الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

يوم يبكيني !

20 مارس 2011 19:51
“21 مارس” اليوم الوحيد بين سائر الأيام والأعياد والتواريخ الذي يبكيني رغماً عن أنفي!. ليس فقط بسبب شعوري بالوحشة تجاه أمي التي افتقدتها منذ سنوات، أو لأني لم أشعر في لحظة من حياتي بالضعف أو الحاجة أو الوهن والعجز إلا أمام أمي!. أو لأن ذاكرتي تجتر في هذا اليوم أشياءً كثيرة محفورة في جدران ذاتي ومكنونات نفسي. .. لا أنسى أبداً تلك الطبيعة الفطرية لقلب أم امتزجت فيه كل معاني قوة الشكيمة والحزم واللين والإفراط في الحنان! .. دائماً أستحضر إلحاحي على أمي ـ وأنا في الرابعة من العمر ـ أتحرك خلفها وأجذبها من أطراف ثوبها وهي تقف أو تتحرك مشغولة في مطبخها، لتراجع أو تصحح لي كتاباتي لحروف الهجاء أو الكلمات القليلة التي تعلمتها ـ باستخدام إصبعي في الهواء ـ أو بكتاباتي لها على جدران المطبخ! .. لا أنسى فزعها وهي تغسل بحنانها الدماء على سيقاني العارية التي تسلخت من جراء سقوطي وأنا ألعب الكرة مع الأطفال في الشارع. أو عندما أشعر بها تتحسس غرفة نومي مع أشقائي في ليل برده قارس، وتعيد الغطاء علينا إلى طبيعته برفق وهدوء ودفء. .. لا أنسى أبداً “قرصة الأذن” التي أتلقاها بعدما تشتكي مني شقيقتي أو شقيقي الأصغر لسبب يستحق العقاب. .. لا أنسى أبداً همسها مع “أبلة منيرة”ـ مدرستي حتى الصف الثالث الابتدائي ـ وهي تتلقى منها تقريرها اليومي عن مشاغباتي غير العادية في الصف، ولا أزال أستحضر نظراتها وإيماءاتها لي بأن أنتظر العقاب المناسب عندما نعود إلى البيت! .. لا أنسى إصراري على أن تجلس وتسمعني وأنا أردد نشيداً مدرسياً أريد أن أتأكد من حفظه قبل أن أذهب إلى النوم. ولا مراجعة كلمة الصباح التي كان والدي يكتبها لي وأحفظها عن ظهر قلب قبل ذهابي إلى المدرسة. .. لا أنسى أبداً “خيزرانتها” ساعة العقاب التي كانت تنتظرنا فيها ـ نحن الأشقاء السبعة المتقاربون في العمر من بين كتيبة كبيرة العدد من الأشقاء والشقيقات ـ قبيل النوم، لتحقق معنا، وتراجع أخطاءنا طوال اليوم، وقد أغلقت باب الغرفة حتى ننال العقاب الذي نستحقه من دون هروب أو إفلات. .. أنحني لذكراها دائماً عندما أستحضر انحناءها لتقبل يد والدي أمامنا مزهوةً فرحةً وهي في كامل أناقتها في صباح يوم عيد، وهي في السبعين من عمرها! .. في مثل هذا اليوم لا يمكن أبداً أن أنسى ليلة عيد فطر قبل ثماني سنوات، استشعرت فيها أن أيامها باتت معدودة، وخرجت من مقر الجريدة إلى المطار دون تفكير أو حتى بطاقة سفر، لأستقل أول طائرة لأراها، لتمطرني بكل أشكال وأصناف الدعوات التي أرادت أن تستجمع فيها كل ما تستطيع من كلمات ومعانٍ وأمنيات، ولم تنس أن تطلب ـ للمرة الأولى ـ أن أزيل كافة صور أبنائها وبناتها وأحفادها التي كانت تزين بها جدران غرفة نومها، وهي تستحضر بوعي كامل لحظة الفراق الأبدي، حتى لا تمنع تلك الصور ملك الموت من الولوج إلى مخدعها. .. لن أنسى بالطبع آخر قبلاتي على جبينها.. إنها حاضرة اليوم.. وكل يوم.. بل كل لحظة. كانت أماً..وألف تحية لكل أم. khourshied.harfoush@admedia.ae
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©