الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

عبد الله العروي.. خطاب الحداثة «القاطع» مع التراث

عبد الله العروي.. خطاب الحداثة «القاطع» مع التراث
16 يونيو 2016 23:44
عبير زيتون (رأس الخيمة) يعتبر المفكر والمؤرخ المغربي، عبد الله العروي، من أكبر دعاة الحداثة في الفكر المغربي، والعربي المعاصر، إذ شغل إنتاجه الفكري الممتد منذ ستينيات القرن العشرين بقضايا الفكر العربي وإشكالاته مع النهضة، ونقد التأخر التاريخي في المجتمع العربي، باعتباره المدخل الموضوعي، والضروري للنهضة العربية. يقول العروي عن نفسه: ‹لا أرى نفسي فيلسوفاً ـ من يستطيع اليوم أن يقول إنه فيلسوف؟ ـ ولا أرى نفسي متكلماً ولا حتى مؤرخاً همه الوحيد استحضار الواقعة، كما وقعت في زمن معين ومكان محدد››. ويضيف: «لم أرفع أبداً راية الفلسفة ولا الدين، ولا التاريخ، بل رفعت راية التاريخانية، في وقت لم يعد أحد يقبل إضافة اسمه إلى هذه المدرسة الفكرية، لكثرة ما فُنِّدت وسُفِّهت؟». بدأ صاحب «الأيديولوجيا العربية المعاصرة» النشر في مجلات مغربية منذ عام 1964، تحت اسم مستعار هو «عبد الله الرافضي» قبل أن تتشعب، وتتعدد اهتماماته البحثية، بفعل انفتاحه الواسع على الفكر الفلسفي العالمي، وعلى المناهج الفكرية السائدة في العالم الغربي، فكتب في التأريخ، ونقده، والفلسفة، والأدب، والرواية، وأرسى كمفكر ومنظّر، لمفاهيم شمولية جريئة ومنخرطة في التاريخ العالمي، شكلت خطاباً فكرياً بنيوياً متماسكاً في الفكر العربي المتفلسف، مع تميز انشغاله بهموم مجتمعه، على الرغم من تقدمه في السن، حيث سجل حضوره ومواقفه بقوة في القضايا والجدالات الكبرى التي تشغل المجتمع المغربي والعربي، وآخرها موقفه الرافض لمقترح استعمال اللغة الدارجة في التعليم، معتبراً إياها عملية انتحارية. وشكلت التاريخانية كمفهوم نظري، المكون الفلسفي الأساسي في فكر «العروي» منذ ستينيات القرن العشرين، وأصبحت جزءاً من المرحلة النقدية التي يمر بها الفكر العربي المعاصر في تمهيده لظهور إنتاج فكري، يقوم على منهجية علمية، واقعية مختلفة عن ما هو سائد، وطبق العروي التاريخانية على مسارين: تحقيق القطيعة المعرفية مع التراث، واستيعاب الحداثة، وندد بالتردد، وعدم الحسم والقطع مع العقل التراثي/‏ الأصولي، داعياً إلى تبني أنموذج العقل الحداثي التنويري. ويرى العروي أن الطريق الوحيد للتخلص «من الانتقائية والسلفية» هو «الخضوع للفكر التاريخي بكل مقوماته: صيرورة الحقيقة، وإيجابية الحدث التاريخي، وتسلسل الأحداث ثم مسؤولية الأفراد عنها». فهذا الفكر التاريخي، حسب العروي، هو الذي يستطيع تحريرنا من أصالة موهومة تمجد التراث. واشتهر العروي بدعوته إلى القطيعة مع «العقل التراثي» لتجاوز الإحباط الذي ولدّه فيه العقلان: التراثي، والنهضوي، لذا، ومن أجل تخطي «التأخر التاريخي» وتجاوزه، لا بد من القطع «وهذا لا يكون إلا بالقفز فوق حاجز معرفي، حاجز تراكم المعلومات التقليدية، لا يفيد فيها أبداً النقد الجزئي، بل ما يفيد هو طيّ الصفحة.. وهذا ما اسميته ولا أزال أسميه بالقطيعة المنهجية.. مَن نفى أو تجاهل ضرورة القطيعة، أصبحت جهوده تحقيقية تافهة». وأوضح عبد الله العروي في كل كتاباته أنه من أجل تجاوز واستدراك تراجعنا التاريخي، لابد من تملك روح الحداثة، وفكر الحداثة، انطلاقاً من نموذج الحداثة الأوربية، خاصة عقلانية القرن التاسع عشر وفلسفة الأنوار، ومن ثمة، فهو يدعو إلى استيعاب مقومات ومكاسب العقل الحديث، من عقلانية وتاريخانية ونسبية وفردانية، والتمييز بين أيديولوجيا وسياسة الغرب الحالي، وبين الفكر الأوربي العقلاني الحديث ذاته، أي بين المنهج والأيديولوجيا. بقيت الإشارة إلى أن مؤلفات العروي تجاوزت الثلاثين كتاباً، وهي باللغتين العربية والفرنسية، ويعد مشروع «عبد الله العروي» من أهم المشاريع الفكرية التي جاءت لتنوير العقل العربي والإسلامي، ولتعبيد الطريق للعقل حتى يقوم بما أنيط به من دور في التفكير والتخطيط، ولايزال يناضل، ولو بصمت، بغية جذب انتباه العالم إلى أن «الثقافة مثل الثروة، لا تحمي من النسيان» وبهذا يبقى اسم العروي كمفكر جدلي وساطع بين طيات الفكر العربي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©