الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الغرب: عقدة الخوف من الغير

17 مارس 2012
لقد أصبح التخويف من شبح الإرهاب بمثابة المبرر الرئيسي لتقييد الحريات في بعض الدول الغربية، بل إن هذا المفهوم بات يستخدم أحياناً لتبرير إجراءات أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها مشينة وغير مبررة. ومن الواضح جداً أن بعض الدول أصبحت تعمل على خلق الاعتقاد لدى الناس بأن هناك من يريد قتلهم، وإذا لم يسلموها حريتهم فسيصبحون في خبر كان، هذا مع العلم أن احتمالات الموت جراء حادث عادي أكبر بآلاف المرات من احتمال الموت جراء عمل إرهابي، ومع ذلك فكثيرون يستجيبون لهذه الدعوة بكل سعادة واطمئنان. وكانت سياسة التخويف تلك محل انتقادات واسعة من طرف عديد من المفكرين ودعاة الحرية، حيث صرح روجر كوهين لجريدة "نيويورك تايمز" بأن هناك متاجرة واضحة بمشاعر القلق الإنساني من أجل تحقيق أهداف معينة، كما قال "كلين كرينوالد" إن الحكومة بمجرد ما تصرخ أن هناك إرهاباً مرتقباً ترتفع نسبة الخوف ويصبح كل ما تقوم به مبرراً وشرعيّاً! ومن المعروف أن أية عملية تهديد لأمن الناس من شأنها خلق حالة خوف وهلع بين صفوفهم، وهو ما يجعل مسألة إقناعهم بالتنازل عن حرياتهم المدنية أمراً سهلاً، وقد تم استخدام هذه السياسة في العقد الماضي بسبب الخوف من العمليات الإرهابية، وهو ما حول بريطانيا مثلاً إلى مجتمع رقابي، ودفع بالولايات المتحدة إلى زج أكثر من 3 في المئة من سكانها في السجون أو جعلهم تحت المراقبة، أما في كندا فيتم إنفاق مليارات الدولارات على السجون من أجل استيعاب المجرمين. لقد خلقت سياسة التخويف من الإرهاب حالة نفور وقلق من الأجنبي، وللأسف أن هناك دائماً سماسرة يسعدهم استغلال رهاب الأجانب، والنتيجة هي إجراءات تمييزية، كالجدار الفاصل على طول الحدود الجنوبية للولايات المتحدة، وأيضاً تقديم "رشوة" لبعض دول شمال أفريقيا من أجل محاربة الهجرة غير القانونية. ولكن لنلق نظرة أكثر تمعناً على مسألة رهاب الأجانب بالذات… ألا ينتقد بعض المحافظين الهجرة المفتوحة لأنها تأتي بأناس يحملون أسماءً غريبة ويحتلون الوظائف ويهددون سلامة المواطنين الغربيين؟ الواقع أنهم يقومون بذلك ولكن في نفس الوقت هناك إجحاف كبير ضد الأجانب أحياناً كثيرة يكون لأسباب تجارية أنانية، وقد اعتبر العديد من الكنديين أن بيع مؤسسة "بوتاش" لمجموعة من الأستراليين يحمل في طياته خططاً شريرة اتجاه سيادة البلاد ويعني حرمان الكنديين من الوظائف، كما أن نائب رئيس جمعية بائعي الكتب الكندية بعد أن سمحت الحكومة الكندية لشركة أمازون (وهي شركة تبيع كل منتجاتها عن طريق الإنترنت) بأن تفتح مركز توزيع كنديّاً حذر من ذلك قائلاً: "تأتي الشركات التي يملكها أغنياء أجانب إلى كندا وتعيث فساداً بواقع ثقافتنا… إن هذا الأمر لا يؤدي إلى تحقيق التكامل داخل المجتمع بل يؤدي إلى تدمير كل المنافسين"! كما أن ممثلي ائتلاف فناني السينما والتلفزيون والراديو الكنديين صرحوا للجنة الدائمة في مجلس العموم بأن "إعطاء الملكية لوسائل الإعلام الأجنبية هو أمر مأساوي وسيؤدي إلى فقدان أصواتنا، وذلك لأن الإذاعات الكندية مهمة وتخدم ديمقراطيتنا وهوياتنا الثقافية الفريدة، ونحن لا نستطيع أن نسمح لها بأن تقع في أيدي الأجانب... فهؤلاء يريدون أن يستنزفوا اقتصادنا ويمسحوا ثقافتنا… وبالمناسبة فهم يريدون أيضاً تدمير ديمقراطيتنا، والحكومة هي من يملك الحل لهذه المعضلة"! وهناك جانب آخر قد يشجعه من يؤيد صلاحيات الحكومة الواسعة وهو السياسة السيئة على المستوى البيئي حيث يسمح القلق اتجاه كوكبنا من قبيل تلوث الهواء والماء وانقراض بعض الأجناس والتغيرات المناخية، بأن يعطي صلاحيات واسعة للحكومة لتمرير القوانين التي تريد، وإلا سنصبح من جديد في خبر كان. ولا تقف بعض الحكومات عند هذا الحد بل إنها تلجأ أيضاً إلى أسلوب اللعب على مشاعر الناس، وإذا تمعنا في خطاب رئيس الحزب الديمقراطي الجديد في كندا "جاكسون لايتون"، نجده يحذر من أن البلاد معرضة للتراجع إلى عصور بدائية، أي العصر الذي كان فيه الناس يعتمدون فقط على أنفسهم ولا يستطيعون دفع تكاليف العناية الصحية. وقد حصل حزب "ألبيرتا الحر" على وثائق سرية مفادها أنه ستتم خصخصة الرعاية الصحية ومعنى هذا نهاية التزام الدولة في هذا المجال بمنطقة "ألبيرتا" وربما بكندا كلها مستقبلاً، وهو ما يعني ضمنيّاً أيضاً أنه إما أن ندعم الحكومة بالضرائب ونسمح لها بالسيطرة على كل شيء في الفضاء العام أو سيموت الفقراء في الشوارع بينما الأغنياء يعينون فرقاً كاملة من الأطباء لخدمتهم. لكن الواقع أن هناك العديد من الأمثلة التي توضح كيف أن الحكومات الغربية لا يمكنها حماية المواطنين حماية كاملة (حوادث العمل، الغذاء غير الآمن، الألعاب غير الآمنة، التدخين، الحوادث بأحواض السباحة، غبار المناشير، دليل السياحة البليد، الأسعار الباهظة... الخ)! وغير ذلك من الحوادث التي من شأنها أن تقود الإنسان إلى الموت المحتوم دون أن تتمكن الحكومات من حمايته مع أنها تتظاهر بذلك، وتأخذ مقابل ذلك من حريات الناس المدنية، ولذلك فالأفضل هنا تذكر ثلاثة أمور: 1 ـ أن الأمور السيئة تحصل على كل حال على رغم جهود الحكومات. 2 ـ أن الحكومات لا تملك عصا سحرية يمكن أن تدفع بها هذه الأمور السيئة. 3 ـ أن الحقوق المدنية باهظة الثمن ولا ينبغي التنازل عنها إلا لضرورة قصوى. ولا يمكن أن ننكر طبعاً أن هناك بعض المخاطر المخيفة فعلاً ولكن يمكننا أن نوفق بين حرياتنا وبين ما يمكن أن يقع من مخاطر تتكلف الحكومات بحمايتنا منها. آدم أوبا - كاتب كندي ينشر بترتيب مع مشروع «منبر الحرية»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©