الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

الطاهر الحداد.. العالِم مجدِّداً وخارجاً من أسر التقليد

الطاهر الحداد.. العالِم مجدِّداً وخارجاً من أسر التقليد
16 يونيو 2016 14:51
ساسي جبيل (تونس) يعتبر الطاهر الحداد علماً من الأعلام المدافعين عن حقوق المرأة في تونس، وكان الناشطون المدافعون عن حقوق المرأة في تونس وما يزالون، ينظرون إليه كرمز من رموز الفكر المستنير، باعتباره العقل الذي وقف وراء الوضع القانوني المتقدم للمرأة، مؤكدين أن مجتمعاً لم تتحرر فيه المرأة يعتبر مجتمعاً مكبلاً، خاصة أن الحداد تبنى قضية حقوق المرأة واعتبرها من دعائم التقدم للبلاد، دون تعارضها مع العقيدة، وذلك في كتابه «امرأتنا في الشريعة والمجتمع». هو أصيل بلدة «الحامة» من محافظة قابس التونسية، جنوب شرق البلاد، تعلّم بالجامعة الزيتونية وحصل على شهادة التطويع بامتياز سنة 1919، إلا أنه حاد عن العقلية الجامدة، وذلك بمثابرته في الاطلاع على الأفكار الإصلاحية الحديثة ونهل من أدبيات تختلف كل الاختلاف عن مرجعيات التعليم بجامعة الزيتونة. اعتبر الحداد التعليم الشامل للمرأة إحدى أبرز دعائم التقدم، مشجعا بكل جرأة جميع النساء على الذهاب إلى المدرسة، والمشاركة في بناء المجتمع على نطاق أوسع، في الوقت الذي كانت المرأة التونسية في ثلاثينيات القرن الماضي، ترزح تحت العقلية الأبويّة والعشائريّة السائدة في المجتمع، سجينة البيت والجهل، وخاضعة لغطرسة الرجل الذي يتصرف في مصيرها بحسب مشيئته ودون علمها أو استشارتها، لتظل بذلك أدنى من الرجل ودون حقوق ولا حريات. وبين الحداد في كتابه الأبرز «امرأتنا في الشريعة والمجتمع» أن المرأة التونسية، تمثل نصف المجتمع، وأن النصف الآخر «يبقى بين أحضانها» على حد تعبيره، «حيث تقوم بإعداد جيل الغد، لذلك فإن تعليمها يعتبر أمراً حتمياً وحيوياً، باعتبار أن النهوض بالمرأة هو بمثابة النهوض بكل المجتمع»، مشيراً إلى أن في إعداد المرأة إعداداً لمجتمع بأكمله. وشدد الحداد على أن الإسلام هو دين الواقع، ومن أجل ذلك أخذ بعين الاعتبار الظروف والعقليات السائدة عند ظهوره، وعمل على تغييرها تدريجياً حتى لا ينفر الناس من الدين الجديد، وبالتالي فإن ما جاء هذا الدين من أجله هو إرساء مجتمع يقوم على العدل والمساواة بين جميع المسلمين كما بين العبد والحر وبين الرجل والمرأة. وأوضح أن الإسلام صالح لكل زمان ومكان وأنه يأخذ بعين الاعتبار نواميس التطور التاريخي، ناهيك أن العديد من الأحكام التي وردت في القرآن نسخت بأحكام أخرى في عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم) متسائلاً: «كيف إذا وقفنا بالإسلام الخالد أمام الأجيال والقرون المتعاقبة بعد، بلا انقطاع، ونحن لا نتبدّل ولا نتغيّر؟». وشدد الحداد على أن الإسلام اكتفى في بداية الأمر بتليين الظواهر الاجتماعية والحد منها قصد إبطالها تدريجيّاً، خاصة أن الرسول كان قد أوصى بالعبيد كي يعاملوا بالحسنى، قبل التوصل إلى إلغاء الرقّ تدريجياً في جميع المجتمعات الإسلامية، دون أن يمسّ ذلك بمعتقداتهم الدينيّة، ودون أن يتجرأ أي كان (حتى في الأوساط السلفيّة المتطرّفة)، على المطالبة بالعودة إلى العبودية بدعوى أنها حلال ما دام لم يقع تحريمها صراحة. ودعا من خلال تشبعه بالدين الإسلامي إلى الاجتهاد في الإسلام طبقاً لمبادئه الخالدة التي تقوم على العدل والمساواة التي لا تتناقض مع إرسائها تدريجياً وطبقاً لنواميس التطور التاريخي، مؤكداً أنه وعوضاً عن الرجوع إلى أقوال فقهاء سابقين اجتهدوا حسبما يقتضيه عصرهم، على العلماء أن يجتهدوا حسب ما يقتضيه عصرهم الجديد، مستشهداً بموقف الإمام أبي حنيفة النعمان، الذي التحق ببعض الصحابة، عندما قيل له «إن قراءته للشريعة الإسلامية تختلف نوعاً ما عن تأويلات من سبقوه» فأجابهم: «هم رجال ونحن رجال»، وكذلك بموقف المصلح جمال الدين الأفغاني الذي يرى أن الإصلاح يستوجب نبذ التقليد واعتماد الاجتهاد وفقاً لحاجيات الزمن وأحكامه. وقد تأثر الحداد بفكر عبد الرحمن بن خلدون ومناهجه وتعلّم منه العقلانية، وبالتالي المصالحة بين الإيمان والعقل وكذلك المبادئ المناهضة للاستبداد والظلم والتي تقوم على فكرة «العدل أساس العمران» و«الظلم مُؤذِنٌ بخراب العمْران»، فضلاً عن اطلاعه على الفكر الإصلاحي بمصر من خلال روّاده كجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده اللذين ناضلا من أجل ملاءمة الإسلام مع مقتضيات العصر، وذلك بعدم الاقتصار على أحكام وردت عن علماء القرون الوسطى، والتي لم تعد صالحة لهذا الزمان، والاجتهاد طبقاً لمتطلبات المجتمعات الإسلامية في عصرهما، كما تشبّع كذلك بأفكار المصلح المصري قاسم أمين.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©