الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فرانسيس الأول... أي تأثير سياسي؟

16 مارس 2013 23:50
أندريه أوبنهايمر كاتب متخصص في الشؤون اللاتينية من الأسئلة المهمة التي تثار بشأن البابا الجديد، فرانسيس الأول، ما إذا كان سيتبنى دور الناشط السياسي، على غرار ما قام به في بلده الأرجنتين، ضد الحكومات اليسارية والشعبوية التي تحكم أميركا اللاتينية. فعلى امتداد السنوات التي أمضاها ككبير لأساقفة بوينس آيرس ورئيس لمؤتمر أساقفة الأرجنتين، كانت علاقة البابا الجديد، والبالغ من العمر 76 عاماً، بحكومة الرئيسة كريستينا فرنانديز كريشنر متوترة، وهو التوتر الذي يرجع أيضاً إلى فترة رئاسة زوجها الراحل، نيستور كريشنر، ما جعل الرئيس الأرجنتيني السابق، يتهم البابا الجديد الذي يحمل اسم خورخي ماريو بورجوليو والذي ينتمي إلى الرهبنة اليسوعية، بأنه «المتحدث الرسمي باسم المعارضة». وبعد انتخابه يوم الأربعاء الماضي كأول بابا للكنيسة الكاثوليكية من خارج أوروبا، وتحديداً من أميركا اللاتينية، يتساءل العديد من المراقبين ما إذا كان سيلعب الدور المؤثر نفسه في أميركا اللاتينية الذي لعبه البابا جون بول الثاني، البولندي الأصل، في أوروبا الشرقية وتصديه للشيوعية خلال عقد الثمانينيات من القرن الماضي. هذا الأمر ينوه له «دانيال ألفاريز»، أستاذ الدراسات الدينية بجامعة فلوريدا، قائلا: «قد يتحول البابا فرانسيس إلى منتقد للحكومات بأميركا اللاتينية مثل فنزويلا والإكوادور وبوليفيا بنفس الطريقة التي كان ينتقد بها البابا جان بول الثاني الشيوعية في أوروبا الشرقية»، مضيفاً: «لا شك أن البابا الجديد يمارس تأثيراً على أميركا اللاتينية من خلال زياراته لها وحديثه الصريح عن أفكاره وآرائه». وبالمثل يرى روزيندو فراجا، المحلل السياسي المعروف في الأرجنتين، أن انتخاب البابا فرانسيس لقيادة الكنيسة الكاثوليكية لن يسر الحكومة الأرجنتينية، ذلك أن عظته قبل أسبوعين حملت نبرة انتقادية واضحة ضد الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في الأرجنتين بالإضافة إلى الفساد المتفشي. وفيما يعتبر أنصار الحكومة الأرجنتينية الشعبوية أن البابا الجديد ينتمي لليمين السياسي، متهمين إياه بعدم الدفاع عن ضحايا الديكتاتورية العسكرية في البلاد بين عامي 1976 و1983، وهي التهمة التي ينفيها مؤيدو البابا، يبقى أن هذا الأخير يسير على خط سياسي معتدل وإن كان محافظاً من الناحية الدينية. وقد أكدت هذا الطرح إليزا كاريو، عضو البرلمان الأرجنتيني المعارضة للحكومة، قائلة: «إن البابا شخص منفتح»، ولا يمكن التعامل معه كمحافظ، فالبابا كان قبل توليه منصبه يستخدم المواصلات العامة كأي شخص عادي في تنقلاته بالعاصمة، كما أبدى تعاطفاً كبيراً مع ضحايا مرض الإيدز، مشيرة إلى أنه من معتنقي الرهبنة اليسوعية وينتمي إلى الفرانسيكان الذين يعلون من قيمة التواضع والاقتراب من الفقراء؛ أما من الناحية السياسية فإن البابا فرانسيس الأول يسير على نهج سلفه المستقيل في انتقاد مظاهر انعدام المساواة والفوارق الاجتماعية الصارخة، وفي استيائه من الرأسمالية المتوحشة التي تخلق تلك الفوارق. إلا أن البابا، ومن جهة أخرى لا يخفي معارضته للزواج المثلي، والإجهاض، وتوزيع وسائل منع الحمل، أو التحريض على الحقد والكراهية، ففي عام 2010 قاد بورجوليو حملة ضد مشروع قانون اقترحته الحكومة الأرجنتينية يرخص للزواج المثلي، حيث قال معارضاً: «إنها محاولة لتدمير فطرة الله التي زرعها في الناس»، لكن مع ذلك أقر البرلمان الأرجنتيني مشروع القانون ليتحول إلى تشريع نافذ. ومؤخراً كان قد تحدث عن حالة الاستقطاب السياسي الذي تعيشه البلاد والذي يعزوه المعارضون إلى خطابات الرئيسة النارية التي تشبه إلى حد ما خطابات تشافيز الراحل. كما تحدث البابا الجديد مؤخراً عن «الهجرة التي يتجرعها الشباب لانعدام المستقبل»، وهو ما فُهم على أنه انتقاد مقنع للظروف الاقتصادية والسياسية في الأرجنتين، تلك الظروف التي تقول الرئيسة فرنانديز بأنها أفضل حالياً من نظيرتها في البلدان الصناعية. فهل سيحمل البابا فرنسيس هذه الرسائل معه إلى أميركا اللاتينية عندما يقوم بجولته بين دولها، كما فعل البابا جان بول الثاني في أوروبا الشرقية؟ شخصياً لا أعتقد أن البابا فرانسيس يملك التأثير نفسه في أميركا اللاتينية الذي كان لدى جان بول الثاني في أوروبا الشرقية، لسبب بسيط أنه يتولى رئاسة الكنيسة الكاثوليكية في سن متأخرة، فعن عمر يناهز 78 عاماً قد لا يكون للبابا فرنسيس الطاقة للتصدي لمشاكل أميركا اللاتينية، هذا فضلا عما ينتظره من عمل أكثر استعجالا في حضن الكنيسة نفسها، فيما كان سن البابا جون بول الثاني عندما تولى منصبه لا تتجاوز 58 عاماً. لكن حتى لو ظل بعيداً عن دور الناشط السياسي الذي يعتقده البعض، يكفي للبابا الجديد زيارته لدول أميركا اللاتينية وتركيزه على خطابه السابق المنتقد لحالة الاستقطاب السياسي التي تمزق المجتمعات وكشفه للخطاب الشعبوي لبعض حكومات المنطقة التي ساهمت في خلق أجواء الاحتقان السياسي، بل وفضح محاولات الحكومات ورؤسائها تصوير أنفسهم للجماهير على أنهم المخلصون القادرون على إنقاذ الوطن من مشاكله فيما هم في الحقيقة يسعون إلى البقاء في السلطة، فلو اكتفى بمجرد هذا الأمر سيكون البابا الجديد قد خطى خطوة عظيمة إلى الأمام. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©