الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«الندم» تراجيدراما من واقع تسلط الأب وطمع الأبناء

«الندم» تراجيدراما من واقع تسلط الأب وطمع الأبناء
17 يونيو 2016 20:21
رنا سرحان (بيروت) حقق المسلسل الدرامي السوري «الندم» أصداء واسعة منذ اليوم الأول للشهر الفضيل، وحجز مكانته، وذلك لبراعة مخرجه الليث حجو في تقديم شهادة على تحولات المجتمع السوري جمعها بين الوثائقي والدراما، بناها بالألوان. فذاكرة البطل «عروة» تبدو زاخرة بالألوان، بينما تراوح ألوان مشاهداته ويومياته الراهنة بين الأبيض والأسود والأزرق البارد، في إشارة إلى «رفض هذا الفرز الذي يُراد للسوريين أن يتموضعوا ضمنه» لتروي للمشاهد العربي في رمضان، حكايات عن نص للكاتب والسيناريست حسن سامي يوسف، الذي ارتبط اسمه بأعمالٍ تلفزيونية سوريّة شهيرة، ويقدّم عبر هذا المسلسل ما يمكن اعتباره شهادةً على التحولات في حياة السوريين، خلال قرابة العقدين من الزمان من إنتاج «سما الفن». طعنة غدر بين ذاكرة الكاتب التلفزيوني «عروة» (محمود نصر) ويومياته، تعود الرواية التلفزيونية من سن الـ 41 مع حلول سنة 2016 إلى ماضيه، وهو في عزّ شبابه عندما كان في الـ 29، من خلال «فلاش باك» تقليدي لترصد مصيره؛ لذا تحتلّ هذه العودة معظم أوقات المسلسل، وتلاحق يومياته وهو الشاب الوسيم، والنزيه، والعاشق الحقيقي الذي توضّب له الحياة طعنة غدر تدفعه إلى الوحدة، وبخاصة في ظروف الحرب القاسية.‏? ?إلى ?جانب ?ذلك، ?يرصد ?النص ?علاقة ?عروة ?بثلاث ?نساء ?غيّرن ?حياته ?عبر ?حكاية ?سورية ?ممتدة ?من ?2003 ?حتى ?2016، ?لكنّه ?يقف ?عند ?هناء (?دانا ?مارديني) ?الشخصية ?الرومانسية ?الطموحة ?التي ?تتطلع ?بشغف ?كبير ?إلى ?حب ?تلتقيه. ?ويكون ?لها ?ما ?تريد ?عندما ?تجتمع ?ببطل ?القصة ?عروة ?وتتزوّجه ?من ?دون ?معرفتها ?بأنّ ?القدر ?سيوّلف ?لعبته ?في ?محاذاة ?حياتها ?بطريقة ?تفجع ?حبيبها ?ومن ?حولها. أما «الغول» الحقيقي، «أبو عبدو الغول» (سلوم حداد) وشخصيته تجسّد حالة الشر والسيطرة والتوسع، وهي الحالة التي أصابت معظم أصحاب رؤوس الأموال في المجتمعات العربية كما يصف الكاتب حسن سامي يوسف، ودفعتهم إلى ابتلاع كل شيء حولهم دون إعارة أي اهتمام للآثار المدمّرة المترتبة على ذلك، إنسانياً وسياسياً، واجتماعياً. قصة شعب اعتمد الكاتب بشكل رئيس على شخصية «عروة»، ليرى الجمهور الأحداث من خلاله، بعدما قرّر الإجابة عن السؤال الذي طرحه، من خلال العودة إلى عام 2003 وإسقاط قصة عائلته (النماذج)، الأب والإخوة، التي ستمثل قصة الشعب السوري عبر صراعها الداخلي بين أفرادها، وسط تزاحم صور الدمار السوري حيث تساءل الرجل الأربعيني: «ماذا زرعنا لنحصد هذا الخراب كلّه؟‏?»?. يروي «عروة» ما حصل من حينها إلى بداية الأزمة، محافظاً على وجوده بالإطار العام في الزمن الحالي، فيما يلجأ حجّو إلى معالجة إخراجية خلاقة للنص المربك وغير المسطح، مشيراً إلى محاولته الوصول إلى نوعين مختلفين في الحلّ الدرامي والبصري، فـ«الندم أحياناً يكون أسلوب حياة؛ لذا يبتعد عن الشكل التقليدي، وعن نمط استخدام الاسترجاع الفنّي (فلاش باك)، لافتاً إلى أنه يوميات «عروة» في دمشق خلال الزمن الحالي». يشيد الكاتب يوسف بمهارة ?المخرج حجو ?وحرفيته، ?مؤكداً «?انه ?من ?أهم ?المخرجين ?على ?مستوى ?العالم ?العربي، ?وعملهما ?المشترك ?مع ?الممثلين ?هدفه ?الوصول ?إلى ?نجاح ?يعيد ?للدراما ?السورية ?ألقها ?الذي ?فقدته ?في ?السنوات ?الأخيرة، ?معلناً ?أن ?صنّاع ?العمل ?أتاحوا ?الفرصة ?لعدة ?وجوه ?جديدة ?كي ?تطل ?من ?خلال «?الندم»?، ?قد ?يعتبرها ?البعض ?مغامرة ?غير ?مضمونة ?النتائج، ?لكن ?باعتقادي ?نحن ?بحاجة ?لخوضها، ?فالدراما ?السورية ?تحتاج ?اليوم ?لهذه ?الوجوه ?الشابة، ?وأتوقع ?أن ?يحقق ?هذا ?العمل ?نجاحاً ?كبيراً ?أرجو ?أن ?يكون ?على ?المستوى ?المطلوب ?الذي ?سعينا ?إليه ?في ?تجاربنا ?السابقة»?. قصة العمل يروي العمل قصة ممتعة لتاجر اللحوم «ابراهيم الغول» (سلّوم حدّاد) ومسيرته من الصفر، حيث يبني نفسه بنفسه، ليتحوّل إلى صاحب مجموعة تجاريّة كبيرة، أوكل مهمّة إدارتها لابنه «سهيل» (أحمد الأحمد)، لكنّه يترك كل شيء وراءه ويقرر الرحيل، بسبب معاملة أبيه القاسية، وغيرته من أخيه الأصغر «عروة» (محمود نصر) الذي يعتبره مدللاً على حسابه. وهكذا يتولى الابن الأكبر «عبدو» (باسم ياخور) إدارة استثمارات العائلة، وتنميتها، بمنطقٍ معاصر، يسخّره لمصلحة أطماعه في السلطة والنفوذ، ويصبح «غولاً» حقيقياً، لا حدود لشراهته، دون أن يعير الاهتمام لأي اعتبار إنساني، ويكون ذلك طريقه لعضوية البرلمان ليتحول إلى حوت يستفرد بأملاك العائلة ويعتبر أن هذا حقّه المشروع! ويصف ياخور الدور بأنه أحد نماذج شريحة من الاقتصاديين تعتمد على متلازمة السلطة والدولة، ولا تشبع بل تبتلع كل شيء على حساب الوطن، وهو شخصٌ يدرك تماماً ما يفعله، ويقتنع بصوابيته. «ندى» (رنا كرم) الابنة الوحيدة لـ «أبو عبدو الغول» التي تعيش قصّة حبّ لا تكتمل، تواجه قدرها برضا واستسلام، بعدما طال انتظارها لحبيبها الذي اختارته بمباركة أهلها، رغم كونه ينتمي إلى بيئة مختلفة، يُعتقل فتنتظره لخمس سنوات، وحينما ترتبط بشخص آخر يعود ويتجدّد وجعها، لكنّها تقرّر المضي إلى الأمام مع شريك حياتها. كرم تصف شخصيتها بالمتوازنة، والمتصالحة مع ذاتها، وتواجه انكساراتها من منطق الإيمان بالقدر والتسليم بأحكامه، «كما جميع شخصيات «الندم»، التي كتبت بطريقة متينة، وأجمل ما فيه تسليطه الضوء على حياة السوريين وانكساراتهم قبل الحرب كعثرات الحبّ وآلام الفقد ومرارة الانتظار التي أصبحت أكثر قسوةً وإيلاماً بعدها». التقريب بين الإخوة وتحرص «أم عبدو» (سمر سامي) على مداراة الأب، والتقريب بين الإخوة وسط ما يحدث في حياة العائلة من تحولات عاصفة وتحاول التقرب من ابنها الأوسط سهيل الذي يعاني عوزاً للحب والاهتمام، وحساسيّة مفرطة تدفعه إلى ارتكاب الكثير من الحماقات. هو يرمز إلى جيل مرتبط بقيم العائلة ودفئها، وعاش دراما حقيقية، كوّنت وجهات نظره تجاه الحياة، ويصعب تغييرها، وبهذا المنطق يخوض ما يمكن اعتباره صراع أجيال.‏? ?سهيل ?هو (?أحمد ?الأحمد) ?الابن ?الثاني ?في ?ترتيب ?أبناء ?عائلة «?الغول» ?الذكور، ?يعيش ?عقدة ?الأخ ?الأوسط، ?ويشكو ?معاملة ?أبيه ?القاسية ?له، ?رغم ?اعتماده ?الكليّ ?عليه ?بتجارته، ?ويغار ?من ?المعاملة ?التفضيلية ?لأخيه ?الصغير ?عروة ?ويعتبره ?مدللاً ?ممسوح ?الشخصيّة. ?يسعى ?سهيل ?إلى ?التمرّد ?على ?سلطة ?الأب، ?وحينما ?يضبطه ?متلبّساً ?في ?محاولة ?سرقته، ?يقرّر ?مغادرة ?البلاد ?وترك ?كل ?شيء ?وراءه. ملمح وثائقي يتضمّن مسلسل «الندم» مشاهد ذات ملمحٍ وثائقي عن شكل الحياة في دمشق اليوم، تتقاطع مع حكايات «عروة» عن عائلته، ونساءٍ أثرّن في حياته؛ طليقته «رزان» (مرام علي)، حبيبته «هناء» (دانا مارديني) التي كانَ لديها مخاوف من الارتباط، ينجحان بمواجهتها، لكنّه يفقدها على نحوٍ مأساوي، «رشا» (جفرا يونس) وهي فتاة جامعية، معجبة بكتاباته التلفزيونية، تقتحم حياته فجأة، ويكون لها مخاوفها المرتبطة بالفقر، والحرب، ويصدق حدسها حينما تواجه مصيراً مأساوياً أيضاً، و«وداد» (هيا مرعشلي) الشابّة العائدة من ماضيه، ويلتقيها مصادفةً، بعد أن عرفها طفلةً قبل سنوات طويلة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©