الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لبنان: سجال حول الزواج المدني

15 مارس 2013 23:49
ندى عقل كاتبة لبنانية منذ فترة غير بعيدة قرر كل من خلود سكـّرية، اللبنانية السنية، ونضال درويش، اللبناني الشيعي، الارتباط والزواج مدنياً. وبما أن هذا النوع من الزواج غير موجود في لبنان، فإن الحكومة اللبنانية لم تعترف به من الناحية العملية. إلا أن الشابين نجحا في لفت انتباه بعض السياسيين والقادة المدنيين في البلاد. ومع اقتراب الانتخابات البرلمانية، ربما يوفر الاهتمام بمحاولة الشابين الفاشلة الحصول على اعتراف رسمي بزواج مدني فرصة لإعادة النظر في قانون الأحوال المدنية في لبنان. وليس الأمر جديداً في لبنان، ولا مشكلة عدم الاعتراف بأي زواج عبر قنوات غير متبعة، حيث تملك ثماني عشرة طائفة دينية سلطة قضائية على الزواج والطلاق والميراث وحضانة الأطفال وغيرها من نواحي الحياة الشخصية. وتعود محاولات إدخال الزواج العلماني في النظام القضائي إلى خمسينيات القرن الماضي، إلا أن سكّرية ودرويش يريان أن القانون الحالي ينطوي أيضاً على أحكام تسمح بالزواج المدني. ويرتكز الشابان في ادعاءاتهما هذه، بدعم من ناشطين قانونيين، على تفسير للمرسوم رقم 60 لقانون صدر عام 1936، يعترف باحتمال وجود من لا انتماء دينياً لهم ويعطيهم حقوقاً مدنية. وقد تابع الشابان في البداية إجراءات إدارية طويلة لشطب ديانتيهما من السجلات الرسمية. وبعد ذلك، وبعد حوالي سنة من الجري وراء المعاملات والأوراق الرسمية، قام كاتب عدلٍ بتزويجهما، وقدّما شهادة زواجهما إلى وزارة الداخلية للحصول على شهادة زواج رسمية تسمح لهما بالاعتراف القانوني بزواجهما. وعلى رغم أن المعاملة رُفِضَت من قبل وزارة العدل، إلا أن الأثر الإعلامي المحسوس لقضيتهما ربما يشكل تغييراً في حد ذاته من حيث مستوى الاهتمام بهذا النوع من القضايا. ومع ذلك يلزم الاعتراف بأن هناك أصواتاً بارزة في لبنان تدين الزواج المدني بشدة، وترفضه بصراحة، وواقع الأمر أن مفتي لبنان الشيخ محمد رشيد قباني أصدر فتوى ضده. وامتنع القادة الدينيون المسيحيون عن إصدار بيانات عنه، في حين أن المجلس الشيعي الأعلى أعلن رفضه لجعل الزواج المدني قانونياً، ونادى بفتح حوار أديان حول الموضوع بين الطوائف المختلفة. ويبيّن هذا النداء لإجراء حوار ما بين القادة الدينيين بغرض التأثير على قضية تخص الأحوال المدنية، درجة السيطرة التي ما زال يتمتع بها النظام الطائفي في لبنان: ثماني عشرة طائفة تعيش وتعمل إلى جانب بعضها بعضاً، بينما تقوم السلطات الدينية بتطبيق القوانين الخاصة بها في كل جالية ومجتمع محلي. إلا أن أولئك الذين يدعمون الزواج المدني يرفعون أصواتهم كذلك. وفي سنة انتخابية كهذه، قد تكون لهذا الحوار أهمية خاصة. وقد ضاعف بعض الناشطين جهودهم، رداً على بيانات المفتي الأكبر، لصالح الزواج المدني، معتمدين على الجدل الذي أثارته قضية الشابين المتزوجين، اللذين أصبحا ذا شهرة في لبنان. ومن الناحية السياسية، نزع رئيس الوزراء نجيب ميقاتي أية أهمية عن الجدل حول الزواج المدني، قائلاً إنه «عديم الفائدة». إلا أن رئيس الجمهورية ميشال سليمان، ورئيس الوزراء السابق سعد الحريري، قيل إنهما رفعا صوتيهما دعماً للزواج المدني، مما يشكل مكسباً مهماً لصالح قضية لا يتم التعامل معها عادة ضمن أجندة القادة السياسيين. وقد حصل اللبنانيون منذ عام 2009 على خيار شطب هويتهم الدينية من سجلاتهم المدنية. ولكن حتى الآن يُعتبر هذا الإجراء الإداري عملاً رمزياً، إذ ما زال من المستحيل لأي مواطن أن يتواجد خارج سلطة الإطار الطائفي. ويشكّل ذلك عائقاً رئيساً أمام التحدي الأكبر الذي واجه لبنان منذ بداية نشأة الدولة: تحفيز الشعور بالهوية الوطنية التي تسود على الخلافات الطائفية، وبالتالي بناء عقد اجتماعي حقيقي وصالح بين الفرد والدولة. ولا شك أن حاجة لبنان إلى تعزيز الشعور بالهوية الوطنية والانتماء إلى الدولة الجامعة وليس إلى الطائفـة التي قد يؤدي التعصب في التعلق بقيمها إلى تجاذبات لا طائل من ورائها، هذه الحاجة ما زالت مطروحة اليوم مثلما كانت مطروحة خلال العقود السابقة. أما بالنسبة للحوار الديني، فيمكن القول إن فرض قانون ديني على جميع اللبنانيين، مؤمنين أكانوا أو غير مؤمنين، ربما لا يدعم بالقدر الكافي القيمة الروحانية للزواج الديني. ومن الجدير بالذكر أن سكرية ودرويش عقدا كذلك زواجاً دينياً (كتب الكتاب) إلا أنهما لم يقوما بتسجيله لدى السلطات الرسمية. فعلى رغم حقيقة أنهما متدينان، إلا أنهما يصرّان على الحاجة إلى قانون أحوال مدنية وسيعملان من أجل جعل ذلك خياراً متاحاً في بعض الحالات، وخاصة في ضوء التعدد الطائفي الشديد في المجتمع اللبناني. إن الزواج هو مجرد قمة جبل الجليد في نظام طائفي واسع ومعقد. وربما يمكن لتقنين الزواج المدني في لبنان أن يشكّل معلماً داعماً في تقوية الهوية اللبنانية، والمساعدة على التغلب على هشاشة لبنان الطائفية الدائمة. ينشر بترتيب مع خدمة «كومون جراوند» الإخبارية
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©