الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الإنقاذ وكشف الحساب

19 يونيو 2008 01:42
....وثورة الإنقاذ تتجه نحو الدخول في عقدها الثالث من عمرها في السلطة (ربما محققة بذلك نبوءة عرابها الأول حسن الترابي أيام سطوته الأولى بأن مشروعه الحضاري سيغير وجه الحياة في السودان والسودانيين)! من حق السودانيين الذين كانوا حقل هذه التجربة والمغامرة السياسية العجيبة، أن يسترجعوا ويراجعوا مسار هذه المغامرة التي أثرت على حياتهم وتطور بلدهم بصورة ليس لها مثيل في تاريخهم القريب والبعيد، هذه المغامرة رتب لها ونظمها وقادها حزب الجبهة الإسلامية القومية الذي كان أحد أركان النظام الديمقراطي-البرلماني الذي انقلبوا عليه في ليلة الثلاثين من يونيو عام ·1989 ستظل ذكرى هذه المغامرة العجيبة عند الكثيرين من السودانيين موصوفة بأنها الحقبة الأكثر ظلماً وظلاماً، التي شهدوا فيها صوراً وألواناً من العنف ومن انتهاك حريات الناس ومن تشريد الخصوم السياسيين وحرمانهم من حق العمل الشريف وإخضاعهم وأسرهم لأصناف من المعاناة المعنوية والجسدية بشكل لم يكن معهوداً ولا معروفاً في سودان ما قبل ثورة الإنقاذ· وعندما يدعو البعض إلى ضرورة المصارحة والمكاشفة عن الجرائم في حق الأفراد والجماعات ومن بعد إلى التسامح والمصالحة، فتلك الدعوة ليست محاولة لفتح الجراح -التي لم تندمل أصلاً- والانتقام، فإن هذه الدعوة هي العلاج الصحي الذي بدونه لن يسترد الوطن عافيته، وستظل الجراح تتقيح منتظرة يوماً تفرز فيه الصديد المسموم الذي يصيب جسم الوطن كله ما لم ينظف الجرح، وسيبقى الحديث عن المصالحة والمسامحة وبناء الوحدة الوطنية حديثاً لا يساوي قيمة الوقت الذي يصرفه قادة الإنقاذ والسياسيون الموالون لهم في ترداد الحديث عن المصالحة والوحدة· وعندما ينظر المرء في هذه الأعوام التي استهلكتها الإنقاذ من حياة البلد وما حفلت بها من تقلبات درامية والدروب الوعرة التي قادت إليه السودان وما تعرض له الوطن من أخطار التقسيم والتشرذم وما هو أكثر من ذلك، فإنه لا يملك إلا أن يشارك المتشائمين من مستقبل مظلم ينتظر السودان إذا لم تتغير العقلية المغامرة التي قادت البلد قرابة العقدين والقائمة على الاستحواذ بكل الوسائل على الوطن وثرواته لحساب شريحة صغيرة من أعضاء المؤتمر الوطني حتى أصبح الوطن وكأنه وطنهم دون غيرهم من المواطنين، وبدون المصارحة والمكاشفة، وبدون أن يملك قادة الإنقاذ (أو ما تبقى منهم) شجاعة الحق والتحلي بالصدق في مواجهة المواطنين والاعتراف باستقامة الخلق السياسي المطلوب توفرها عندما يتصدى لقيادة بلد وشعب، فإن الهوة الواسعة بينهم وبين المواطنين الذين جربوا مرات ومرات وعودهم التي لم تتحقق، فإن المساعي التي يحاول بعض السياسيين لـ''توحيد الصفوف'' و''قيام المؤتمر الوطني الجامع''، ستذهب أدراج الرياح، فأزمة الشعب السوداني مع ''الإنقاذ'' وفقدان الناس الثقة في كلماتهم وخطاباتهم السياسية ستظل قائمة ما دام سلوكهم العملي يكذب ''أحاديثهم الوظيفية'' وأفعالهم تكذب وعودهم· ستدخل الإنقاذ عقدها الثالث وحال السودان الظاهر والخفي لن يطمئن المواطنين الذين اكتووا بنار سياساتها الاقتصادية، فأورثت غالبيتهم الفقر والمسغبة، وأحوال المواطنين وصحتهم وخدماتهم الصحية تدهورت بدرجة تشهد بها حتى تقارير هيئة الصحة العالمية والعاملون من السودانيين في الحقل الصحي، وأمن الوطن الذي تزعم الإنقاذ أنها جاءت لإنقاذه يعرف الجميع إلى أين وصل تدهوره حتى بات الناس يخشون على سلامة أرواحهم وممتلكاتهم· وعندما تصل الحالة ببلد ما إلى مثل هذه الدرجة، فإن المناورات السياسية الحزبية لن تقود إلا إلى مزيد من التدهور والانهيار، ومصلحة السودان ومصلحة الإنقاذ نفسها إذا كانت حريصة على مستقبلها السياسي، أن تكون بداية العقد الثالث لعمر سلطتها فرصة وطنية لحوار وطني يتشارك ويشترك فيه الجميع بدون إقصاء أو عزل وبدون إرهاب أو رهبة تمارسها السلطة على المتحاورين· إن كشف حساب سنوات الإنقاذ طويل ولا تحصره هذه الأسطر، لكن البداية دائماً أن تبدأ بالمصارحة والمكاشفة والاعتراف الصادق أمام الشعب السوداني، وتلك بداية يحتاجها السودان وتحتاجها الإنقاذ· عبدالله عبيد حسن
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©