الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تقييد الشعر

تقييد الشعر
13 أغسطس 2009 02:31
الثابت تاريخياً أن حياة صفي الدين الحلي كانت محفوفة بالمخاطر فلقد عاش فترة الاضطرابات والفتن التي عمّت العراق في عهد محمود غازان بن أرغون بن أبغا عند اقتتال أهل هولاكو على العرش. وقد خاض صفي الدين وقومه غمار هذه الأحداث. يقول المغيري في كتابه «المنتخب في ذكر نسب قبائل العرب» متحدّثا عن الشاعر: «كان في زمن تغلّب التّتر فيه على العراق… نهضت طيء في قتال التتر فهزموهم وانصرفت طيء». والراجح أن الرزايا والفجائع التي شهدها خلال تلك المعارك هي التي زرعت في نفسه الميل إلى غنم اللذات. يجمع كل من ابن تغري بردي في كتابه «النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة»، وحاجي خليفة في كتابه «كشف الظنون» وصلاح الدين الصفدي في «أعيان العصر وأعوان النصر» والعسقلاني في «الدرر الكامنة في أعيان المائة» على أن صفي الدين كان شاعراً ميّالاً إلى الورع حريصاً على نظم المدائح النبويّة ذخراً للمعاد؛ لكن ملذّات الدنيا ملكت عليه نفسه فصار، على جدّيته وصرامته، من الشعراء المقبلين على غنم اللذّات. لذلك احتفى بالخمرة تشراباً ووصفاً فخصّها بالعديد من القصائد والمقطّعات. وقد وصل من شدّة شغفه بالخمرة أصنافاً وألواناً أنْ نظم سبع قصائد كل قصيدة تحتوي على سبعة أبيات وخصّ كل واحدة منها بيوم من أيام الأسبوع والتزم، في روي كل قصيدة، آخر حرف من اليوم الذي فيه القول وهو يحث على شربها كامل أيام الأسبوع. يقول مثلاً يا صاحِبَ الفَضلِ العَميـمِ وَصاحِبَ الرَبعِ الأَنيسِ في كُلَّ يَومٍ تَجتَلي صَبّاً يُجَلّى في الكُؤوسِ مِنَ الخَميسِ إِلى الخَميسِ إِلى الخَميسِ إِلى الخَميسِ ونقرأ أيضا: فَثُب كُلَّ يَومٍ إِلى قَهوَةٍ تُشاكَلُ كاساتُها في الصَفاءِ وَمُر ساقِيَ الراحِ يَمزُج لَنا مِيــــاهَ الحَيـــــاةِ بِمــاءِ الحَيــــــاءِ مِنَ الأَربِعاءِ إِلى الأَربِعاءِ إِلى الأَربِعــــــــاءِ إِلى الأَربِعـــــاءِ وعلى هذا النسق جريان بقية المقطّعات فهو يختتم كل واحدة منها بذكر اليوم والحث على جعله يوم قصف وتشراب للخمر. فيستنهض المتلقّي إلى غنم اللذات يوم الجمعة ويوم السبت والأحد والاثنين والثلاثاء. ولعل أفضل إضافة قام بها الشاعر هي عمليات التقييد المتتالية التي سهلت على الناس حفظ أوزان الخليل والتمرّس بالعروض. فلقد قيّد مجرى القوافي وحروفها وقام بتقييد بحور العروض الستّة عشر وتقييد زحاف الشعر الثمانية على ترتيب وقوعها في الأبحر. قال مثلا في ما قيّد به بحور العروض: طَويلٌ لَهُ دونَ البُحورِ فَضائِلُ فَعولُن مَفاعيلُ فَعولُن مَفاعِلُ لَمَديدِ الشِعرِ عِندي صِفــاتُ فاعِلاتُن فاعِلُن فاعِــلاتُ إِنَّ البَسيطَ لَدَيهِ يُبسَطُ الأَمَـلُ مُستَفعِلُن فاعِلُن مُستَفعِلُن فَعِلُ بُحورُ الشِعرِ وافِرُها جَمـيلُ مُفاعَلَتُن مُفاعَلَتُن فُعـــولُ وقال في ما قيّد به زحاف الشعر الثمانية على ترتيب وقوعها في البحور: زُحافُ الشِّعرِ قَبضٌ ثُمَّ كَفٌّ بِهِنَّ لأَحرُفِ الأَجزاءِ نَقصُ
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©