السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بين الخرطوم وواشنطن

14 أغسطس 2009 23:47
لم تعرف العلاقات بين السودان والولايات المتحدة الأميركية مستوى من التقارب أو الود خلال السنوات العشرين الأخيرة التي كان فيها نظام «الإنقاذ» على قمة الحكم في الخرطوم، بل ظلت العلاقات في هذه الفترة تتراوح بين البرود والفتور، وتوجهت أحياناً نحو ما يمكن أن يُعد خطوة باتجاه المواجهة، كما حدث في يوم من أيام إدارة الرئيس كلينتون عندما أطلقت الصواريخ الأميركية على مصنع خاص لصناعة الدواء داخل المنطقة الصناعية في مدينة «الخرطوم بحري» فدمره تماماً. ولحسن الحظ، فقد كان وقت الهجوم ليلاً، فلم يقتل إلا الحارس الوحيد وبقي المصنع ركاماً من التراب. كانت المبررات أن المصنع ينتج مواد سامة يستخدمها الجيش السوداني في حربه ضد الجنوبيين، وهو ما لم يتأكد إطلاقاً. وكنتيجة منطقية لهذا المستوى من العلاقات، فقد فُرضت على السودان عدة قرارات من الإدارة الأميركية ومن مجلس الأمن الدولي تقضي بمقاطعته اقتصادياً وسياسياً وفي بعض الحالات دبلوماسياً. وكان على رأس تلك القرارات وضع اسم السودان في اللائحة الأميركية السوداء التي تضم الدول التي ترعى الإرهاب أو تؤيده أو تدعمه. وإن قيل إن سودان «الإنقاذ» في سنواته العشر الأولى كان قريباً من ذلك الوصف، فقد غير كثيراً من اتجاهه حتى قُدرت كميات المعلومات الاستخبارية التي أهداها لواشنطن بحمولة طائرة كبيرة. وخلال السنوات الثلاث أو الأربع الأخيرة، جرت محاولات متعددة لتطبيع العلاقات بين البلدين، وعقدت لذلك لقاءات في العاصمة الإيطالية روما، لكنها لم تنته إلى قرار يذكر. بيد أنه مع وصول الرئيس أوباما، تجدد الأمل في سياسة جديدة تفتح الباب لتعاون بين الحكومتين، وتؤدي إلى رفع اسم السودان من القائمة السوداء وإلغاء العقوبات أو تخفيفها. وقد انعكس ذلك على ما قام ويقوم به حالياً المبعوث الخاص للرئيس أوباما للسودان، وهو الجنرال الأميركي المتقاعد «سكوت جريشون»، الذي يدعو صراحة إلى تخفيف الضغط على حكومة الخرطوم ورفع العقوبات عنها خطوة بعد أخرى والعمل على شطب اسم السودان من قائمة الإرهاب الأميركية. ويعمل المبعوث الأميركي على أن تركز واشنطن جهدها في مساعدة السودان على حل أزمة دارفور والوصول باتفاقيه «نيفاشا» للسلام إلى أهدافها حتى يبقى الجنوب جزءاً من السودان أو ينفصل عن الشمال. وفي داخل أروقة الحكم في الولايات المتحدة، هناك من يؤيدون الجنرال جريشون في دعوته، وإن كان صوتهم حتى الآن مازال خافتاً، وهناك من يعارضونه ويقولون إن حكومة السودان لم تقدم ما يكفي لرفع الحظر عنها أو شطب اسمها من سجل دعاة الإرهاب. وفي هذه المجموعة من يشغلون مناصب مهمة ومنهم نائب الرئيس الأميركي، وكذلك وزيرة خارجيته. والجدل مازال مستمراً بين كل هذه الأطراف بغية الوصول إلى إطار لسياسة واشنطن حيال الخرطوم، فإما تواصل الوضع الحالي أو أدخل عليه تعديل بالتحسين. أما في الخرطوم، فالواضح أن قدراً كبيراً من الجهد السياسي والدبلوماسي يوجه الآن لخدمة ما يدعو له مبعوث الرئيس الأميركي للسودان وتوسيع دائرة المؤيدين له في دوائر السلطة في العاصمة الأميركية. ولكن في الخرطوم أيضاً من يرون أنه لا داعي للاستعجال وأن على الولايات المتحدة الأميركية أن تبقى على حال سياساتها الماثلة إلى أن يقوم «حزب المؤتمر الوطني» الحاكم بتنفيذ كل ما عليه من التزامات في تطبيق اتفاقية «نيفاشا». وبمعني آخر، فإن هؤلاء لا يمانعون في أن تغير أميركا من سياساتها نحو السودان وترفع عنه العقوبات وتزيل اسمه من القائمة. كل ذلك يرحبون به، لكن ينبغي أن يكون الثمن هو أن يفي الحزب الحاكم بما عليه وعلى رأس ذلك جملة الخطوات التي لا بد منها لتحقيق التحول الديمقراطي وإزالة الأحادية أو شبه الأحادية... والجدل مستمر. محجوب عثمان
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©