الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الدروس الخصوصية والتوتر «كوابيس» سنوية مزمنة

الدروس الخصوصية والتوتر «كوابيس» سنوية مزمنة
9 مايو 2010 21:07
لم يتبق إلا أيام معدودة ويتجه أبناؤنا الطلبة والطالبات إلى قاعات الامتحانات لتأدية اختبارات نهاية العام الدراسي، وكل منهم يحمل آماله وأحلامه في النجاح والتفوق وتحقيق أمان وأهداف عديدة تحدد معالم المستقبل، وتختلف من طالب لآخر، حيث يتحدد مصير العديد من الطلاب في النجاح والانتقال إلى المرحلة التالية من عدمه. وما من شك أن الامتحانات ماهي إلا وسيلة لقياس المستوى التحصيلي الدراسي للطالب بعد عام دراسي كامل حافل بالجهد والمثابرة والتعب والسهر، وما يترافق وهذا الجهد من توتر وقلق ومخاوف ليس للطالب فحسب، وإنما لجميع أفراد الأسرة، فمع اقتراب موعد الامتحانات تتحول الأسرة الى خلية نشطة يتم فيها إعلان حالة الطوارئ في كافة الأرجاء، ويعاد النظر في برامجها والتزاماتها وخططها، بغية تهيئة الطالب للدخول في”معمعة” الامتحانات، وتوفير المناخ الأسري الصحي المناسب قدر الإمكان. إذا كان الطالب أو الطالبة هو المعنِي بالامتحانات بالدرجة الأولى، إلا أن واقع الحال يؤكد أن تحقيق الطالب للغايات والأهداف المرجوة بدءاً من النجاح والتفوق إلى أن ينهي مسيرته التعليمية، مقرون بتضافر واتساق وتناغم أضلاع العملية التعليمية الأربعة وهي: الطالب نفسه، والهيئة التعليمية المتمثلة في المدرسة، والمنهج الدراسي، ثم الأسرة. العام الدراسي يشرف على الانتهاء، وما من شك أن لكل طالب برنامجه وأسلوبه وطريقته الخاصة في الاستعداد للامتحانات النهائية، ومن الطبيعي أن تتفاوت القدرات علي صعيد الاستيعاب والتحصيل الدراسي، وكيفية المراجعة النهائية، ومعهما تختلف الحالة النفسية، واللياقة الذهنية، وقدرة وكيفية الطالب على استرجاع ما تدارسه من جانب، وكيفية تعامله مع المؤثرات والانفعالات النفسية المرتبطة بالامتحانات مثل إرادة النجاح، وتحديد الأهداف، والثقة بالنفس، والقلق والخوف والتوتر، من جانب، وكيفية التعامل مع الضغوط النفسية والاجتماعية والمؤثرات الخارجية من جانب آخر. فإذا كان الطالب يمثل محور العملية التعليمية وهدفها الأول، فإن المدرسة باعتبارها الهيئة التعليمية المعنية بتنفيذ تعليم وتدريس المنهاج المدرسي للطالب، فإن دور المعلم يعتبر دورا أساسيا في إيصال مفردات المنهج إلى الطالب، والتأكد من استيعابه له، ومن تهيئة الطالب نفسياً ودراسياً قبل الامتحانات من خلال عملية المراجعة الشاملة للمقرر، وتلخيص ما سبق دراسته خلال الفصل الكامل مع التركيز على الدروس الصعبة التي يرى المعلم انها قد تقف عائقا أمام الطلاب، وكذلك توضيح صيغ وأساليب الامتحانات ليصبح عند الطالب معرفة تامة بما سيلقاه أو يتوقعه، كذلك ضرورة تشجيع الطلاب على التنافس الشريف لحصد أعلى الدرجات بما يؤهلهم للانتقال للصفوف التالية، وتكريس ثقته بنفسه وقدرته على النجاح والتفوق. هذا بالإضافة إلى التركيز التام على الطلاب الضعاف أو الذين هم في حاجة إلى تحسين مستواهم ومساعدتهم في تخطي الصعوبات التي قد يواجهونها في بعض المقررات الدراسية، والتنسيق مع الاسرة في معالجة الوضع الدراسي لهؤلاء الطلاب بهدف مساعدتهم تلافيا لرسوبهم في الامتحانات. صومن الطبيعي أننا نشهد تضارب وتفاوت في المشاكل التي تواجه الآباء والأمهات في مثل هذا الظرف، وفي طرق التعامل مع هذه المشاكل، ويتساءل البعض: ما هو مطلوب منا كآباء وأمهات أن نفعله حتى ينجح أبناؤنا في مراحلهم الدراسية المختلفة؟، أو”كيف نضمن للأبناء التفوق؟، أو كيف نجعل الابن في حالة ممتازة للتعامل مع الامتحانات؟ وكيف نهيئ له الجو الصحي المناسب؟ كيف ننفذ المطلوب؟ ولماذا تقلق الأسرة من الامتحانات؟ وما هي أبرز المشكلات التي تواجه الأسرة في موسم الامتحانات؟ يقول يوسف الخنجري “مدير حسابات بمجلس أبوظبي للتعليم”: “أنا لديَّ أربع بنات في مراحل التعليم المختلفة، وبلاشك فإن مطالبهن تتزايد وتتضاعف مع موسم الامتحانات، فإذا كنت أتابعهن بانتظام رغم مشاغلي منذ اليوم الأول في الدراسة، فإن مع حلول الامتحانات فالأمر يختلف، فهن في حاجة إلى تنظيم الوقت، وتهيئة البيت لمراجعتهن الدراسية، وهذا عبء إضافي على الأم رغم أنها تعمل، وبطبيعة الحال لا تليفزيون ولا ألعاب تسلية ولا خروج للنزهة أو الفسحة كما هو الحال في الظروف العادية، هذا بالاضافة إلى انخراطهن في جدول دروس التقوية بالمدرسة، والأمر يحتاج متابعة مستمرة للوقوف على استعدادهن، وبالطبع أتحدث إليهن باستمرار وأشجعهن على التركيز والتحصيل وإنهاء المراجعة الشاملة للمقررات بأسلوب هادئ ومحفز يتناسب مع أعمارهن، فضلاً عن إبعاد أي نشاط أسري أو اجتماعي وتأجيله إلى بعد الامتحانات حتى لا نشتت تركيزهن”. الدروس الخصوصية أما يوسف عبدالعزيز العلي “موظف بشركة بترول”: “من الطبيعي أن تكرس الأسرة جهودها وتركيزها خلال الشهور الأخيرة من العام الدراسي. وتسخر كل الطاقات من أجل أبنائها ونجاحهم في الامتحانات. ولعل الدروس الخصوصية أبرز ما يرهق الأسر، ولاسيما إذا كان ولي الأمر موظفاً وذا دخل محدود، وعليه أن يواجه استغلال المدرسين الخصوصيين وخاصة المواد التي يحتاج الابن أو الابنة فيها إلى تقوية وتحسين مستوى كالرياضيات أو الفيزياء أو الكيمياء أو أي فرع من اللغات، وكثير من الأسر تضطر إلى تنظيم مجموعات لأبنائها وبناتها تقليلاً للتكلفة، أما الأسر القادرة مادياً فلا تهتم بذلك، وهناك من يجلب المدرسين إلى البيت مهما كانت التكلفة، فالمقدرة المادية هي تتحكم في ذلك”. ويضيف: “ما من شك أن جو الأسرة يتبدل تماماً قبيل الامتحانات، وحيث يغلب القلق والتوتر على الجميع، وأكثر ما يزعج الأب أو الأم أن يجد أحد من الأبناء لا يهتم كثيراً بالدراسة ولا يعرف مصلحته، ولا يعرف الحرص على مستقبله ولا كيف، ويصبح كل همه منصباً على اللعب وإهدار الوقت، وممارسة الهوايات، والانخراط مع الأصدقاء”. ويكمل: “الأسرة مسؤولة مسؤولية كاملة عن أبنائها وتهيئة مناخ صحي مناسب خلال موسم الامتحانات، وتعديل برنامجها بما لا يشتت انتباه الأبناء وتحصيلهم ومراجعتهم النهائية، ومساعدتهم على تنظيم أوقاتهم، ومتابعتهم بشكل مباشر دون الاعتماد على الخادمات، مع توفير جو هادئ ومريح خال من الإزعاج أو ما يثير انتباههم وتركيزهم”. كذلك يقول راجي صرار “مدير مشاريع بشركة هندسية”: “أبناؤنا الطلاب يعانون صعوبات عديدة بسبب المناهج التقليدية التي تعتمد على الحفظ والتلقين، فالاتجاه الحديث في العالم يتوجه نحو تشجيع الدراسة من خلال طرق البحث العلمي وتقديم مشروعات بحثية تفتح آفاق الطلاب وتكسبهم مهارات جديدة فالطالب يمكن أن يكون ضحية مناهج تقليدية وطرق تدريس نمطية وامتحانات لا تحقق المطلوب منها. وهي منظومة تحتاج إعادة نظر، والتقييم النهائي يحتاج مراجعة حتى نضمن أن الامتحانات تقيس مستوى الطالب بشكل دقيق بعيداً عن التخويف والهلع والقلق، فالحياة تغيَّرت في كل العالم وعلينا أن نطور المناهج والامتحانات حتى نساير العالم من حولنا”. بين نارين ويضيف: “لعل أبرز المشاكل في نظري تتمثل في خوف الطلاب، وخوف وقلق أسرهم من الإخفاق أو الفشل، كذلك كثير من الأسر تحتاج إلى تغيير على المستوى الثقافي والمعرفي، ولا يكون هاجسهم الوحيد أن يلتحق ابنهم بإحدى كليات القمة - كما يسمونها - فهناك مواهب وكفاءات لا تنجح في الالتحاق بها ليكونو أطباء أو مهندسين، إنما المجتمع في حاجة إلى مهن أخرى، والشخص الناجح هو من يختار التخصص الذي ينجح فيه لخدمة المجتمع الذي يعيش فيه”. ويقول راجي: “إن الدروس الخصوصية أبرز المشاكل والأعباء التي تواجه الأسر، فإلى جانب كونها نتيجة لخلل في المنظومة التعليمية، فإنها عبء مادي ثقيل على كثير من الناس، ويثقل كاهلهم، لذا لابد من إعادة النظر في أوضاع المدرسين، وتطوير أساليب وطرق التعليم وإعادة الهيبة إلى الهيئة التعليمية، والاعتماد على فصول دروس التقوية في المدارس قدر المستطاع، لأن الأسرة تصبح بين نارين، نار الإرهاق المادي ونار الخوف من الرسوب أو الإخفاق وعدم التفوق لتحقيق آمال وأحلام الأسرة”. كابوس حقيقي يقول سلطان المهيري “موظف”: لديّ أربعة أبناء في مراحل التعليم المختلفة منهم ابن في الثانوية العامة، وجميعهم يعتمدون على الدروس الخصوصية، حيث أدفع شهرياً ما بين (عشرة إلى ثلاثة عشر ألف درهم) للدروس الخصوصية فقط في جميع المواد الدراسية لهم، فيما عدا الرسوم المدرسية في المدارس الخاصة. وهذا عبء مادي كبير، ولا مفر من الدروس الخصوصية حتى نضمن معدلات عالية من الدرجات في نهاية العام، وبالطبع فإن الطالب الذي لا يستجيب لهذا التوجه سينحدر مستواه الدراسي، بل يمكن أن يرسب في الامتحان لأنه لم يتلق المنهج كاملاً في المدرسة. إنها أزمة حقيقية أن يعتمد الطالب على الدروس الخصوصية، فالمدرسة يجب أن تتحمل مسؤولية انحدار أو تدني مستوى طلابها، والمنظومة التعليمية تتحمل مسؤولية عدم تطوير المناهج التي أوجدت هذه الحالة السلبية من التعليم، وتعد أهم مشكلة تواجه الأسرة خلال الامتحانات”. كذلك يضيف جمعة الظاهري “موظف”: “لديّ ثلاثة أطفال في مدارس خاصة غير الابن الأكبر في الثاني الإعدادي، وجميعهم يلجأون إلى الدروس الخصوصية وعادة الابن الأكبر يكلفني ما بين 2300 - 3000 درهم شهرياً دروس خصوصية فقط، فالمناهج صعبة والدروس الخصوصية أصبحت ضرورية مع موسم الامتحانات” ويضيف الظاهري: “المشكلة تكمن في أن الطالب لم يعد قادراً على الاعتماد على المدرسة للحصول على معدل عالٍ، وبالتالي فإنه يؤمن نفسه بالدروس الخصوصية، والمشكلة الأخرى أن لكل مدرسة ولكل نظام تعليمي منهاجه، والطالب يصبح مشتتاً ما بين هذا وذاك، وبالتالي فإن هناك كثير من الأسر تفشل في متابعة أبنائها دراسياً لصعوبة المناهج، ومن ثم لا بديل أمامهم سوى الدروس الخصوصية، لذلك أقترح أن تعمم تجربة فصول التقوية في المدارس ولا سيما للمواد الدراسية الصعبة أو التي يكثر اعتماد الطلاب فيها على الدروس الخصوصية”. مشاعر سلبية أدور الأسرة، فيفترض ألا يكون غائباً منذ اليوم الدراسي الأول، ومتابعة فاعلة وإيجابية ومستمرة طيلة أيام السنة بالتعاون مع المدرسة، وتكلل في النهاية بتهيئة المناخ الأسري الصحي المناسب للأبناء خلال فترة المراجعة النهائية والاستعداد لفترة الامتحانات التي تمثل منعطفا هاما في حياة الطالب خاصة اذا كان الطالب في المرحلة النهائية “الثانوية العامة”. كثير من الأسر تعتبر الامتحانات “شبحا” أو”كابوساً” مزعجاً ومرهقاً يطل برأسه كل عام، وعليهم مواجهة مسؤولياتهم الرئيسية في تهيئة المناخ المناسب للأبناء، إلى جانب تحمل الأعباء المالية الإضافية، فضلاً عما يعانونه من قلق وتوتر وخوف يخفقون في إخفائه ومن ثم يصدرونه بشكل مباشر أو غير مباشر إلى الأبناء، ومن ثم تلقي مثل هذه المشاعر السلبية بظلالها وتأثيراتها على أبنائهم الطلاب. المناخ الأسري الإيجابي تقول سميرة خلفان “ربة أسرة” : “رغم أنني جامعية، لكنني لا أعمل، وقد تفرغت لرعاية أبنائي ومتابعتهم دراسياً، ويمكنني أن ألفت الانتباه إلى نقطتين مهمتين، الأولى تتعلق بالتقويم فالامتحانات دائماً توجه لمستوى الطالب المتميز، ولا تراعي الفروق الفردية بين الطلاب، ويفترض أن تكون بمستوى غالبية الطلاب، فالمهم قياس مدى تحصيله واستفادته من المناهج وليس التعجيز أو الإحباط، وهذا الجانب يمثل أول المشاكل، أما النقطة الثانية فتتعلق بتهيئة المناخ الأسري الإيجابي أمام الأبناء، فأيام الامتحانات تتسم بالقلق، ونحن كآباء وأمهات نزيد الضغوط على الأبناء، وأحياناً تزيد حدة الخلافات بين الزوجين لأسباب أخرى، ربما تكون مادية أو بسبب تزايد الضغوط والمشاكل، فهناك أطفال يكبرون وهم يعانون من ضعف التركيز، ويميلون إلى اللعب، ويصعب تعويدهم على الالتزام الدراسي، وهذا أمر في الحقيقة يدعو إلى القلق ويحتاج منا إلى الحيل التربوية بما يتوافق مع أعمارهم، لتحفيزهم على الدراسة الجادة، لكن يلاحظ أن أغلب الأمهات ينفعلن ويتعاملن معهم بعصبية وانفلات أعصاب بما ينعكس بالسلب على أبنائهم، كم أن كثيرات من هؤلاء يضطررن إلى توفير مدرسين خصوصيين لهؤلاء الأبناء للتعويض، وهن يعانين من كثرة النصائح تارة أو الإجبار على المذاكرة تارة أخرى، أو التهديد والوعيد، وكلها عوامل تزيد من حدة القلق والتوتر وتؤثر على سلامة المناخ العام للأسرة، وعلينا أن نسأل أنفسنا: هل وفرنا للأبناء كل العوامل المؤثرة والتي تبعث على الهدوء والراحة من مكان محبب وإضاءة مناسبة ..أم لا؟”. بعد الاستعانة بالله تقييم القدرات لأبنائنا بقراءة عامة لملخص المادة، ثم إلمام سريع بها، وأجوبة للأسئلة المهمة، وحلول للامتحانات السابقة، ثم نسأل أنفسنا: هل تحدثنا مع أبنائنا في غير المذاكرة لإشعارهم بالأمان؟ هل قمنا بتشجيعهم ودفعهم وزرع الثقة في أنفسهم؟ هل وفرنا لهم جو الهدوء والبيئة المحفزة والمساعدة داخل البيت؟ وذلك بدلا من: التعنيف أو أداء الواجب عنهم، أو الضغط عليهم للمذاكرة، أو دفعهم للشعور بالذنب في عدم تفوقهم وبلادتهم، أو عقابهم الدائم بنية دفعهم للمذاكرة، فهل قمنا فعلا بالمطلوب منا باهتمام وإيجابية؟
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©