الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

تودوروف يعلن في كتابه الأخير انتصار الفكر على السيف

تودوروف يعلن في كتابه الأخير انتصار الفكر على السيف
6 مايو 2017 22:33
حسونة المصباحي قبيل وفاته في الليلة الفاصلة بين السادس والسابع من شهر فبراير من العام الحالي، صدر للناقد والسيميولوجي المرموق تزفيتان تودوروف، كتاب بعنوان: «انتصار الفنان» عن دار فلاماريون. ويتضمن هذا الكتاب فصولاً عن معاناة الفنانين والشعراء والكتاب في فترة الجليد الستاليني التي بدأت في نهاية العشرينيات، واستمرت حتى أواسط الخمسينيات من القرن الماضي، وكان ضحاياها بالمئات. فمنهم من قتل، ومنهم من أجبر على الهروب إلى المنفى، وآخرون أرسلوا إلى المعسكرات في سيبيريا، حيث للحياة مذاق الجحيم. وكان ستالين ينعت المبدعين في مجال الفن والأدب والفكر بـ «مهندسي الروح». ويعني هذا أنه كان يريد أن يكون هؤلاء في خدمة الحزب الشيوعي البلشفي، وأن ينتصروا لأهدافه السياسية والأيديولوجية من دون أن يتجرأوا على انتقاده. وفي كتابه، يعود تودورف إلى تلك الفترة القاتمة ليحدثنا عن مصير العديد من الفنانين والكتاب والشعراء، وعن معاناتهم، فقد فضل نابكوف مثلاً أن يترك بلاده ليمضي بضع سنوات في برلين، ثم باريس، ومنها إلى الولايات المتحدة الأميركية. ولعل هجرته المبكرة تعود إلى أن نابوكوف كان يعلم أن حياته كمبدع ستكون محفوفة بالمخاطر في ظل نظام شمولي يرفض أي شكل من أشكال حرية الفكر والتعبير. وفي فصل آخر، يتحدث تودوروف عن الفنان الروسي الكبير كازيمير ماليفيتش الذي لم يكن رافضاً للثورة، لكنه كان يرفض أن يكون الفنان في خدمتها. وكان يرفض رفضاً قاطعاً أن يكون الفن «دعائيّاً». ورغم أنه انتخب عضوا في مجلس السوفيات، فإن ماليفيتش الذي يعد من رموز الفن الحديث، لم يسلم من القمع الرهيب، وقد كانت الصحف البلشفية تنعته بـ«الحالم»، وبـ «البورجوازي الصغير»، لذلك لم تتردّد السلطات البلشفية في سجنه وتعذيبه بطرق وحشيّة. ومع مطلع الثلاثينيات، وبعد فرار تروتسكي إلى المنفى، أحكم ستالين قبضته على الحزب البلشفي، وعلى مؤسسات الدولة، وشرع في «تطهير البلاد من أعداء الثورة» سواء داخل الحزب، أو في أوساط المثقفين والمبدعين، مشيعاً في هذه الأوساط موجة من الإحباط واليأس. وربما لهذا السبب، انتحر فلاديمير ماياكوفسكي الذي لقب بـ «شاعر الثورة»،كما انتحر يسنين القادم من أرياف روسيا. أما الشاعر أوسيب ماندلشتايم الذي كتب قصيدة يهجو فيها «أب الشعب» أي ستالين، فقد أرسل إلى سيبيريا ليموت هناك برداً وجوعاً. وقبيل اندلاع الحرب الكونية الثانية، أعدم الكاتب إسحاق بابل والمخرج مايرهولد. وثمة فنانون وكتاب وشعراء لم يكونوا على وفاق مح الحزب البلشفي، إلاّ أنهم تمكنوا من الإفلات من موجات القمع والتصفيات. من هؤلاء يمكن أن نذكر بولغاغوف صاحب رائعة: «المعلم وماغريت»، والمخرج آينشتاين، وباسترناك الذي سيفضح فيما بعد جرائم الثورة في روايته: «الدكتور جيفاكو». ويولي تودورف اهتماماً خاصاً للكاتب زامياتين صاحب رائعة: «نحن الآخرون» التي أدان فيها بشدة تغوّل الحزب البلشفي، وتغول الدولة بزعامة ستالين. وقد منعت الرقابة السوفياتية هذه الرواية الجريئة. وكاد صاحبها أن يساق إلى سيبيريا لولا تدخل مكسيم غوركي الذي ظل مسموع الكلمة رغم اختلافه مع توجهات الحزب البلشفي. وفي كتابه، يشير تودورف إلى أن «المواجهة المباشرة» مع النظام البلشفي كانت مستحيلة ومنعدمة. يكفي أن تصدر كلمة واحدة من هذا الفنان أو ذاك لكي يجد نفسه في وضع خطر. وفي تعليقها على كتاب تودوروف، كتبت الأسبوعية الفرنسية «لوبس» تقول: «في المساء الأخير لحياته، اختار تودوروف أن يحيي ذكرى هؤلاء الفنانين المسحوقين تحت سلطة ستالين. واليوم يُقْذَف ستالين باللعنات، أما نحن فما زلنا نظهر إعجابنا بهؤلاء، وما زلنا نقبل على قراءة أعمالهم، ومشاهدة لوحاتهم في المتاحف. إذن..تودوروف على حق حين يعلن عن انتصارهم».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©