الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

النساء وواقع السياسة الأميركية

10 ابريل 2018 23:30
تبدأ عادة تفسير ظاهرة دونالد ترامب بالإشارة إلى القيم المحافظة في مقابل القيم الليبرالية والانقسام بين الريف والحضر وربما العرق والهجرة. وكل هذه الأمور تلعب دوراً، لكن تراكم الأدلة يجيز فرضية طرحها روس دوذات، كاتب العمود في صحيفة نيويورك تايمز، ومفادها أن هناك انقسام كبير وأساسي للغاية حالياً في سياسة الانتخابات الأميركية قائم على الاختلاف في فهم العلاقات بين الجنسين. وأدهشني استطلاع رأي أجراه في الآونة الأخيرة مركز بيو للأبحاث أشار إلى أن نساء الألفية، ويجري تحديدهن بأنهن من ولدن بين عامي 1981 و1996، يفضلن الديمقراطيين بفارق كبير استثنائي يبلغ 47%. ورجال الألفية يميلون أيضا إلى الديمقراطيين لكن الفجوة أقل بكثير وتبلغ 8%. ولأن الحزب الديمقراطي لم يحقق انتصارات قومية كبيرة في الآونة الأخيرة، فإن الاستنتاج الواضح هو أن الحزب الجمهوري يقوم بشيء لحجب نساء الألفية أولئك. والحزب الجمهوري على المستوى القومي، على الأقل في حالة البعث الحالية، يطرح رؤية قوية للازدواجية بين الجنسين، أي أن النساء والرجال مختلفون للغاية وأن النساء والرجال يجب أن يكونوا مختلفين للغاية فيما يتعلق بالأعراف والسلوك والقوانين. والإشارات الصادرة عن البيت الأبيض تعكس هذه الرؤية. فوزارة ترامب وفريق مستشاريه زاخر برجال بيض تقليديين. وما من بادرة تدل على جهد مقصود لتحقيق التوازن بين الجنسين. ويعكس سلوك ترامب صورة أميركية قديمة للذكورة، وهو متزوج من عارضة أزياء ونماذجه الأوسع نطاقا من السلوك تجاه النساء معروفة وهو أبعد ما يكون عن مؤيدي المساواة بين الجنسين. لكن فكرة إعادة التأكيد على التمييز التقليدي بين الذكر والأنثى ومعاقبة من يعارضون هذا التمييز لها جاذبية طبيعية ضمن نظرة ترامب للعالم. وباختصار، تعكس إدارة ترامب رؤية خطابية ورمزية لأميركا كما كانت من قبل حين كان الناس يتبنون مواقف أدوار الجنسين التقليدية. ولا عجب أن تكون الاستجابة سلبية من معظم نساء الألفية اللائي حظين بفرص لا مثيل لها في التعليم والاستقلال الذاتي. أما الرجال البيض الأكبر سنا فمن الأكثر ترجيحا أن يكونوا من أنصار ترامب. وفي منتدى عقد في الآونة الأخيرة، أشار كريستوفر كلادول مراسل صحيفة «ويكلي ستاندرد» إلى أن «الديمقراطيين أصبحوا حزب الأخلاقية الجنسية». وهذه رؤية متبصرة لكني لا اعتقد أنها الوصف الصحيح. صحيح أن اليساريين أكثر ميلاً لأن ينتقدوا السلوك الجنسي للرجال البيض أصحاب النفوذ وهذا واضح في حركة #MeToo. لكن حين يتعلق الأمر بإضفاء طابع أخلاقي على سلوك الأمهات اللائي بلا أزواج أو مناقشة الأعباء الاجتماعية للعدد الكبير للمواليد خارج إطار الزواج، مازال المحافظون يتقدمون هنا الصفوف. والجدل بشأن الإجهاض يعرض منطقاً مشابهاً، حيث تواجه قيم استقلال النساء معارضة من رؤية بديلة للأمومة المسؤولة وقداسة الأسرة والأجنة. ومركزية العلاقة بين الجنسين حالياً في السياسة الأميركية الحالية تظهر حتى في القضية العنصرية. فقد بحثت دراسة في الآونة الأخيرة احتمالات الترقي للأميركيين السود بمن فيهم ممن ينتمون إلى الأسر ميسورة الحال. وكان أكثر نتائج الدراسة إثارة للدهشة هو أن بنات أسر السود الميسورين يبلين بلاءً حسناً على خلاف الأبناء. وبحث مسألة المساواة بين الجنسين يساعد أيضاً في تفسير الاستقطاب في بعض جوانب السياسة الأميركية على الأقل. فقد أصبح النساء يتمتعن بتعليم أعلى ونفوذ أكبر من أي وقت مضى، وهذا يعطيهم صوتاً أكبر في السياسة. وخلق هذا أيضاً ردة وسط كثير من الرجال. وحدث فجأة تصادم جديد بين الرؤى التي كانت مكبوتة من قبل. وهناك ما يشير إلى أن كثير من المهاجرين الذين وصلوا إلى البلاد في الآونة الأخيرة ربما يجدون أنفسهم أقل معارضة للحزب «الجمهوري»، مما توقع كثيرون من المفكرين الاستراتيجيين «الديمقراطيين»، فلن يكون لدى كل هؤلاء الأفراد تعاطف مع المساواة بين الجنسين مع النساء المتعلمات جيداً واللائي ولدن ونشأن في الولايات المتحدة. والسؤال هو: إلى أين سيقودنا هذا؟ يميل اليسار التقدمي إلى الاعتقاد بأن التنوير سيتحقق في نهاية المطاف، وأن رؤية المساواة ستتفوق على محاولات تعزيز التمايز بين الجنسين. لكني لست متأكداً من هذا. فقد أشار بحث في الآونة الأخيرة إلى أن الرجال والنساء في الاقتصاديات الأكثر ثراء يميلون لأن ييدون اختلافات أكبر في الشخصية وأن النساء أقل ميلا إلى السعي للحصول على درجات جامعية في التخصصات العلمية. ويمكننا القول إن السياسة والجنس موضوعان يقدما لنا عادةً مفاجآت. *أستاذ الاقتصاد في جامعة جورج ميسون الأميركية. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©