الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

قصر «البريد المركزي» يتوسط قلب الجزائز النابض

قصر «البريد المركزي» يتوسط قلب الجزائز النابض
13 أغسطس 2009 23:41
واحدٌ من أروع القصور في الجزائر، كما تُعدُّ المنطقة المحيطة به من أجمل المناطق بالبلد، بل إن الكثير من الجزائريين يعتبرونها الأجمل، بدليل أن أسعار سكناتها هي الأغلى في كل الوطن، وتكاد تبلغ ضِعف سعر سكناتٍ من نفس النوع والمساحة في مناطق لا تبعد عنها سوى بكيلومترات قليلة. وشرعت فرنسا في بناء قصر «البريد المركزي» سنة 1910 وأكملته سنة 1913 وأطلقت عليه آنذاك تسمية «البريد الجديد» قبل أن تغيِّرها الجزائر المستقلة إلى «البريد المركزي» بعد استعادة سيادتها في 5 يوليو 1962. على الطراز العثماني المثير أن المهندسين المعماريين الفرنسيين «فوانو» و»توندوار» حرصا على تصميم هذا القصر على الطريقة العثمانية، ويبدو أن هدف فرنسا من ذلك هو التأكيد للأهالي الجزائريين أنها لم تأت لطمس تاريخهم وتراثهم الإسلامي العربي، بل إنها «تحترم» هذا التاريخ و»تُساهم في الحفاظ عليه وتطويره». وقد جاء ذلك بعد انتقادات كثيرة وُجِّهت إليها بطمس المعالم العثمانية وبخاصة في منطقة «القصبة» التي كانت عاصمة للعثمانيين الذين حكموا الجزائر من سنة 1517م لغاية 1830 ثم حلَّ الاحتلال الفرنسي محلهم وطردهم بالقوة وشرع في مسح مختلف آثارهم في إطار مشروعها لفرْنَسة الجزائر. ويتميَّز قصر «البريد المركزي» بقلب الجزائر العاصمة بشَساعته وضخامته، وهو يرتفع عن سطح الأرض ببضعة أمتار ويتكوَّن مدخلُه من ثلاثة أقواس شبيهة بأقواس قصور الحكام العثمانيين بـ»القصبة». وتعلوه قِبابٌ صغيرة تشبه إلى حدٍّ ما قِباب أضرحة الأولياء الصالحين. وفي الداخل يلاحظ الزائر مدى تناسق الأضواء وتوزيعها بطريقة مدروسة حيث تُستعمل بكثرة في بعض زوايا القصر بينما تتناقص في أماكن أخرى وتترك المجال لمزيج متفرِّد من الضوء والظل، وهي تقنية عُرف بها المهندسون المعماريون المسلمون، كما تمتلئ الجدران بالكثير من النقوش والزخارف الفسيفسائية والكتابات العربية، ويعمل به مئاتُ الموظفين في قطاع البريد والاتصالات. مقاهي الصحافة على السلالم الحجرية لـ«البريد المركزي» يحلو للكثير من الجزائريين الجلوس للاستراحة بعض الوقت وتأمل حركة الغادين والرائحين أو قراءة الجرائد. ويفضِّل كثير منهم إعطاء مواعيد لقاءاتهم به لكون المكان معروفاً ويسهل فيه لقاء من تريد. أما المثقفون والصحفيون ورجال الأعمال، فيحلو له ضرب مواعيدهم في المقاهي المقابلة له؛ وعادة ما يناقش الصحفيون مختلف القضايا المهنية والخاصة في هذه المقاهي. ولا يبعد القصر عن البحر سوى بحوالي مئتي متر، كما يقع في مفترق طرق عديدة، ويطل على شارعين رئيسيين وآخرين ثانويين، وأشهر شارع يطل عليه هو «العربي بن مهيدي» الذي كان طريقاً للمشاة فقط منذ العهد الفرنسي، إلا أنه فتح للسيارات منذ نحو 15 سنة، وتقع به أشهرُ السكنات بالجزائر العاصمة بالنظر إلى هندستها المعمارية البديعة حيث كان هذا الحي وبعض الأحياء المجاورة له خاصة بالمعمِّرين الفرنسيين فقط وكانت محرَّمة على الأهالي الجزائريين الذين يقطنون بيوتاً أقل فخامة، إلى غاية الاستقلال حيث أصبحت ملكاً لأولى العائلات التي سبقت غيرَها إليها. كما تقع بالشارع أشهرُ المحال وأرقاها بالجزائر العاصمة، وتتميز أسعارُ سلعها بالغلاء الفاحش، ولعل أشهر محل بها هو «حانة القمر الأحمر» التي فجَّرتها المجاهدة الشهيرة جميلة بوحيرد بقنبلة شديدة المفعول أثناء الثورة التحريرية على رؤوس عددٍ من الجنود والمعمِّرين الفرنسيين، بعد أن تنكَّرت في زي فتاة أوروبية وتسرَّبت إلى داخل الحانة. قصرٌ وسط قصور يتوسط قصرَ «البريد المركزي» العديدُ من المباني الحكومية الكبرى وأهمها «قصر الحكومة» الذي يقع على بعد حوالي 300 متر منه، وقصر الغرفة السفلى للبرلمان ومقر ولاية الجزائر وعدد هام من الشركات والمؤسسات والبنوك الجزائرية والأجنبية. وزاد القصرَ جمالاً إقامة ُحديقة جميلة في الساحة العامة الموجودة أمامه، وعلى صغر مساحتها، إلا أن تناسق أشجارها وعشبها وجمال نافورة مياهها، جعلتها تغصُّ بالزوار الذين يفضلون قضاء أوقات استراحتهم بها، وقد أقيمت هذه الحديقة منذ سنواتٍ قليلة فقط بعد إزالة محطة للحافلات بها ونقلها إلى مكان آخر. وتُقام في هذه الحديقة بين الفينة والأخرى معارض للصناعات التقليدية، حيث يُسمح للحرفيين وصانعي الأواني النحاسية التقليدية والجلود وغيرها بعرضها وبيعها بالمنطقة إيماناً من السلطات المحلية بضرورة عرض الصناعات التقليدية بالهواء الطلق لإثارة انتباه الجزائريين إليها والترويج لها لتستعيد مكانتها التي تليق بها كجزءٍ من التراث الثقافي والتاريخي العريق للبلد. «المترو» شهرة إضافية أهم ما يثير الانتباه في الحديقة المقابلة لقصر «البريد المركزي» فهو محطة قطار الأنفاق التي فتحت محالها للزبائن منذ سنوات، وينتظر أن تزداد شهرتها بعد الافتتاح الرسمي للمترو في نوفمبر القادم حيث تُجرى هذه الأيام آخر اللمسات قبل فتحه للخدمة ويمكن بعدها للجزائريين استعمالُ قطار الأنفاق لأول مرة بعد نحو ثلاثة أشهر من الآن على مسافة 9.5 كليو متر انطلاقاً من محطة «البريد المركزي» إلى حي «البدر» بأعالي الجزائر العاصمة على أن يتوسَّع لاحقاً إلى مناطق أخرى، وقد أجريت أول تجربة لقطار الأنفاق بمناسبة العيد الـ47 لاستقلال الجزائر في 5 يوليو الماضي بحضور الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ونجحت التجربة، مما جعل الجزائريين يتنفسون الصعداء أخيراً بعد عقودٍ طويلة من انتظار أقدم مشروع في تاريخ البلد.
المصدر: الجزائر
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©