الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مصر... وخطر الانفلات الأمني

مصر... وخطر الانفلات الأمني
17 مارس 2012
حتى بعد انتصاف الليل تبقى القاهرة مدينة تضج بالحياة، فالأطباء مثلاً ينظمون مواعيد مع المرضى بعد العاشرة ليلاً، فيما أوقات العشاء مع الأصدقاء وأفراد العائلة قد تصل إلى ساعات متأخرة. ورغم تقدم الليل واقترابه من خيوط الصباح الأولى تظل الشوارع في بعض المناطق غاصة بالسيارات. لكن في بلد يمر بمرحلة انتقالية صعبة وغير مستقرة تنطوي الشوارع المظلمة على مخاطر جمة لا تختلف كثيراً عن أخطر الشوارع في المدن الأميركية المعروفة بالجريمة، فسائقو التاكسي يتخوفون من سرقات السيارات التي انتشرت على نطاق واسع خلال الفترة الأخيرة وجعلتهم أكثر حرصاً على عدم ارتياد مناطق تصنف على أنها سوداء، فيما تخشى الأسر الميسورة من اختطاف أبنائها طلباً للفدية. وعلى مدى السنة الأخيرة التي أعقبت الثورة والإطاحة بالنظام شهدت مصر، وبالأخص القاهرة، ارتفاعاً ملحوظاً في نسبة الجريمة سواء تعلق الأمر بعمليات السطو المسلح على البنوك والمصارف، أو حوادث إطلاق النار في طوابير الخبز، فضلاً عن تعرض مرشح محتمل في الانتخابات الرئاسية إلى السرقة والاعتداء في طريق صحراوي بعدما اعترضت سبيله مجموعة من اللصوص. والنتيجة أن عدداً متزايداً من المصريين يفضلون البقاء في منازلهم وعدم المغامرة بالخروج ليلاً، كما أن البعض في المدينة العملاقة ذات الأحد عشر مليون نسمة بات يتوق لأيام لم تكن فيها جرائم الشوارع معروفة حتى لو كان ذلك يرجعهم إلى الدولة البوليسية إبان حكم مبارك. لذا تصر سعاد محمد ذات 49 سنة على إقفال باب بيتها مرتين في ضاحية المقطم الهادئة بالقاهرة قبل الذهاب إلى النوم، وهي تحرص أيضاً على ركوب المواصلات العامة وعدم الخروج أبداً بعد حلول الظلام، هذا الحرص الشديد يرجع إلى تجربة سيئة عاشتها في الشهر الماضي عندما استقلت سيارة أجرة مع ابنها البالغ من العمر 12 سنة مباشرة بعد صلاة المغرب. ومع أن الأمر بسيط وقامت به مرات عديدة، إلا أنه هذه المرة ستتغير حياتها، فسائق التاكسي الذي كان يحمل ندبة على وجهه أخبرها بأنه سيسلك طريقاً مختلفاً أقل ازدحاماً، فأخذها مع ابنها عبر أزقة وطرق مختلفة لم تعتد عليها وظل يلف بها الشوارع لأكثر من ساعتين، وبعدما انتابها الذعر أوقف السيارة، وعندما سألت عما إذا كانت السيارة قد أصابها عطل أخرج السائق سكيناً كبيراً من جانب المقعد وصرخ في وجهها أن تعطيه ما لديها من مال وذهب، واضعاً السكين على عنق ابنها الذي كان يجلس في المقعد الأمامي، وبالطبع ما كان منها سوى تسليمه مبلغ 1200 جنيه وخاتم الزواج، بالإضافة إلى خاتم ذهبي آخر وأربع أساور من الذهب، وبعدما أفرغت جيوبها تماماً من الأغراض أمرها بالترجل عن السيارة وعدم الصراخ وإلا واجهت العواقب، ثم دفع بابنها خارجاً وغادر بأقصى سرعة لتظل هي وابنها في الطريق الصحراوي المقفر بالقرب من سجن طرة. ومع أن الإحصاءات الدقيقة حول نسبة الجريمة في مصر بعد الثورة غير متوافرة ورجال الأمن يمتنعون عن الإدلاء بشهادات للصحفيين، فإن القصص الكثيرة التي يرويها المصريون كفيلة بزرع الخوف في النفوس، ومن الذين اهتموا بالجريمة في القاهرة بعد الثورة الصحفي "هوج نيكول" الذي يعمل في صحيفة "إيجبشيان جازيت" الناطقة بالإنجليزية، حيث دأب على كتابة عمود يرصد الظاهرة منذ عام 2005، وقد لاحظ أن نسبة الجريمة في ارتفاع منذ الثورة، لا سيما جرائم الاختطاف وسرقة السيارات. أما السلطات فهي تحمل مسؤولية الارتفاع في عدد الجرائم التي تشهدها البلاد إلى تدفق الأسلحة على مصر من الحدود الشاسعة مع ليبيا، بالإضافة إلى خروج السجناء من محابسهم بعد الثورة واختفاء رجال الشرطة من الشوارع، لكن منتقدي الحكومة يتساءلون لماذا لم ترجع الشرطة التي كانت من أدوات القمع في أيدي النظام السابق للقيام بدورها الوطني المتمثل في حماية المواطنين والسهر على الأمن؟ وفي هذا السياق تقول فادية أبو شهبة، الباحثة في علم الجريمة بالمركز الوطني للدراسة الاجتماعية والجنائية "الأمر تجاوز التسيب القانوني إلى غياب تام للأمن"، مضيفة أنه "رغم الغضب الذي يشعر به الناس إزاء الشرطة لدورها في النظام السابق، إلا أنهم في النهاية أبناؤنا ونحن نحتاج إليهم لحفظ الأمن". ومن خلال بحثها في العمليات الإجرامية لاحظت الباحثة أن المجرمين الذين كانوا في السابق يستخدمون أسلحة خفيفة مثل السكاكين الصغيرة والعصي باتوا اليوم يلوحون بالرشاشات والبنادق، وقالت إنه في سنة 2011 بلغ عدد سرقات السيارات 40 ألف عملية في مصر مقارنة بحوالي أربعة آلاف حالة سجلت في 2010، وتُحمل الباحثة جزءاً من المسؤولية على الثورة المضادة التي تسعى إلى التشهير بالثوار ودفع الناس إلى تمني رجوع النظام القمعي الذي كان يضمن الأمن. وفي حي الزمالك الراقي حيث مقار السفارات ومنازل الدبلوماسيين لا تنام هناء أحمد هاشم إلا والمسدس تحت وسادتها، فقبل أسبوعين تعلمت إطلاق النار مع مجموعة من الضحايا السابقين للجريمة، والسبب هو ما تعرضت له في منزلها عندما احتالت عليها عصابة لتدخل شقتها وتقوم بتقييدها مع والدتها المشلولة وزوجها وسرقة الذهب وكل المتعلقات الثمينة قبل أن يغادروا، واليوم لا تفتح هناء الباب أبداً للغرباء وتحرص على إقفال الباب جيداً، كما أنها لا تغادر البيت بعد الساعة الخامسة مساء، وفي تعليقها عن الحادث تقول هناء "لقد أصبحت السرقة عادية والاغتصاب عادياً، ولا وجود للأمن، ونحن نريد عودة الشرطة إلى الشوارع، وبصراحة كان النظام السابق يسرقنا وينهب البلد والشعب، إلا أننا لم نكن نرى مثل هذه الجرائم". ليلى فاضل - القاهرة ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©