الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أُمَّة ما أشقاها.. بكثرة حمقاها!

20 يناير 2016 00:17
هل تذكرون المرأة التي نقضت غزلها، والتي ضُرب بها المثل في القرآن الكريم؟ يقال إن اسمها «ريطة»، ويقال غير ذلك، لكن المرأة كانت طوال اليوم والليل تغزل وتنقض غزلها، أو تحكم الغزل إحكاماً شديداً ورائعاً ثم تنقضه، وقد ضرب بها المثل في الحماقة التي أعيت من يداويها، وروي أن الخليفة العباسي هارون الرشيد قال لابنه عبدالله المأمون يوماً: ما هكذا يكون الرأي أيها الأحمق، فحزن المأمون حزناً شديداً حتى بكى وتغيب أياماً عن مجلس أبيه الرشيد، فافتقده واستدعاه، وقال له: أنا أبوك ولا ينبغي أن يغضبك لومي أو تقريعي إياك، فقال المأمون: أنت أمير المؤمنين، وأنت أبي، ولا والله لا يغضبني لومك إياي. وإنما حزنت لأنّك قلت: أيها الأحمق.. فقال الرشيد: وماذا في ذلك؟ فقال المأمون: ليس للأحمق دواء والحماقة أعيت من يداويها. فقال الرشيد: وما كان ينبغي أن أقول؟ قال المأمون: تقول: أيها الأرعن.. فالرعونة طارئ على المرء وتعني التسرع.. ومع الوقت والتعلم تزول.. أما الحماقة، فأصل في الطبع والأخلاق، وهي لا تزول أبداً، فقال الرشيد: صدقت، صدقت، وإنك لمبرأ من الاثنتين. ويقال إن الأحمق من يحكم غزله لينقضه، والعاقل من ينقض الغزل ليحكمه. الأحمق من يكون غزله محكماً، لكنه ينقضه، والعاقل من لا يكون غزله محكماً فينقضه ليحكمه، فالنقض عند الأحمق غاية والإحكام وسيلة. والإحكام عند العاقل غاية والنقض وسيلة. البناء عند العاقل غاية، والهدم وسيلة، والهدم عند الأحمق غاية، والبناء وسيلة، أي أن العاقل يهدم ليبني والأحمق يبني ليهدم. وما عليك إلا أن تتأمَّل المشهد العربي ملياً لتتأكد أن الحمقى هم سادة ونجوم هذا المشهد، فهم في أمتنا أكثر من «الهم على القلب»، وسفينة الأمّة يقودها حمقى إلى المجهول. وكل أحمق يخرق الجزء الذي يجلس عليه في السفينة، ويقول: إن خرق الجزء الذي يمتلكه من حقوق الإنسان، وإن الأخذ على يديه إهدار لحقوق الإنسان وقمع للحريات. والخارقون للسفينة كثر وخرجوا عن السيطرة، وصاروا أقوى من ملاحي السفينة وربابنتها. لأنهم مدعومون من قوى إقليمية ودولية التقت إراداتها على هدم الدول الوطنية في هذه الأمة لتحل محلها الميليشيات الخارقة للسفينة، أو ميليشيات الحمقى الذين لديهم كل صفات ومظاهر الحماقة، فالأحمق يُريد أن يحسن فيسيء، ويريد أن يتدين فيكفر، ويريد أن يقول خيراً فينطق ويفعل شراً. والأحمق هو جليس السوء وكاتب السوء وقارئ السوء ونجم السوء، وهو إما أن يحرق ثيابك وعقلك وقلبك وأعصابك، وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة. والحمقى يسهل استخدامهم ضد أنفسهم، وضد أوطانهم، وضد أسرهم، وضد أمتهم لأن الأحمق تأخذه العزة بالإثم، واستخدام الحمقى سهل في الشر، لكنه مستحيل في الخير، وهذا بالضبط ما يجري في أمتنا، وأنا أصدق تصريحات قائد الحرس الثوري الإيراني بأن لدى طهران مئتي ألف مقاتل على امتداد أمتنا.. وليس غريباً أبداً أن يكون في هذه الأمة مئتا ألف أحمق، بل أزعم أن العدد المذكور قليل جداً.. فهناك ملايين الحمقى في هذه الأمة يقاتلون مع إيران بألسنتهم، وأقلامهم، ومواقعهم.. لأن إيران التقت إرادتها مع قوى إقليمية ودولية أخرى على هدم الدول الوطنية في الأمة لتحل محلها الميليشيات الموالية للفرس أو الروم في إعادة إنتاج مقيتة لمملكتي المناذرة التابعة للفرس، والغساسنة التابعة للروم. وفي إعادة إنتاج لملوك وميليشيات الطوائف التي أسقطت الأندلس.. حين استعانت كل مملكة أو كل ميليشيا بالفرنجة ضد بعضها، فكان السقوط وكانت النهاية، إنها لعبة تفرق الرعاة الذي يعلم هارب الذئاب التجري. إيران لا تريد أبداً تصدير الثورة إلى المنطقة، ولكنها تريد تصدير ثقافة الميليشيات، وحكم الميليشيات، ومنهج الميليشيات الذي تتبناه أو قل بمعنى أدق منهج العصابة الذي تنتهجه. العصابة التي لها أفرع وأذرع في المنطقة. ولا يهم مذهب، أو دين، أو ملّة، أو مبدأ من ينتمي إلى العصابة. المهم أن يكون أحمق، وغبياً، ومجرماً، وحيواناً سائباً، وقاتلاً بأجر، ويأتمر بأمر رئيس وزعيم العصابة في إيران. والأمر واضح لكل ذي عينين ولمن لديه عُشر وعي، ولا أقول نصف وعي، لكنه غير واضح للعرب أبداً. والحكاية الميليشاوية، والطائفية، والقبلية، والعشائرية تكررت وما زالت تتكرر بنفس السيناريو منذ الجاهلية، نحن أعداء بعضنا لصالح الآخر وأصدقاء بعضنا إذا أراد الآخر.. الآخر يجمعنا والآخر يفرقنا.. وليس عند العرب فعل، ولكن عندهم رد فعل، وليس لدى العرب صوت ولكنه صدى. والعرب يتفرقون ويختلفون ويتناحرون بمنتهى الإخلاص والهمّة والنشاط، ولكنهم يجتمعون ويأتلفون ويتصالحون بلا اقتناع ولا رغبة.. هم مخيرون في الاختلاف والتناحر ومسيرون مجبرون في الائتلاف والتصالح، فالهدنة العربية على دخن أو على دغل (والدخن هو النار تحت الرماد، والدغل هو الحقد والضغينة) - وجماعة العرب واجتماعهم على أقذاء، أي أن العربي قذى وأذى وذرات تراب في عين العربي الآخر - لكنه يغمض عينيه مجبراً على هذا القذى، حتى ينطلق في العراك والتناحر من جديد، والسيناريو يتكرر منذ الجاهلية مروراً بالفتنة الكبرى وملوك الطوائف ووصولاً إلى اجتماع إرادة القوى الإقليمية والدولية على تفكيك الدول الوطنية لتحل محلها الميليشيات، ولكن العرب لا يتعلمون. ربما لأن الحمقى دائماً هم سادة المشهد ونجوم الساحة، وهم يتوالدون ويتناسلون ويتكاثرون منذ حرب البسوس، وداحس، والغبراء، والمناذرة، والغساسنة الذين أفتوا بعضهم لصالح الفرس والروم، فيا لهذه الأمة، ما أشقاها بكثرة حمقاها! *كاتب صحفي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©