الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ليبيا: شجاعة تبني الخيار الصحيح

ليبيا: شجاعة تبني الخيار الصحيح
19 مارس 2011 20:53
لقد فعلها رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، الذي كان من بين أوائل القادة الغربيين والسياسيين البريطانيين الذين دعوا لفرض منطقة حظر طيران فوق ليبيا. وعلى رغم المعارضة الشديدة التي لقيها اقتراحه من جانب بعض أطراف المجتمع الدولي، إلا أنه ظل مصرّاً على رأيه، متمسكاً بقناعته، وتمكن في نهاية المطاف من خلال التعاون مع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، الذي لا يقل عنه إصراراً وتمسكاً، من استرداد الثقة في الأمم المتحدة، التي أثبتت، في مناسبة مماثلة، أنها منظمة عاجزة وعديمة الجدوى. وهذا القرار ينبغي أن يجعل الليبيين والعالم العربي والمجتمع الدولي الأوسع يشعرون بالامتنان لزمن طويل، حيث إن تصديق مجلس الأمن الدولي على القرار الخاص بفرض منطقة حظر طيران فوق ليبيا، يصحح أخطاء تاريخية عديدة. ففي عام 1991، وجد المجتمع الدولي، والجامعة العربية غير الفعالة، نفسيهما في موقف مماثل عندما ثار العراقيون ضد ديكتاتورية صدام الاستبدادية وتركهم المجتمع الدولي والجامعة معلقين في انتظار المساعدة التي لم تأت، وهو ما مكن صدام من ارتكاب مذبحة ضدهم في ذلك الوقت. والآن مع تقدم قوات القذافي شرقاً في اتجاه بنغازي، فإن الليبيين لن يكونوا سيئي الحظ مثل العراقيين عام 1991. فقد توصل الجميع إلى قناعة مؤداها أن فرض منطقة حظر طيران سيكون عاملاً غاية في الأهمية في تحديد نتيجة الصراع الدامي المتفجر في ليبيا حاليّاً. ولكن ذلك الصراع، بحلول الوقت الذي صدر فيه قرار حظر الطيران بالأمس، كان قد وصل إلى نقطة بات معها القرار متأخراً أكثر مما ينبغي وأقل مما ينبغي، وذلك بعد أن نجح القذافي في إيقاف تقدم المتمردين غرباً، وأعاد الاستيلاء على المدن التي سبق للثوار أن احتلوها في المناطق التي يسيطرون عليها في الشرق. وخلافاً لكافة التوقعات، مضى مجلس الأمن الدولي إلى ما هو أكثر من فرض منطقة حظر طيران، حيث فوض إلى جانب ذلك استخدام خيار واحد إضافي للعمل ضد القذافي، وهو استخدام الضربات الجوية لاستكمال مفعول قرار فرض منطقة حظر الطيران، التي كان الاقتصار على استخدامها فقط، يعني التضحية بالمتمردين المنهكين، المفتقرين للموارد، وتركهم فريسة لدبابات القذافي ومدفعيته الثقيلة. وعلى رغم أن فرض منطقة حظر الطيران سيحتاج لبعض الوقت، إلا أن الضربات الجوية يمكن تنفيذها فوراً. وفي رأيي أنه يجب تنفيذها الآن، وليس بعد بعض الوقت، لأن الوقت عنصر جوهري في حسم نتيجة ما يحدث على أرض ليبيا في الوقت الراهن. والقذافي سيجد نفسه الآن مضطراً إلى إعادة التفكير أكثر من مرة، والتمهل قبل مواصلة تحركه نحو بنغازي بكامل قواته، لأنه يعرف أنه لو فعل ذلك فسيغامر بإسقاط طائراته وتدمير دباباته. أما لو كان هناك أدنى تلميح بأن تنفيذ القرار سيحتاج إلى أيام وربما أسابيع، فإن ذلك سيشجعه على مواصلة اندفاعه لتحقيق أهدافه في سحق المتمردين وفرض حقائق على الأرض. والطريقة التي سيستجيب بها القذافي لإجراءات الأمم المتحدة، والوقت الذي سيفعل فيه ذلك، سيحددان درجة فعالية ونجاح الانتفاضة، وهو ما يعني أن من الواجب ألا تتاح أمام القذافي خيارات كثيرة. وأولئك الذين رفضوا مساندة قرار الأمم المتحدة وعارضوا التدخل الغربي، باتوا يدركون الآن أن موقفهم كان خاطئاً. وفي وقت كتابة هذا المقال، أعلن نظام القذافي وقفاً فوريّاً لإطلاق النار من جانبه، وهو موقف يختلف اختلافاً بيناً عن وعده السابق والمفعم بالتحدي الذي قطعه على نفسه الأسبوع الماضي وهو أنه سيحمل السلاح ضد القوات الغربية في حالة تفكيرها في التدخل في ليبيا. ولكن إعلان وقف إطلاق النار من جانب القذافي لا يغير من الأمر شيئاً. فالتقارير الإخبارية تشير إلى أن قواته تواصل قصفها لمواقع المتمردين وستواصل ذلك حتى تضاعف من خسائرهم. وكما قال مسؤولون غربيون -عن حق- فإنهم سيحكمون على القذافي بناء على أفعاله وليس أقواله. بيد أن الشيطان كما هو معروف يكمن دائماً في التفاصيل. فعندما يفعِّل الغرب الإجراءات، فإن العبء سيقع على مجلس بنغازي، وعلى المتمردين بشكل عام، كي يقوموا بتنظيم صفوفهم، وإجراء التحركات اللازمة للاستفادة بأقصى قدر ممكن من منطقة حظر الطيران، والضربات الجوية التي ينوي الغرب تنفيذها. وإذا ما قرر القذافي تعليق زحفه العسكري نحو بنغازي لبعض الوقت، مع القيام باستنزاف قوى المتمردين ومواردهم من خلال فرض حصار عليهم، فإن الغرب قد يفكر في مثل هذه الحالة في تزويدهم بالسلاح ليمكنهم من الصمود. فمجلس بنغازي، مثله في ذلك مثل كافة المجالس الثورية الوليدة، غالباً ما يكون مفتقراً إلى العمق، والخبرة، وربما يعاني من خلافات داخلية. وفي مرحلة ما قد يحتاج هذا المجلس إلى مستشارين عسكريين يقدمون له النصح، مستفيدين في ذلك من الأخطاء العملياتية والنجاحات التي حققتها جماعات معارضة مسلحة أخرى في أماكن مختلفة من العالم. والسؤال هل يمكن للمساعدات العسكرية الأميركية للمتمردين أن تساعدهم على إقصاء القذافي من السلطة؟ من المؤكد أن الزخم عاد مرة أخرى ليكون في صالح المتمردين، وربما يكون اليوم الذي صدر فيه قرار مجلس الأمن، هو اليوم الذي حسم الصراع لصالح المعارضة.. كما أن هذا اليوم كان، إلى جانب ذلك، يوماً شهد تطبيق نموذج للدبلوماسية كما يجب أن تكون، وذلك عندما اتحد المجتمع الدولي ليضع الإنسانية في بؤرة اهتمامه. لقد أكد رئيس الوزراء كاميرون بموقفه، أن بريطانيا والغرب، سيقفان هذه المرة إلى الجانب الصحيح، وهو جانب القيم الأخلاقية. رانج علاء الدين محلل رئيسي في مؤسسة «نكست سنشري» ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©