السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أملٌ على «أجنحةٌ فوق هايتي»

19 مارس 2011 20:54
الجميع يريد إنقاذ الأطفال. هذا هو الكليشيه، غير أن القليل من الأشخاص، مهما كانت نواياهم حسنة، يكلفون أنفسهم عناء النهوض من على الأريكة لمساعدة من هم في حاجة للمساعدة، حيث يكتفي معظمنا بالإعراب عن تعاطفه وأسفه، أو يقوم ربما بتحويل مبلغ من المال يتبرع به عبر الإنترنت، ويتمنى لو أن الأقدار كانت أقل قسوة. ثم هناك أولئك الأشخاص النادرين الذين يوقفون ما كانوا يفعلونه ويتوجهون على وجه السرعة إلى أسوأ المناطق على كوكب الأرض من أجل تقديم يد العون. جونثان ناش جلين، وهو فنان مشهور في هذه البلدة التي كانت معروفة بصيد الحيتان، ينتمي إلى هذا الصنف الثاني من الناس. ففي الثالث عشر من يناير 2010، وهو اليوم الذي أعقب زلزال هايتي المريع، كان جلين في طريقه إلى جنوب فلوريدا على متن طائرته ذات المحرك الواحد عندما غيَّر رأيه فجأة. وبعد توقف في ميامي لفترة قصيرة من أجل إيجاد مأوى مؤقت لمرافقته (كلبة مرقطة تدعى ليلي)، حمل جلين بعض الجداول والرسوم البيانية وقاد طائرته نحو المجهول. جلين، الذي لم يكن يعرف ما إن كان سيجد مدرجاً للهبوط، حمل معه 15 جالوناً من الوقود الإضافي الذي يكفي للعودة إلى جزر "تركس آند كيكوس". وفي الحالة الأولى ضمن سلسلة من حالات العناية الإلهية، نجح في إيجاد مكان للهبوط بمدينة جاكميل الساحلية. وكان "المطار" عبارة عن مهبط طائرات صغير من الحصى والاسفلت يقع بين سلسلتين جبليتين يبلغ ارتفاعهما 10 آلاف قدم فوق سطح البحر حيث تحطمت طائرة بمحركين بعد فترة قصيرة على وصوله. ولم يكن لدى جلين نفسه سوى جهاز "جي بي إس" (جهاز تحديد المواقع الجغرافية) لتوجيهه. كيف يقرر شخص الإقدام على هذه المغامرة؟ إنه بالنسبة لمعظم الناس أمر يصعب فهمه! أما بالنسبة لجلين، فهو عملية حسابية بسيطة: كانت لديه طائرة وكان لديه الوقت... لكـن بعـد ذلـك تعقدت الأمور. فلدى وصوله إلى هايتي، علم جلين أن آلاف عمليات البتر تتم بواسطة مناشير النجارة بدون تخدير أو مضادات حيوية؛ فأخذ يقوم بنقل المورفين والمضادات الحيوية والمناشير الجراحية بطائرته إلى المراكز الطبية خلال تسعة عشر يوماً التالية. أيام غيرت حياة جلين وحياة الأطفال الهايتيين المحظوظين الثلاثة والأربعين وعائلاتهم. وفي ظرف عام، أسس جلين مؤسسة تدعى "أجنحة فوق هايتي"، استطاع من خلالها جمع حوالي 100 ألف دولار من أجل توفير الغذاء والماء وبناء مدرسة في "كروا دي بوكيه" الواقعة إلى الشمال من العاصمة بورت أو برانس. غير أن ثمة شريكين لجلين وجداه عبر موقع الفيسبوك ولعبا دوراً مهماً في نجاح مشروعه: مليسا ماكمولان، معلمة الصف السادس في مدينة بورت جيفرسون ستايشن بولاية نيويورك، وهي رئيسة مدرسة "أجنحة فوق هاتي"؛ والتي يعمل تلاميذها في كلا البلدين بشكل تفاعلي في إطار المهمة التي حددتها المدرسة لنفسها والمتمثلة في إقامة شراكات تعليمية؛ ثم المدير المشارك شاد سانت لويس، وهو مستشار توجيهي في ميدلتاون بولاية نيويورك، من مواليد كروا دي بوكيه، وكانت عائلته قد فرت من الاضطرابات السياسية التي اندلعت في هايتي وهاجرت إلى الولايات المتحدة عندما كان في الثانية عشرة من عمره. الفنان، والمعلمة، والمستشار، ثلاثتهم يدركون أن أمل هايتي ومستقبلها يكمنان في أطفالها الذين يحتاجون أولاً إلى ما يقيم أود بطونهم الخاوية، ثم التعليم. وفي هذا الإطار، يقول جلين، وهو مثالي لكنه متحرر من الأوهام، إنه لا يستطيع إنقاذ العالم، لكنه يعتقد أن بإمكانه مساعدة 43 طفلاً على امتلاك بداية جيدة في الحياة. واليوم، لدى هؤلاء الأطفال المحظوظين، الذين تتراوح أعمارهم بين 3 و6 سنوات، خمسة معلمين وثلاثة حواسيب محمولة. ولديهم الطعام الذي يكلف دولاراً لكل طفل، وماء نقي صالح للشرب بفضل بئر جديدة بعمق 70 قدماً. كما أنهم يتعلمون القراءة والكتابة. وعلى غرار كل الأطفال، فإنهم مختلفون من حيث قدراتهم، لكن ثمة فتاة "متميزة" بينهم، يقول جلين بما يشبه نبرة افتخار أبوي. ثم يضيف قائلاً: "لا أستطيع أن أنتظر طويلاً لأرى ما ستصبح عليه عندما تكبر... إننا لا نستطيع قولبة نجاح البشر، لكننا نستطيع بالمقابل أن نمنحهم أفضل فرصة ممكنة حتى يستغلوا حياتهم أفضل استغلال". جلين الذي مازال عازباً، هو رجل في سن التاسعة والخمسين، وليس لديه أطفال من صلبه، وقد وضع مشواره جانباً لوقت غير محدد. وقد يكون من الممتع الرسم لجمهور الفن، غير أن مكافأة رؤية طفل يحصل على تغذية جيدة مرتدياً قميصاً أزرق عليه شعار "أجنحة فوق هايتي" وحاملاً حقيبته المدرسية، ليحقق متعة لا تضاهيها متعة. ورغم محدودية الموارد، إلا أن لدى جلين وفريقه مشاريع كبيرة. فقد اشتروا مؤخراً فدانين من الأرض يأملون في أن يبنوا عليهما مدرسة جديدة ومركزاً طبياً. كما يأملون في زراعة الأرض وبالتالي توفير عمل للكبار، والطعام للمجموعة، ومستقبل مكتف ذاتياً. إنه مجرد تقدم بسيط: قطرة ماء عذب في بئر عميقة من اليأس، لكن المؤكـد أنها شيء مهم. كاثلين باركر محللة سياسية أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©