الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الاقتصاد الفنزويلي... انكماش وتضخم

7 مايو 2010 23:43
لم يمر يوم واحد خلال الأشهر الثلاثة الماضية، دون أن تنطفئ أضواء هذه المدينة -سان كريستوبال- حسب برمجة قطع التيار الكهربائي التي حددتها الحكومة الفنزويلية. وتعني تلك البرمجة أن على المدينة أن تغرق في ظلام دامس، بعد أن كانت تضج بالحيوية والنشاط التجاري اللذين لا يتوقفان ليلاً ولا نهاراً. ويسري الأمر نفسه على الشارع الخامس، حيث تنتشر المحال التجارية المتخصصة في بيع قطع غيار السيارات. فقد تعين علينا أن نتوقف فحسب ونكف عن العمل، هكذا قال "جيسس يانس" العامل المختص بدهانات السيارات. ويسري الأمر نفسه على بقية المدن الفنزويلية الأخرى، حيث تضافرت أزمة الطاقة التي استمرت فيها لبضعة أشهر، مع سنوات من التدخل الحكومي في إدارة الاقتصاد، لتلحقا ضرراً فادحاً بالاستثمارات الخاصة. والنتيجة الطبيعية هي انطفاء الاقتصاد الفنزويلي نفسه وغرقه في الظلام، ما يعني تحدياً غير مسبوق للزعيم هوجو شافيز ونهجه الاشتراكي الذي يزعمه. وتصح هذه الحقيقة بصرف النظر عن كون فنزويلا بين كبريات الدول المنتجة للنفط عالمياً، وكونها في قائمة الدول الخمس الأكثر تصديراً للنفط الخام إلى الولايات المتحدة الأميركية. ومن رأي الاقتصاديين أن فنزويلا تعصف بها أزمة اقتصادية ليس ثمة مخرج سهل منها في الوقت القريب المنظور، حتى وإن عاد إنتاج النفط إلى نشاطه السابق وتخلص من حالة الركود التي أصابته مؤخراً، وحتى لو توقفت كراكاس عن سياسات إنفاقها البذخي. من هؤلاء يقول خوسيه جويرا -محلل اقتصادي سابق بالبنك الدولي، ويتولى إدارة شعبة الاقتصاد بالجامعة المركزية في كراكاس- إن الحكومة أصبحت مشلولة تماماً وغير قادرة على معالجة الموقف. كما أنها تفتقر إلى الخطط المالية التي تمكنها من التصدي للأزمة. ويمضي "جويرا" إلى القول: إن وضعنا لا يصدق، لأن بلادنا تعد إحدى كبريات الدول من ناحية الاحتياطات النفطية، موارد الطاقة الكهربائية والحرارية والمائية. شافيز ينظر إلى النموذج الاقتصادي الأيديولوجي الذي يتبناه ويطلق عليه اسم "اشتراكية القرن الحادي والعشرين" باعتباره بديلاً لنمط الرأسمالية الأميركية، الذي فشل فشلاً ذريعاً من وجهة نظره. لكن الحقيقة هي أن الاقتصاد الفنزويلي لم يتسع إلا بمعدل يقل عن نسبة 3 في المئة سنوياً، طوال فترة حكم شافيز، على رغم أن أسعار النفط بلغت خلال الفترة نفسها معدلات جنونية بوصول سعر البرميل الواحد إلى 150 دولاراً في عام 2008. بل انكمش الاقتصاد الفنزويلي في العام الماضي بنسبة 3.3 في المئة، بينما يتوقع بعض الاقتصاديين -بمن فيهم جويرا- أن تصل نسبة الانكماش خلال العام الحالي إلى 5 في المئة. إلى ذلك تصل تقديرات صندوق النقد الدولي للانكماش المتوقع هذا العام إلى نسبة 2 في المئة. كما يجب القول إن أداء فنزويلا الاقتصادي، يتناقض تناقضاً صارخاً مع أداء بقية دول أميركا اللاتينية، التي يحذر فيها بعض محافظي البنوك المركزية من خطر الإفراط في النمو الاقتصادي خلال العام الحالي. ففي كل من بيرو وتشيلي والبرازيل، يتجاوز معدل النمو السنوي نسبة 4 في المئة، حسب معلومات صندوق النقد الدولي. وعلى عكس ذلك تماماً يقف الاقتصاد الفنزويلي، الذي تسيطر على سياساته تأميم الصناعات والرقابة المشددة على العملات. وعلى حسب رأي "أوجستو دو لا توري" المحلل الاقتصادي الرئيسي بالبنك الدولي لمنطقة أميركا اللاتينية، فإن السبب الرئيسي وراء انكماش الاقتصاد الفنزويلي هو انكماش النشاط الاقتصادي الخاص فيها. وفي حديث له الأسبوع الماضي، قال "دولا توري" إن الحالة الفنزويلية تعكس تراجعاً واضحاً في الإنتاج والنشاط الاقتصادي الخاص والاستثمار الخاص. من ذلك مثلاً أن الصناعة النفطية تنتج الآن معدلاً يقل عما كانت عليه إنتاجيته في عقد التسعينيات بنحو 20 في المئة. ليس ذلك فحسب، بل تراكمت الديون الخارجية على القطاع النفطي الفنزويلي. ويقول الاقتصاديون إن معدل التضخم في البلاد ربما يصل إلى نسبة 35 في المئة خلال العام الحالي. وعلى الصعيد نفسه قال كارلوس لارازابال -رئيس اتحاد كوإندستريا الذي يمثل مصانع البلاد كلها- إن آلاف المصانع قد أغلقت مؤخراً بسبب عدم قدرتها على الحصول على الأموال وقطع الغيار اللازمة لها. وبالنتيجة فقد تراجعت شعبية هوجو شافيز جراء هذه السياسات إلى نسبة تقل عن 50 في المئة، وهو تراجع نادر قلما واجهه شافيز طوال فترة حكمه، إضافة إلى الصعوبات التي يضعها أمام مؤيديه الذين يستعدون الآن لخوض الانتخابات البرلمانية التي تجرى في شهر سبتمبر المقبل. ومن رأي المحللين أنه بات في وسع المعارضة أن تفوز هذه المرة بمقاعد لها في الكونجرس، الذي طالما سيطر عليه حلفاء شافيز ومؤيدوه. ومن جانبه لم يبد شافيز انزعاجاً لتراجع شعبيته الذي أشارت إليه استطلاعات الرأي العام مؤخراً. فقد توجه شافيز بالسؤال التالي إلى أتباعه ومؤيديه في الحزب الحاكم: هل ثمة ما نخشى منه؟ كلا بالطبع. وبدلاً من النظر إلى أزمة بلاده الاقتصادية، قال شافيز إن أزمة الرأسمالية العالمية لا تعني أي مأساة بالنسبة لنا هنا. بل إن أزمة النظام الرأسمالي العالمي توفر لنا فرصة ملائمة جداً لبلورة نموذج اقتصادي بديل وأكثر كفاءة منها، مشيراً في ذلك إلى نمط الاقتصاد الذي تسيطر عليه الدولة. جوان فوريرو سان كريستوبال - فنزويلا ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©