الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حائط المكسيك.. بلا فوائد

9 ابريل 2018 22:13
اختتم الرئيس دونالد ترامب تغريدة يوم 25 مارس على موقع «تويتر» بالعبارة الغامضة التالية: «سنبني الحائط عن طريق M»!. فهل يعني بالحرف المنفرد (M) الجيش أو القوات المسلحة أم المكسيك؟. وكشفت تقارير نشرت الأسبوع الماضي أنه يفكر باقتطاع جزء من الميزانية المخصصة لوزارة الدفاع والتي تبلغ 700 مليار دولار لتمويل «الجدار الجميل» -وفقاً لوصفه- على الحدود الجنوبية. ومن الواضح أن هذا الإجراء يتفق مع عقلية الرئيس الذي اعتاد أن يفعل ما يريد على حساب الاقتطاع من الميزانيات المختلفة. وتبلغ النفقات الأولية لبناء الحائط نحو 30 مليار دولار وهو مبلغ متوفر في وزارة الدفاع، إلا أن ذلك يذكّر أيضاً بوعد آخر قطعه للناخبين ببناء أسطول بحري يتألف من 350 قطعة. وإذا حاول الاقتطاع من الميزانية الدفاعية لبناء الجدار، فسوف يواجه معارضة سياسية وقانونية قوية من الكونجرس بأعضائه من الحزبين «الجمهوري» و«الديمقراطي» على حد سواء. وكان مشرّعو الكونجرس قد اتفقوا على رصد مبلغ 1.6 مليار دولار لبناء المراحل الأولى من الحائط وليس على دفع التكاليف الكاملة لبنائه دفعة واحدة. وتتردد في واشنطن مقولة: «إن الجهاز التنفيذي يقدم الاقتراحات، والكونجرس يرفضها». كما أن بناء الحائط الذي وصفه ترامب بأنه مشروع واحد متكامل يمتد من شاطئ المحيط الهادئ وحتى خليج المكسيك، سوف يمثل خطأ جسيماً وفقاً للعديد من الاعتبارات والأسباب العملية التالية: أولاً: دعنا نبدأ بالتكاليف، حيث تختلف التقديرات المتعلقة بها بشكل كبير من مصدر إلى آخر. إلا أن تقارير صدرت العام الماضي توقعت أن تتراوح بين 30 و70 مليار دولار، يضاف إليها مبلغ 200 مليون دولار سنوياً لأعمال الصيانة. وبالرغم من أن ترامب قال أكثر من مرة إن المكسيك هي التي ستدفع هذه التكاليف إلا أن من الواضح تماماً أن دافعي الضرائب الأميركيين، هم الذين سيتحملون هذا العبء. ثانياً: لعل الأهم من كل ذلك هو أن بناء الجدار بحد ذاته يعد فكرة مخيفة يمكن أن تترك أبلغ الأثر على علاقاتنا مع جيراننا من دول أميركا الجنوبية. وشئنا أم أبينا، فإن تصوراً عاماً ينتشر بسرعة في أوساط مواطني دول أميركا اللاتينية والبحر الكاريبي يفيد بأن الولايات المتحد أصبحت شريكاً متعجرفاً لا يتحلى بالمسؤولية السياسية التي كانت تجمعنا بها عبر التاريخ. وسبق أن قامت الولايات المتحدة بغزو عدة دول في المنطقة خلال فترة القرن ونصف القرن الماضية، من المكسيك وحتى هاييتي ونيكاراغوا وجمهورية الدومينيكان. وعندما كنت قائداً للقوات الجنوبية للولايات المتحدة ومسؤولاً عن كل العمليات العسكرية التي يتم تنفيذها وراء حدودنا الجنوبية، قضيت ثلاث سنوات وأنا أزور دول الجنوب واحدة تلو الأخرى وفهمت من تلك الزيارات أنه إذا كان من طبيعة الأميركيين تناسي تاريخ غزواتهم العسكرية لبعض دول الجنوب، إلا أن تلك الغزوات أصبحت راسخة في ذكريات مواطني دول أميركا الجنوبية. والآن يأتي بناء الحائط العازل ليزيد الأمور تعقيداً. ومع مرور الوقت، سوف يكون الحائط سبباً في الإضرار بالعلاقات مع العديد من الدول وخاصة المكسيك التي تعد أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة في المنطقة. وتحتاج الولايات المتحدة للتعاون مع دول الجنوب من أجل الحد من تدفق المهاجرين غير الشرعيين والتصدي لنشاطات مهربي المخدرات والمتاجرين بالبشر والوصول إلى حلول للعديد من التحديات الأخرى. وكان الأحرى بواشنطن أن تفكر ببناء جسور التعاون مع بلدان أميركا الجنوبية بدلاً من الجدران العازلة. والسبب الثالث الذي يبرر عدم بناء الحائط يتعلق بعدم وجود دلائل يمكنها أن تؤكد فعاليته العملية في أداء المهمة التي سيبنى من أجلها. ومهما بلغ ذلك الحائط من الارتفاع والامتداد الأفقي، فإن علينا أن نتذكر أنه ينتهي بمياه المحيط. وأنا أعرف هذا جيداً لأنني أدميرال في البحرية. وإذا أراد المهاجرون غير الشرعيين الوصول إلى الولايات المتحدة، فيمكنهم ذلك عن طريق الزوارق أو عن طريق حفر الخنادق تحت الحائط ذاته. وسوف تنشط عصابات تهريب البشر والبضائع الممنوعة عبر النقاط الحدودية النظامية. وحول هذه النقطة، قال صحفي خبير: «هناك دائماً حل جاهز لأي مشكلة يعاني منها البشر، وقد يكون هذا الحل مناسباً أو مفضلاً، وقد يكون خاطئاً، وهذه الحالة الأخيرة تنطبق تماماً على الحائط العازل». ودعنا نتحدث الآن عما يجب أن نفعله. فقد سبق لي أن تناولت هذا الموضوع عندما طُلب مني وضع استراتيجية للتعامل مع دول أميركا اللاتينية. وألخص ما توصلت إليه كما يلي: علينا أن نشدد الرقابة على حدودنا الجنوبية باستخدام التكنولوجيات المتطورة (كالكاميرات والمجسات وعربات المراقبة من دون سائق) إلى جانب الجهود الدبلوماسية والمهمات الاستخباراتية وإعادة إحياء اتفاقية «نافتا» بعد مفاوضات مفصلة. ومن المهم أيضاً إقامة أسس للتعاون الوثيق مع البرازيل وكولومبيا ومنظمة الدول الأميركية من أجل التوصل لحلول للأزمة الاقتصادية والسياسية التي تعصف بفنزويلا. وأن نتعاون مع دول المنطقة لمكافحة تهريب المخدرات، وأن نقوي العلاقات العسكرية بيننا من خلال إجراء المناورات الدورية المشتركة والتدريب المشترك، وأن نقوي العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع كوبا التي ستشهد عما قريب دفن آخر حكم ديكتاتوري في المنطقة. ولا شك أن تحقيق هذه الأهداف يحتاج إلى القوى العاملة البشرية والأموال إلا أن ذلك سيكون أهم من الاستثمارات التي وظفناها في دول نائية. ولهذه الأسباب كلها أناشد الرئيس وأقول له: أرجوك يا مستر ترامب لا تبنِ هذا الحائط. *عميد كلية الحقوق في جامعة «تافت» والقائد السابق لقوات حلف «الناتو» ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©