الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ميزان العدالة

ميزان العدالة
6 مايو 2010 21:10
سم الكلاب أحمد محمد (القاهرة) - لم يكن الزواج كله ورودا ورومانسية، وسعادة متواصلة في الليل والنهار كما كانت «عايدة» تحلم عندما تزوجت «إبراهيم» ابن القرية التي تقيم فيها، لم تعرفه من قبل ولم تسمع عنه إلا في ذلك الحين، غير أنها مثل كل الفتيات تنتظر الفارس الذي يحقق حلمها ويصطحبها إلى عش الزوجية، وربما تكون «عايدة» قد بالغت في الوهم والخيالات التي ستعيشها بعد الزواج كأنها ستنتقل إلى عالم آخر ودنيا أخرى غير التي تعيش فيها الآن، فقد وجدت نفسها كما هي في الحياة الجديدة، ولم يحدث أي تغيير يذكر، ولم يكن هناك فرق كبير بين حياتها في بيت أبيها وحياتها في بيت زوجها، فالأيام والليالي رتيبة ومتشابهة، ولم يكن ما تخيلته إلا شططا من بنات أفكارها، وسألت نفسها عدة أسئلة متداخلة متقاربة، منذ متى خرج الإنسان إلى دنيا افتراضية بعد الزواج؟ ما وجه الاختلاف بين رجلين أحدهما أبي والآخر زوجي إذا كان كل منهما لا هم له غير التحكم وإصدار الأوامر؟ هل الزواج وحده يصنع السعادة؟ هل كل من تزوجت تحب زوجها ويعيشان محلقين مع النجوم؟ واستغربت عندما أجابت عن هذه التساؤلات جميعاً بالنفي فقد اصطدمت بصخرة صماء، ووجدت زوجاً سيء الخُلق، لا يحسن العشرة، ولا يعرف للحياة الزوجية قدسية ولا حقوقاً، يحب نفسه ولا وجود لأحد في اهتماماته، لسان سليط وكلمات لاذعة، شتائم وسباب، حتى أنه يندر أن يكون له مطلب دون أن يمد يده إليها بالضرب بلا مبرر، هكذا تعوّد وكأن هذا ليس غريبا، وليس من حقها أن تعترض. تذرعت «عايدة» بالصبر، عسى أن تصلحه الأيام إذ من المحتمل أن يكون سبب ذلك هو خلاف الطباع بينهما، ولأن كلا منهما يجهل الآخر، وعندما لم يتغير شيء ويفيض بها الكيل تخرج عن صمتها ولا تستطيع أن تتحكم في لسانها، وتكيل له السباب وترد عليه بأسلوبه وطريقته لأن البادئ اظلم ووجدت في هذا متنفساً لها قبل أن تموت كمدا وغيظا، ولم تكن لديهما نقطة يلتقيان عندها، وتحول مجيء طفلتهما الأولى «سماح» إلى الدنيا إلى سبب آخر يزيد اشتعال نيران الخلاف بدلا من أن يكون وسيلة للتقريب والارتقاء فوق المشاكل التي لا تتوقف، حتى أن الطفلة عندما شبت عن الطوق انضمت إلى حزب أمها في كراهية الأب وكونتا جبهة ضده، لأن الابنة كانت تلقى نصيباً وافراً منه كما هو الحال مع أمها. عشرون عاما أو يزيد قليلا مضت، لم يخرج الأمر فيها عن النكد والشقاق والخلافات، حتى عندما جاء شاب يطلب يد الابنة، تخلى الأب عن كل مسؤولياته، وتوقف دوره عند الموافقة، ورفض أن يساهم في أي نفقات من متطلبات العرس، مما جعل الفتاة تحترق غيظاً، في الوقت الذي ينفق فيه على نفسه وملذاته أي أموال تقع تحت يديه من عمله في تجارة الأسماك التي يحترفها منذ صباه، فأرادت الابنة أن تهرب من هذا الجحيم وتخرج من البيت الذي يقف على فوهة بركان، يراودها أحيانا سؤال لابد منه: وهل يختلف خطيبها عن أبيها؟ وإذا كان الجواب بالنفي فإنها ستكون كالمستجير من الرمضاء بالنار، لكنها لا ترى الأمر كذلك، إذ تربطها به مشاعر طيبة وأحاسيس لا تسمح لهذه التجربة أن تتكرر ويجب أن تخرج من هنا بأسرع ما يمكن. واختفى «إبراهيم» ولا يعرف أحد اين ذهب، ثلاثة أيام وأسرته تبحث عنه بلا أثر حتى أبلغ والده قسم الشرطة ليبدأ رجال البوليس عملهم، لم يخف على أحد الخلافات بينه وبين زوجته، لكنها أكدت أنها لا تحبه ولكن لا يمكن أن تصيبه بمكروه، قالت إنه خرج إلى عمله مسافرا إلى مدينة أخرى ولم يعد، وصدقت الابنة على كلام أمها، والى هنا لم يكن هناك دليل على صدق أو كذب روايتهما، إلى أن كانت المفاجأة عندما عثر على حفرة حديثة في «عشة» الدجاج وتم نبشها والعثور على أجزاء آدمية، أنها جثة «إبراهيم» وقد قطعت إربا، تكاد لا تبدو منها معالم غير بعض الوشم الذي كان على ذراعه منذ زمن بعيد، واثر احتراق في احد قدميه، وقفت «عايدة» تنظر وتتابع المشهد دون أن يحرك عندها ساكنا، ويتم القبض عليها لتعترف بالتفاصيل التي لم يعرفها أحد إلا هي، قالت: بعدما تحملت منه الكثير في حياتي ولم أجد مخرجاً للخلاص من مشاكله طلبت منه الطلاق مرات عديدة لكنه كل مرة يرفض بعناد ويزداد في طغيانه، ووصل بنا الحال ألى أن ارد له الكيل كيلين وربما ارد له الضربات أحيانا بقدر ما استطيع لكن فارق القوة يجعله دائما يتفوق ويخرج من كل المعارك منتصرا، وأنا الطرف المهزوم على طول الخط، وابنتنا هذه التي التحقت بالجامعة وأصبحت عروسا وتمت خطبتها كانت ضحية له مثلي تماما، فلم يكن يوماً زوجاً ولا أباً، وإنما وحشاً بل اظلم وحوش الغابة، وعندما وصلت إلى نقطة اللاعودة ولم أجد حلا فكرت وقررت أن أخلعه، وأتفرغ لتجهيز ابنتي واهتم بتأثيث بيتها لكن المفاجأة الأكبر أن زوجي تحول إلى مارد، خرج من القمقم، ولا أخلاق له إذ تخلى عن كل القيم والصفات الإنسانية وراح يهددني بفضيحة مدوية أنا وابنتي وعائلتي، يتهمني بسوء السلوك وحجته أنني اطلب خلعه لأنني على علاقة برجل آخر وبذلك تخسر ابنتنا خطيبها وتلحق الفضيحة بي وبأسرتي ولن نستطيع النفي أو التخلص منها، ولم يقف الأمر عند مجرد التلويح بالتهديد، بل بدأ التصريح بذلك كضربة استباقية وقائية ليثنيني عن قراري ويجبرني على التراجع. إلى هنا لم يكن أمامي اختيار آخر غير التخلص منه بأن اجتث جذوره من هذه الدنيا، اشتريت «سم الكلاب» من السوق، ووضعته له ابنتي في الشاي، وما ان شربه حتى خارت قواه، وسكبت له كمية أخرى في فمه، ولأول مرة في حياتي أراه في حالة ضعف وهو يتلوى من الألم لا يستطيع أن يصرخ ولا يتكلم، لأنني كتمت أنفاسه وقمت أنا وابنتي بتقطيعه ووضعه في أكياس، دفناها في حفرة في عشة الدجاج بمنزلنا. اصطحب رجال المباحث «عايدة» إلى مسرح الجريمة وقامت بتمثيلها بكل هدوء وبرود أعصاب، تصف كل ما قامت به ولم تنهمر دمعة واحدة من عينيها بل عندما سألها المحقق في نهاية الاعترافات والتحقيقات هل لديك أقوال أخرى؟ قالت: نعم إنني لست نادمة على ما فعلت ولو عاد إلى الحياة لعدت لقتله، والسجن أحب إليّ وافضل بكثير من العيش معه، ومدت يديها إلى الشرطي ليقودها إلى السجن في انتظار المصير.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©