العيش المستمدة من التجارة. وبذلك، تكون أزمة القرن الثالث، بمثابة العلامة التي رمزت لبداية عملية تدريجية طويلة، أسهمت في تغيير العالم القديم، من العصور الكلاسيكية القديمة، إلى الوسطى، التي مهدت الطريق أمام بزوغ فجر العصور الوسطى. واستقبلت الإمبراطورية القرن الرابع، بتغيير كامل في مؤسساتها الإدارية والعسكرية، حيث البيروقراطية والجمود والتوجه الدائم نحو الحرب ولم تعد عاصمتها في روما، بل في القسطنطينية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©