السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الرؤوس النووية... هل تعزز نفوذ أميركا؟

الرؤوس النووية... هل تعزز نفوذ أميركا؟
18 أغسطس 2009 23:28
أحيى نشطاء السلام عبر العالم، الأسبوع الماضي، ذكرى إلقاء القنبلتين النوويتين على هيروشيما وناجازاكي اليابانيتين، ودعوا إلى التخلص من الأسلحة النووية تلافياً لتكرار الدمار الذي لحق بهاتين المدينتين مرة أخرى. وتعد دعوتهم للسلام عبر نزع السلاح تقليدياً نداءً موحداً وحاشداً لليسار. وبالمقابل، يؤمن المحافظون بأن «السلام يتأتى عبر القوة»، وهو مفهوم قديم جُدد خلال الحرب الباردة من قبل رونالد ريجان. وهذا هو ما يفسر لماذا قوبلت دعوة الرئيس أوباما إلى عالمٍ خالٍ من الأسلحة النووية في أبريل الماضي بالاستهجان وعدم التصديق، حيث وصف نيوت جينجريتش الخطاب الذي دعا فيه الرئيس إلى نزع الأسلحة النووية بـ«الفانتازيا». وبينما يتحرك الرئيس لتقليص الترسانة النووية الأميركية مع روسيا وتطبيق تدابير جديدة لمراقبة التسلح، فإن الهدف المفترض لنزع التسلح بات هدفاً واضحاً لـ«الصقور» الذين يأملون إضعاف أجندة الرئيس. غير أنه إذا كان القضاء على الأسلحة النووية نوعاً من الفنتازيا، فإنها فنتازيا ينبغي أن تثير اهتمام «صقور» البلد وحمائمها على حد سواء. فتقليدياً، كانت القوة العسكرية تقاس على نحو نسبي، وليس مطلقاً، بمعنى أن أمنك لم يكن رهيناً بكم من السلاح لديك، وإنما بكم من السلاح لديك أكثر مما لدى عدوك. غير أن قدوم السلاح النووي أبطل هذا النوع من الحسابات. وإبان الحرب الباردة، كان باستطاعة المرء أن يجادل بأن السلاح النووي يساعد الولايات المتحدة؛ لأن قوات حلف «وارسو» كانت تفوق قوات حلف «الناتو» أما اليوم، وبعد أن بات شبح البرامج النووية للدول المارقة يطل برأسه، فالأرجح أننا نحن الذين سنُردع. فهل كنا مثلاً سنقدِم على «عملية عاصفة الصحراء» (ناهيك عن «عملية الحرية العراقية») لو أن صدام حسين كان قادراً على ضرب نيويورك أو واشنطن بسلاح نووي؟ الأرجح لا؛ لأن جيشنا، الذي تناهز ميزانيته نصف تريليون دولار في السنة، يمكن أن يفقد فعاليته وقوته أمام أي دكتاتور يمتلك قنابل ذرية. وتلك في الواقع مضيعة كبيرة للتفوق التقليدي الهائل الذي تمتلكه الولايات المتحدة؛ ذلك أن أسطولنا من المقنبلات المتطورة والمقاتلات التي لا يمكن رصدها بالرادار يستطيع أن يبسط هيمنته الجوية في كل السيناريوهات تقريباً، مما يسمح لنا بالقضاء على المنشآت العسكرية للعدو متى شئنا. أما بحراً، فإن أسطولنا أكبر من أساطيل القوات البحرية للبلدان السبعة عشر التالية مجتمعةً، ويشمل 11 مجموعة من السفن الحربية التي تقود كل واحدة منها حاملة طائرات، وتستطيع استعراض قوتها حول العالم. وعلاوة على ذلك، فإن إنفاق الولايات المتحدة على الدفاع عموماً يعد أقل من نصف نظيره العالمي بقليل، وأكثر من الدول الـ45 التالية مجتمعةً، إذ يمثل ضعف ما تنفقه الصين في هذا المجال بست مرات، وروسيا بعشر مرات، وإيران بـ100 مرة تقريباً. ولكن رغم وجود بؤر نزاع محتملة مع دول مثل روسيا (حول جورجيا) أو الصين (حول تايوان)، فإنه سيكون من الجنون الانخراط في حرب مع أي منهما بسبب خطر التصعيد إلى حرب نووية. وبالطبع، فإن التخلص من الأسلحة النووية لن يجعل الصراع مع هاتين الدولتين فكرة جيدة، ولكنه سيزيد ويعزز بشكل دراماتيكي حرية التحرك والمناورة بالنسبة لأميركا خلال أزمة من الأزمات، وهذا ما ينبغي أن يجعل «الصقور»، الذين لديهم إيمان قوي بفعالية القوة العسكرية الأميركية، سعداء جداً؛ فإذا كان ثمة أحد ينبغي أن يعارض نزع السلاح النووي، فهم خصومنا المفترضون. إن «المحافظين» الأميركيين يتشبثون بترسانتنا النووية كما لو كانت تمنحنا تفوقاً كبيراً على البلدان الأجنبية، والحال أنه حين أثبتت قوتنا التقليدية عدم كفايتها، فإن الرؤوس النووية لم تعزز نفوذنا في الخارج. فخلال الأعوام الأولى من الحرب الباردة مثلًا عندما كنا نحتكر السلاح النووي، نكث الاتحاد السوفييتي الوعود التي قطعها على نفسه في «يالطا»، وعزز سيطرته على أوروبا الشرقية. وفي 1949 ورغم مساعدتنا لـ«كومينتانج»، إلا أن الشيوعيين الصينيين سيطروا على البلاد وأعلنوا «الجمهورية الشعبية»، ثم عبروا في العام التالي نهر «يالو»، واندلعت الحرب الكورية رغم أنه كان باستطاعة سلاحنا النووي أن يمحو مدنهم بسهولة مثل هيروشيما وناجازاكي. وبعد بضع سنوات على ذلك، لم تُجدِ القنبلة نفعاً في تجنيب أو تقصير أو حسم حرب فيتنام. كما أن الرؤوس النووية لم تقدم لنا بالطبع أي مساعدة في إرساء الاستقرار في العراق أو أفغانستان، بل إنها باتت اليوم تهددنا أكثر مما تحمينا؛ لأن الإرهاب النووي هو أكبر تهديد يواجهنا، وترسانتنا النووية لا تستطيع حمايتنا من هجوم من هذا النوع. إننا بالطبع بعيدون عن التخلص من الأسلحة النووية، غير أن كل سلاح إضافي، إضافة إلى العدد الصغير من الأسلحة الذي تستطيع كل دولة أن تعلل وجوده باعتباره وسيلة ردع ذات صدقية، لا يمثل سوى خطر أكبر – مثل السرقة أو الحوادث أو الاستعمال غير المرخص، وهو ما يجعل جهود الرئيس أوباما لتقليص الترسانتين الأميركية والروسية، وحظر التجارب النووية، وتجنب إنتاجٍ أكبر للمواد الانشطارية، قيّمة ومفيدة. فشأن هذه التدابير جميعها أن تساهم في حماية الولايات المتحدة، أما في حال قرّبتنا من نزع السلاح النووي، فإن ذلك سيكون مدعاة للاحتفال من قبل الصقور والحمائم على حد سواء. دجي. بيتر سكوبليك رئيس التحرير التنفيذي لمجلة «نيو ريبابلك» الأميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©