الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الشاعر السعودي محمد حبيبي: أكفّر بالكتابة عما فعلته...

الشاعر السعودي محمد حبيبي: أكفّر بالكتابة عما فعلته...
18 يونيو 2008 23:18
صدر للشاعر محمد حبيبي ديوان جديد يحمل عنوان ''الموجدة المكية''، وهو يتميز بسياق ذهني عرفاني، ينبئ بمنعطف جديد في منجزه الشعري، حول هذا العمل، وتجربته الشعرية عموماً كان هذا الحوار: في قصيدتك نلامس الحضور المكثف للتفاصيل والألوان والصورة في بعدها الفني والتقني، كيف تنظر وتتمثل هذه العلاقة بين الصورة والنص الشعري؟ قد يكون ذلك معادلاً لفقدان شهية الخوض في العموميات، ولكون الشاعر، أساساً، معنياً بذاته وتفصيلاتها، بوصفه شريحة من حياة ما· هذا على مستوى التجربة (المكتوبة)، لكن على صعيد (التجربة المرئية) يختلف حضور التفاصيل، وتختلف معه بنيات العلاقة، تبعاً لاختلاف تركيبة كل نص/لوحة· وتبعاً بطبيعة الحال لاختلاف فلسفة الصورة (الفوتوغرافية)· بمقدورك من خلال الصورة حبس ملايين التفاصيل عند لحظات وأشكال محددة من البؤس، وقبح الحياة وجمالها، لتعيد تأملها وقراءتها عشرات المرات: فالصورة لا ترفّ، ولا تنسى، ولا تتحول عن المشهد منذ أن تُلتقَط إلى ما لا نهاية، وتبقى مخلدة، فيما يشبه التحنيط والتجفيف، لتلك اللحظة الزمنية· وصورة واحدة أو مشهد فيديو قصير تعرضه لمدة ''ثوان'' قد يختزل سطوراً من الأوصاف المكتوبة التي يستهلكها النص (المكتوب)· مع متلقي اللوحة المرئية أنت في تحدي (الـ''ما بعد'') دائماً، وليس في تحدي (الـ''ما قبل'') كما في النص المكتوب، لأن السؤال المستمر بذهن متلقي لوحتك: ما الذي ستضيفه، عقب وقوع عينيه على عشرات التفاصيل بالصورة· وفي إضافة (خامة الصوت) إلى اللوحة الشعرية المرئية تَدَرّبٌ على التقاط الحالة الشعرية بغير حاسة العين، والإصغاء إلى كنز من اللغات والأصوات في العالم والحياة· لغات البائعين المتجولين، المساكين، والحرفيين، حتى الأطفال بعمر (السنة) تكتشف أن لهم لغة كونية مشتركة يقولون بها لبعضهم، ولنا أشياء كثيرة، تظل بعيدة عن فهم ومدارك عالم الكبار· الكتابة والبديل هل نفهم من طرحك السابق أن تلك الطريقة قد تحل وتُلغي طرق الكتابة المعروفة؟ على العكس تماماً·· لا يعني ذلك أن هذه الطريقة هي البديل الذي يجب أن يحل مكان الكتابة المألوفة، بل كأحد خيارات التنويع والتجديد، التي ينبغي استثمارها، من خلال انفتاح الفنون والأجناس على بعضها، وبغية إبقاء النص الشعري، ورفده بمعطيات جديدة ليظل في قلب الحضور الحياتي، وذلك بالنظر إلى المتغيرات التقنية والكونية· فالصورة والميديا إجمالاً، تتزايد أهميتها، وتكاد تستشرف من الآن أنها سلطة أولى في الخطاب والتواصل الآني والمستقبلي· وعلى أية حال لو لم يفد الإنسان من مزيج هذه التجربة، سوى المعرفة أكثر بامتلاء الحياة بالشعر، وزيادة اليقين بعمقه العصي على الاقتناص·· لكان ذلك منتهى المتعة في اكتشاف منجم من الشعر بغاية الأنانية· أخصب الأمكنة يحضر المكان في قصيدتك باعتباره امتداداً تاريخياً وذاتياً وأسطورياً، هل يمكن أن تحدثنا عن علاقة طفولتك بالمكان؟ وكيف أغنت تجربتك الشعرية؟ اللحظة التي سأشعر بالطفل بداخلي قد مات، سأتوقف عن الكتابة، وسأفقد أهم محرضات وجودي الكتابي، فقد فتحت مداركي لتكون شاهدة على ما كان يتعرض له المكان من عمليات (طمس ومحو) لخصوصياته· الجزيرة العربية، وكذا كل بلدان الخليج العربي قبل حدوث الطفرة الاقتصادية، كانت -فيما أظن- تمثّلُ أخصب العلامات الحضارية على مدى تشبث إنسان هذا المكان بمكانه، وعلاقته الفريدة به· لن أبالغ إن قلت إنها من أخلص وأنقى علاقات البشر بالأمكنة، فالظروف الطبيعية القاسية مناخاً وطبيعة أرض، لا يبقى دون هجرة منها (قبل الطفرة) سوى نوعية البشر الذين يرون المكان قصيدة أو لوحة أزلية، يطرزها هذا الإنسان بكفاحه ضدّ ضدّية كل ما حوله، لذا فكل ما أفعله الآن هو التخفف من، أو التكفير عن لحظات الألم جراء فعل المحو والهدم ذاك بالكتابة· نقاشات بيزنطية تفاعل الشعري (الإيقاع) والنثري (السرد) ثنائية تؤثث تجربتك في عملك الشعري الجديد هل ترى ذلك الأفق والمسار الجديد الذي يمكن أن تشقه القصيدة العربية الحديثة؟ وهل هناك مسارات أخرى؟ التخلص من هذه الثنائية وغيرها، باتت ضرورات ملحة، التخلص من كل الفواصل (الحادة) التي تفصل ما بين الأجناس الكتابية وغير الكتابية (الفنونية)· أوقات طويلة أُهدِرَت، وتهدر في نقاشات وجدليات بيزنطية لا جدوى منها، سوى أوهام غلبة فريق على فريق· (العرب والغرب)! (المغرب والمشرق)! (المراكز والأطراف)! (الشعر والنثر)! (الشكل والمضمون)! (النص الشعري والسردي)!··· يكفي مثلاً ساطعاً على ذلك، خلودُ الصراع ضمن وحول مفهوم (القصيدة الشعرية) من القديم وحتى الآن· لاحظ المتتبع لتجربتكم الشعرية حضور التصوف باعتباره شكلا نصياً، هل يمثل ذلك بحثاً عن الزمن الضائع في الشعرية العربية؟ وهل يمكن القول إنه يمثل رؤيتك الشعرية للعالم والواقع؟ من الجائز أن توحي طبيعة بعض المجموعات بذلك، ''الموجدة المكية'' مثلاً، لكن انسحاب هذا الوصف على التجربة إجمالاً، وعلى نحو ما يطرحه السؤال من الظاهر، يُخشى منه إعطاء القارئ انطباعاً لا يختلف كثيراً عن اشتغالات الشعر المعروفة منذ الستينات، وخصوصاً المتأثرة بكتابات إخوان الصفا، والنفّري، والحلاج وابن عربي وغيرهم· أما إن أخذنا (حضور التصوف في التجربة، باعتباره أحد أوجه الرؤية الشعرية للواقع والحياة، وليس الوجه الوحيد)، فوفق الاحتراز السابق- إلى جانب أن يأتي بمعنى الالتباس بالعالم والواقع، وليس بمعنى الانعتاق والخلوص منهما والالتفاف على الذات فيما يشبه الشرنقة- وفق ذلك سأتفق معك· ما من ذات إلا وهي تتوق للتصوف، باعتباره نشداناً للعمق والجوهرانية، الذي لا تصل إليه الذات، بسهولة ملامستها لكل ما هو برّاني، فالكتابة في شكلها الأنقى ضرب من التصوف الذي يسعى به الكاتب للوصول إلى الإيحاء بالصفاء والتوحد بتشظيات الذات وشذرات الكون· وما أتمنى أن تكون التجربة قد نجحت في أن تعكسه، هو مدى وصولها إلى هذا البعد، متضمنة إشارتها لخصوصيتها، باعتبارها تجربة سعت لأن تبدو شديدة الذاتية اتكاءً على معطياتها ومحرضاتها الخاصة ونسق اشتغالها الفني، وشديدة الكلية في تعالقها وانفتاحها على معطيات المكان، بثقل حمولته في الوجدان الجمعي، بموروثه الماضوي وآنيته، وربما ذلك هو الملمح والمأزق الذي حايثته التجربة· التجربة والنقد هل كان النقد منصفاً لتجربتك الشعرية وخاصة في عملك الجديد ومن كتب عن تجربتك؟ فيما يخص المطبوع، للأسف لم يكتب عن مجموعة ''الموجدة المكية'' رغم مرور ما يقارب خمسة أشهر على ظهورها بمعرض الرياض الدولي للكتاب، سوى قراءة واحدة، وأخبار قصيرة مبتسرة جداً، وهذا مؤشر مخيف جداً بالنسبة لي، ولتدهور الاحتفاء بالكتاب الشعري المطبوع، بغض النظر عن جدارة كتاب ''الموجدة المكية'' بالاحتفاء، لكني أقيس الأمر على الكتابيْن الشعرييْن السابقيْن ''انكسرت وحيداً'' و''أطفئ فانوس قلبي''، فقد تجاوزت قراءة كل منهما خمس عشرة قراءة، وتنوع قارئوها بين ثمانية أقطار عربية· أما المرئي، فقد كتب عن التجربة، وأثارت نقاشاً وجدلاً، يكاد يقارب في مجموعه كل ما كتب عني من قبل· لكن كل تلك الكتابات كان أغلبها على صعيد الساحة الثقافية المحلية، أما العربية، فلم يكتب عن التجربة في سوى سوريا، حيث قدمت هناك العرض الوحيد للتجربة خارج السعودية·· إلى جانب أن الناقد د· أيمن بكر كتب عن التجربة في جريدة ''العرب'' الدولية·· ولا أنسى بهذا الصدد وقفات عدد من النقاد مع التجربة، وخاصة د· أيمن الذي لم يكن فحسب أول من اقتنع بقيمة التجربة وقدم قراءة نقدية عنها، ومن ثم توالت الكتابات عنها، وإنما كان بمثابة الشريك في التجربة، تشجيعاً، وحثّاً على المضي في المغامرة، من قبل ظهورها واكتمالها النهائي، وبالتالي تدشينها بأول عرض، إلى جانب الإيمان المبكر بالتجربة من قبل كل من النقاد: د· معجب الزهراني، ومحمد العباس، وعبدالله السفر، وغيرهم، فهؤلاء هم من تولى الإقناع النظري المبكر بجدوى وأهمية التجربة، حتى في اختلافهم مع جزئيات بالتجربة، كان اختلافهم حضارياً، وبه مقدار كبير من الاحترام والتقدير الجاد لها، وما زلت أنتظر أن يتم انتشار التجربة عربياً على نحو أوسع، وأن تظهر العديد من التجارب الأخرى· لعل هذا يجعلنا نستحضر السؤال عن المعضلة الأزلية، ماذا يقف عائقاً أمام وصول إصدرارات التجارب الشعرية من المشرق العربي إلى مغربه؟ الطرق الكلاسيكية لتداول الكتاب وتوزيعه عامل أساسي، وربما النشر والتواصل الإليكتروني حل هذه المعضلة نسبياً! ولعل الظروف الاقتصادية، وغيرها من الظروف التي شهدتها مصر التي كانت تقوم بدور مهم في الربط بين الطرفين هي ما زاد الفجوة، لكن تحركاً مَّا للمؤسسات الثقافية في المشرق العربي ومغربه، يوازيه تحرك للمثقفين الأفراد، لابد لهما من الاتحاد لحل هذه المعضلة الأزلية· ومع كل هذا وذاك، وبرغم كل تلك الحواجز المعيقة لتداول الكتاب، إلا أن الإلمام بالتجارب موجود هنا وهناك، وإن كان على نحو غير كاف·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©