الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أوّل ناقدة عربيّة في التاريخ

أوّل ناقدة عربيّة في التاريخ
13 أغسطس 2009 02:32
أورد ابن قتيبة في كتابه «الشعر والشعراء»، لدى ترجمة علقَمة بن عبْدة، أو علقمة الفحل، خبراً أدبيّاً طريفاً مضمونه أنّ علقمة الفحل تنافَس مع امرئ القيس، وكان معاصراً له، فتجادلا في أيّهما أشعر من الآخر، إلى أمّ جندب، زوج امرئ القيس، فطلبت إلى كلّ منهما أن يُنْشئ قصيدةً في وصف فرسه، على قافية واحدة، وبحر واحد، فقال امرؤ القيس من قصيدة: فللسوط أُلهوبٌ وللسّاقِ دِرّةٌ وللزَّجر منه وقعُ أخرَجَ مُهْذِبِ في حين قال علقمة بن عبدة من أبياتٍ يصف فيها فرسه: فأدركهنّ ثانياً من عِنانـــهِ يمُرُّ كَمَرِّ الرائحِ المتحلِّــبِ فزعمت أمّ جُندب لامرئ القيس أنّ علقمة أشعر منه، فلمّا سألها عن العلّة الفنيّة في ذلك قالت له ما معناه: إنّ علقمة وصف فرسه بالسرعة المذهلة، وأنه يبلغ به غايته من الصيد وهو لا يزال يتوهّج نشاطاً وقوّةً، فهو ليس محتاجاً إلى دِرّة يُحَفَّزه بها، ولا إلى سوطٍ يُسَوَّطُه به ليزيدَ من ركْضه، بل هو يركض من تلقاء نفسه كالريح المرسلة! في حين أنّ فرسك، أنت، تستعين على بلوغ صيدك مِن علَى متنه بالسّوط والدِّرّة، والتهييج والتنشيط، والزَّجر والتحفيز، وإلاّ فما صنعتَ شيئاً!... وشتّان ما بينهما؛ فعلقمة، إذن، أشعرُ منك وأفحل!. ويزعم الخبرُ أنّ امرأ القيس غضِب من صاحبته، أمّ جندب، قائلاً: ما علقمةُ «بأشعر منّي، ولكنّكِ له عاشق»! ويبدو أنّ جوهر الحكاية صحيح، ولكن، الألفاظ التي صُبّتْ فيها متأخّرة عن زمن الجاهليّة، وإلاّ فأنَّى لأمّ جندب بمعرفة هذا النقد الذكيّ الدقيق الذي يفصّل الاختلاف بين الوصفين، وأنّ وصْف امرئ القيس دون وصف علقمة الفحل؟ غير أنّ الذي فات أمَّ جندب، إن كان الخبر صحيحاً حقّاً، أنّ امرأ القيس وصف فرسه وصفاً واقعيّاً صادقاً، فعبّر عن حالة معروفة لدى كلّ المتسابقين على الخيل، فمهما يكن الفرس جواداً كريماً فهو محتاج إلى شيء من التحفيز ليزداد نشاطاً وسرعةً حتى يبلغَ منه راكبه ما يريد. في حين أنّ علقمة قدّم وصْفاً مثاليّاً يحتاج إلى الصدق والواقعيّة، لأنّه يزعم أنّ فرسه يبلغ غايته من الصيد وراكبُه ثانٍ من عِنانه، وأنّه يمرّ بما يمُرّ به وهو أسرع من الريح! وهذه صورة، كما قررنا، غيرُ صادقة في واقع الحياة... وقد تكون هذه الناقدة العربيّة الأولى، في التاريخ، غيرَ عاشقةٍ لعلقمة بن عبدة أصلاً، على غير ما اتّهمها به زوجها امرؤ القيس، ولكنّها تعصّبتْ في حكمها النقديّ للصورة المثاليّة التي كانت تَنشُدها في أيّ فرس، لا للصورة الواقعيّة التي جعلتْ هذا الفرسَ مجردَ فرس عاديّ لا يتمتّع بأيٍّ من صفات الجواد الكريم. ونودّ أن نتساءل عن الوصف الآخر العجيب الذي وصف به امرؤ القيس حصانه في معلّقته، وهو: مِكَرٍّ مِفَرٍّ مُقْبلٍ مُدبرٍ معاً كجُلمودِ صخرٍ حطّه السيلُ من عَلِ! فهل قاله قبل هذه الحادثة، فقصّر في الوصف الثاني، أم قاله بعدها فأفاد من ملاحظة أمّ جندب التي تزوّجها، بعد طلاقها، علقمة الفحل... والذي يعنينا في كلّ ذلك أنّ أمّ جندب ليست أمّ الناقدات العربيّات على وجه الإطلاق فحسب، ولكنّها أمّ النّقّاد العرب جميعاً، أيضاً.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©