الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

متى تعترف فرنسا بهويتها المتعددة؟

متى تعترف فرنسا بهويتها المتعددة؟
15 أغسطس 2009 00:40
أثار نداء الرئيس الفرنسي ساركوزي بحظر ارتداء النساء المسلمات للنقاب في بلاده، الكثير من التوتر والجدل خلال موسم الصيف الحالي. ويمثل ذلك النداء الفصل الأخير من الصراع الذي ظلت تخوضه فرنسا من أجل الحفاظ على هويتها وتماسكها الاجتماعي. غير أنه ليس من المستبعد أن تؤدي دعوة ساركوزي لحظر الحجاب -باعتباره رمزاً لقهر النساء المسلمات في رأيه- إلى إقصاء مواطنيه المسلمين بعيداً إلى هامش المجتمع الفرنسي. يذكر أن فرنسا قد اتخذت بعض الخطوات الجريئة خلال السنوات الأخيرة الماضية للحفاظ على هويتها العلمانية في وجه تسارع نمو أقليتها المسلمة. ففي عام 2004، حظرت السلطات ارتداء الحجاب وغيره من الرموز الدينية داخل حرم المدارس الحكومية العامة. وفي العام الماضي، حرمت محكمة إحدى المهاجرات المغربيات من الحصول على الجنسية بسبب ارتدائها للبرقع. وسببت المحكمة قرارها بالقول إن المظهر الراديكالي الديني المتطرف للمرأة يتنافى والقيم الفرنسية. وأثناء مخاطبته للبرلمان بتاريخ 22 يونيو المنصرم، قال ساركوزي إن البرقع ليس مسألة دينية فحسب. ومجرد ظهور النساء اللائي يرتدين البرقع وانتشارهن في المدن والضواحي الفرنسية، يبدو متناقضاً أشد التناقض مع الطبيعة الحقوقية الأساسية المميزة للمجتمع الفرنسي. بذلك يرمز النقاب ضمناً إلى تقويض العلمانية ووحدة الهوية الوطنية التي يقوم عليها المجتمع الفرنسي الحديث. ومنذ ثورتها الكبرى في عام 1789، أظهرت فرنسا رغبتها في إدماج الأقليات الدينية والعرقية في نسيج مجتمعها الواسع، شريطة أن تبدي هذه الأقليات استعدادها للاحتفاظ بتقاليدها الدينية والثقافية الخاصة وممارستها في حدودها الضيقة والخاصة بها جداً. ولكافة الأقليات المهاجرة من مختلف الأديان والثقافات والأعراق ممارسة تقاليدها المعبرة عن هويتها الخاصة في نطاق بيوت أفرادها وأماكن عبادتها الدينية. غير أن المظهر العام لكافة المواطنين الفرنسيين، يجب أن يكون معبراً عن الهوية الفرنسية. وليس في فرنسا -كما هي الحال في أميركا- مفهوم عن ثنائية الهوية مثل «الأميركيين الأفارقة» وغيرها من الثنائيات واسعة الانتشار في المجتمع الأميركي الأكثر انفتاحاً في النواحي العرقية والدينية والثقافية. ولكي يندرج المهاجرون تحت هذا المفهوم المحدد عن المواطنة الفرنسية، فإنه يتعين عليهم تكييف عاداتهم وطرائق حياتهم على التمييز القائم بين ما هو خاص وعام في الحياة الفرنسية. كما تطالب الأقليات والمجموعات المهاجرة بإظهار قدرتها على الاندماج في نسيج المجتمع الفرنسي، بما في ذلك المشاركة النشطة للمهاجرين في المؤسسات العامة مثل الجيش ونظام التعليم المدرسي الحكومي، إضافة إلى إنشاء المؤسسات والكيانات التي تلعب دور الوسيط بين الأقلية المهاجرة والحكومة الفرنسية. والملاحظ أن الجالية الفرنسية المسلمة -وقد هاجر معظم أفرادها إلى فرنسا تحت وطأة الشعور بعبء التاريخ الاستعماري الفرنسي لبلادهم- هي أكثر الجاليات تمرداً على فكرة الاندماج في نسيج المجتمع المضيف لها. وبحكم طبيعة الممارسة الدينية الإسلامية نفسها، فإن أفراد هذه الجالية لا يعولون كثيراً على أن تقوم منظمة ما بتمثيلهم والنيابة عنهم في ممارسة الضغط على الحكومة وتحقيق المطالب العامة لأفراد الجالية. ولهذه الأسباب، ظلت الجالية تفتقر حتى وقت قريب جداً إلى منظمة كهذه، إلى أن تم إنشاء المجلس الخاص بها مؤخراً. ترتب عن ذلك شعور المسلمات الفرنسيات بحالة من التيه والضياع وهن يبحثن عن هويتهن في مجتمع لا يبدي استعداداً لقبول فكرة ثنائية الهوية التي تطمح إليها المسلمات. وفي رد فعل منهن، لجأ بعضهن إلى مظهر الأزياء الدينية في مسعى منهن لفرض هويتهن الخاصة على الشارع العام، والإعلان عن أنفسهن، فضلاً عن طموحهن إلى أن يكون لهن دورهن الخاص في صنع التاريخ الفرنسي الحديث. وبدلاً من أن يدعو الرئيس ساركوزي إلى برامج اجتماعية وتعليمية، تساعد في عملية إدماج الأقليات وتقريبها من نسيج المجتمع العام الفرنسي، وبدلاً من استغلال نفوذه في الاعتراف بأن الجمهورية الفرنسية لم تحقق بعد كل وعود الحرية والإخاء والمساواة التي رفعتها الثورة الكبرى، بدا ساركوزي في غاية التطرف بندائه بحظر النقاب. ولم يفعل رفض ساركوزي الاعتراف بحقيقة أن مجتمعه الفرنسي عبارة عن فسيفساء دينية وعرقية وثقافية متباينة أشد التباين ولها حاجاتها وتاريخها الخاص، سوى تعميق سوء الفهم وتوسيع المسافة الفاصلة بين الأقلية المسلمة المهاجرة والمجتمع الفرنسي الأم، وهو ما يزيد التوترات الاجتماعية الداخلية بالطبع. والحقيقة أن قرار حظر ارتداء النقاب -لو صدر- لن يساعد على إطفاء مشاعر الغضب واستياء غالبية الفرنسيين الأصليين من إصرار المسلمات على ارتداء النقاب. يجدر بالذكر أن إحصاءات الشرطة تشير إلى ارتداء 400 امرأة فحسب للنقاب في مختلف أنحاء فرنسا، وهو رقم ضئيل جداً مقارنة بالكثافة السكانية الفرنسية. وفيما لو كان ساركوزي مهتماً بأمر هؤلاء النساء وبالذود عن كرامتهن الإنسانية ووضع حد للقهر الذي يتعرضن له من قبل أزواجهن -كما يقول- فعليه أن يستغل نفوذه الرئاسي في الحديث العام عنهن، وفي مناقشة حاجاتهن وهمومهن. كما ينبغي عليه الاهتمام أكثر بما يمكن لهن أن يحققنه ويسهمن به في الحياة العامة الفرنسية بدلاً من وضع عينيه على ملابسهن. سايمي روم - رايمر كاتبة فرنسية متخصصة في شؤون الأقليات ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©