السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

زهاو دانيان

زهاو دانيان
18 يونيو 2008 23:50
أخيراً، وقع (تشن)، الكاتب المسرحي، فريسة للمرض نتيجة العمل المجهد· لقد خضع نصه المسرحي حوالى ثلاث سنوات وثلاثة أشهر وثلاثة أيام لكل أصناف العبث من مراجعةٍ وتصحيح وتمحيص ونقد ونقاش واستشارات وتعذيب وموافقة ورفضٍ وتشويهٍ وتدخلٍ وتجديد وتجديد الموافقة ورفض الموافقة وهجوم وتلاعب ورفض من جديد واتهام ومحاكمة ومسخ واهمال متعمد وشطط ورفض الرفض، ثم تعرض للتغيير المفرط والتعديل سبعة وعشرين مرة من قِبَل ستة محررين مجتهدين حصيفين حتى حظي بالموافقة عليه· أمَّا (تشن) وقد أجهد ذهنيّاً وبدنيّاً فقد انهار وقرر أن يلوذ هارباً إلى أرض المراعي النائية في (منغوليا الداخلية) علَّه يتنسَّم بعض الهواء النقي ويمتِّع ناظريه برؤية السحب البيضاء والنسور المحلقة عالياً في السماء اللازوردية ورؤية المراعي الخضراء المترامية الأطراف· الخضرة، مصدر الحياة، تعيد المشاهد إلى حالته المعتادة· وهناك قابل صياداً عجوزاً يدعى (جاميول)، وأقام في منزله الريفي الذي بني حديثاً على الطراز البكيني بسقفه المستوي وقرميده الأحمر وإطاره الاسمنتي المسلَّح المعد سلفاً، فسمي لذلك بـ(المنزل البكيني) لأنه يشبه منازل ضواحي (بكين)· كان (تشن) يفضِّل أن يقيم في خيمة أكثر تواضعاً، خيمة من تلك الخيم المنغولية القديمة المصنوعة من جلود الثيران· كان (جاميول) يخرج كلَّ يوم للصيد على ظهر جواده، مصطحباً صقره على رسغه· لم يكن ذلك الطير الجارح قادراً على اصطياد الأرانب البرية والثعالب وأبناء عرس فحسب، بل كان أيضاً قادراً على اصطياد الغزلان الساذجة الحمقاء ببراثنه الحادة· ما أدهش (تشن) هو أن الصقر لم يكن يطير بعيداً حيث يريد، أو يأكل من فريسته التي اصطادها بل كان ينتظر صاحبه (جاميول) أن يطعمه· سأل (تشن): ''لماذا لا يأكل الصقر ما أطعمه؟'' أجاب (جاميول) بفخر: ''لقد درب على ألا يفعل''· وفي ذلك اليوم ربط (جاميول) أمعاء أرنبين بريين بشدة إلى سلة كبيرة غير عميقة فيها خيوطٌ كتانية مفتولة، ثم وضع السلة في سقف المنزل· سأل (تشن): ''لِمَ هذه؟'' ردَّ (جاميول) غامزاً: ''لقد صار صقري عجوزاً''· وعلى الفور ظهر صقرٌ فتيٌّ محوِّماً فوق رأسيهما· ألقى نظرةً على كومة الأمعاء وأنقضَّ هابطا كطائرةٍ حربية، مسح بعينه السقف وثَبَّت براثنه القوية على الأمعاء والسلة معاً، دار بها حوالى ستة أمتار قبل أن يطير محلِّقاً بها في السماء· كان الصقر قد خُدع خدعةً مضاعفة· فبراثنه، أولاً، قد قبضت على العُقَد، والمسافة بين قدَميه قد تشابكت بالخيوط بطريقة لا فكاك منها، في حين أن كبرياءه وجوعه يحولان بينه وبين إسقاط الأمعاء· إذ كان الطيران بسلة كبيرة كتلك، مرهقاً، فإن ما هو أسوأ منه هو ألا يكون قادراً على رؤية الجداول والمراعي والأشجار والقرى هناك في الأسفل· ولخوفه من الهبوط، فقد ظل يطير صاعداً إلى الاعالي، مغتسلاً بعرقه، لاهثاً، وفوق عينيه تتراءى النجوم، وفي فمه يتكاثر الزبد· أخذ الجناحان والسلة تسببان اضطراباً وتدويماً، في حين كانت التيارات الهوائية الخلفية والأمامية والمتعاكسة بالغة التعقيد إلى حد أنها قد تتطلب من خبير بديناميكية الهواء مثل الدكتور (كيان كسوسينغ) ثلاثين عاماً كي ينسلَّ منها، فما بالك بصقر؟ فَقدَ ذيله القدرة على التوازن والدوران، وصار طريقه مضطرباً محفوفاً بالمخاطر· فتحت تلك التجربة عيني الكاتب المسرحي على اتساعهما· ذهل وهو يحدِّق في الأعلى مبصراً، ليس الصقر فقط، بل تلك السلة المندفعة مثل طبق طائر أو مثل شيء هابطٍ من الفضاء الخارجي منطلقٍ مثل مركبة خفيفةٍ مجنونة فوق سقف (جاميول)· ضيَّق (جاميول) عينيه وهو يدخِّن غليونه ويشرب شايه الممزوج بالحليب من دون أن يلقي نظرة على الصقر، متنبِّئاً بثقةٍ: ''بتلك الحمولة، لن يتمكن من البقاء هناك لأكثر من ساعة''· لقد كان على صواب· إذ هبطت السلة مع الصقر المنهك المنقوع بالعرق تحت رحمة (جاميول) على مسافةٍ لا تزيد عن مئة ياردة منهما· وُضِعَ الصقر في مجثم وهو موثقٌ إليه من إحدى قدميه· كان ذلك الوثاق أشبه بأرجوحة، إذ ربطت عصىً بخيطين من طرفيها· كان (جاميول) يدفعها بين الحين والآخر فيتأرجح الصقر لدقائق معدودةٍ ولا يستطيع أن يستقر ويخلد للنوم، وبصرف النظر عما إذا كان مُجهَداً، فقد كان عليه أن يتشبَّث بالعصا بإحكام، وأن يحافظ على توازنه مستعيناً بجناحيه المنهكين الأليمين· وفي الليل علّق (جاميول) قنديلاً كهربائيّاً بجانب الأرجوحة ليثير به أعصاب الصقر، إذ كان يخشى أن يحترق ريشه، فلم يجرؤ على النوم طوال الليل· أما التعذيب الحق فقد بدأ في اليوم التالي· فالصقر بالكاد كان قادراً على فتح عينيه· وكلما أوشك على النعاس، ساطه (جاميول) بقضيب من أشجار الصفصاف· ترى أي إغاظة هذه التي لا مثيل لها! كان الصقر يحدق بإنشداه بذلك القضيب، متحمساً متلهِّفاً للقتال· وفي اليوم الثالث كانت عيناه محمرتين من قلة النوم وشدة الجوع، فشرع يسقسق متوسلاً طالباً الطعام· ظهر أحد الجيران عارضاً المساعدة· غمس كرة من خيوط الكتان في زيت السمسم وأخذ يطعم الصقر الجائع الذي التهمها في لمح البصر غير مدرك أن نهاية الخيط هي في يد الجار· وبعد دقيقة، شرع الجار يسحب الخيط لاوياً أحشاء المخلوق البائس بشدةٍ حتى بان بياض عينيه ونزف الدم والشحم من معدته وأحشائه· كان باستطاعة الصقر أن يميِّز شخصاً عن شخص آخر، فحين أخذ الجار بعد ذلك يطعمه لحم الأرنب البري، لم يلمسه أو يذقه· وألقمه جار آخر الخيط ثم سحبه، وكذلك فعل جار آخر غيرهما، حتى رفض أن يتناول أي شيء من أيٍّ منهم· عندئذٍ فقط، فتح (جاميول) نفسه بأنامله منقار الصقر المعقوف وحشا فمه بإصبعه قطعةً من لحم الظأن المغموسة بالدم، عندئذٍ حدث تغيُّرٌ مُرضٍ في ذلك الألم الناجم عن الخيط· تعرَّف الصقر بعينيين داميتين على منقذه بعد أن أعماه غباؤه عن إدراك الشَّرَك الذي دبروه له· رُوَّض الصقر الجارح وصار صيّاداً مطيعاً يخرج مع سيده لصيد الأرانب البرية والثعالب وأبناء عرس· وكلما كان جوعه أشد، كان أسرع طيرانا وهو يعود إلى البيت· عندئذٍ فقط لن يطعمه سيده ذلك الخيط المؤلم· سرعان ما مات ذلك الصقر العجوز، فحُنِّظ وبيع لأحد المتاحف· أخيراً، عرف (تشن)، واستعاد عافيته، وغادر أرض المراعي عائداً إلى مدينته· من الأدب الصيني ترجمها عن الإنجليزية: عبدالوهاب المقالح
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©