الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الروائيات السعوديات فتحن صناديقهنَّ المغلفة وأخرجنَ الجواهر

الروائيات السعوديات فتحن صناديقهنَّ المغلفة وأخرجنَ الجواهر
20 أغسطس 2009 00:18
من رحم المعاناة انطلقت الروائية السعودية والإعلامية زكية القرشي رئيسة تحرير مجلة وقناة «triplez». وهي تقول إنها حققت جزءاً يسيراً مما كانت تحلم به فقط، وأنها تستعين على المعاناة بالإبداع والكتابة. كتبت رواية «ألف امرأة لليلة واحدة»، تلك الرواية التي حملت معاناة إنسانية فجرت الكثير من الأعماق الصامتة، وكسبت الكثير من تعاطف القراء وكأنهم يشاهدونها أمامهم بأحداثها وشخوصها وقراصنتها وأبطالها ودموعها ولغة الانتصار فيها. الروائية زكية القرشي تكشف الكثير من عوالم روايتها المكتوبة بحبر المعاناة ومن خلال وقائع ووثائق حقيقية، وتكشف اهتمامات أخرى قد تكون خافية على الكثير من قرائها في هذا الحوار: ? صدر عملك الروائي قبل شهور تحت عنوان «ألف امرأة... لليلة واحدة» حول وقائع قصة لامرأة تعيش ظروفاً اجتماعية قاسية، ومن هناك نلحظ معاناة المرأة في مجتمع الرواية، ماذا أردت أن تقولي من خلالها؟ هل ثمة صرخة احتجاج؟ ? ? حملت الرواية بين طياتها معاناة حقيقية لامرأة جار عليها الزمن، واستنزفت قواها رشوق المعاناة. صبرت عشر سنوات لكي تصل إلى مبتغاها في الوقت المناسب من دون أن تداس كرامتها أو يخدش كبرياؤها. إنها ليست معاناة (شموخ) فقط ولكنها معاناة تعيشها النساء في شتى البقاع. حاولت (شموخ) الوصول إلى بناتها والحصول على حقوق أمومتها ولكنها إن أرادت الوصول لابد أن تتنازل عن كرامتها - أمام أهل من كان زوجها- وبما أنها امرأة لا ترضى الانكسار قررت أن تحصل على ما تريد من دون التنازل الذي يسعى إليه عبيد المال، وحيث إنها تعلم أنهم يخشون قلمها الذي يهتك أسرارهم قررت أن تحاربهم بالحبر والقلم، وكان قلمها هو صوتها المرتفع بكل شموخ وكبرياء لتقول لهم: هأنذا فهل من مواجه أيها الأعداء؟ ثم بدأت تصل إلى ما تريد وإن كان هناك المزيد من الأسرار التي تستعد لكشفها في الجزء الثاني من قصتها إن لم يستجيبوا لطلباتها، كما أنها رسالة احتجاج من جميع الأمهات اللواتي يعانين كمعاناة (شموخ) وللآخرين الذين لم يستوعبوا ماهية الأم وقدرها. معاناة امرأة ? باتت الرواية في الآونة الأخيرة قريبة إلى القارئ العربي، هل تعتقدين أن السبب يكمن في كونها تستوعب التغيرات السريعة كلها؟ ولماذا اخترتِ كتابة الرواية؟ ? ? المجتمع في تطور مستمر، ونحن نرقى بفكرنا يوما بعد يوم، والرواية السعودية انتشرت داخل الوطن وخارجه. الحقيقة أنني لم اختلق قصصاً لأشبع بها نهم القارئ ولكن «ألف امرأة لليلة واحدة» هي معاناة واقعية بعيدة تماماً عن الخيال والتضخيم الدرامي. وقد كتب لهذه المرأة أن تعيش كل تلك المعاناة من دون ذنب اقترفته سوى أن زوجها طلب الانفصال عن أهله مادياً فقذفوا بها على ناصية الطريق وليس بحوزتها سوى حقيبتها وتذكرة بالية لم يسجل بها رقم الرحلة ولا موعدها ولا زمانها ولا إلى أين؟ وشعرت أن من واجبي سرد معاناتها كما هي. وشاءت الأقدار أن تتشكل تلك القصة من العديد من الأحداث الإيجابية والسلبية وهي ظروف لا تقتصر على المرأة في المجتمع السعودي فقط وإنما تختلف خطوط الألم بحسب نمط الحياة الاجتماعية والمجتمع فهناك مجتمعات غلب عليها الذكور، وهنا أردت أن أوجه رسالة لكل امرأة تعاني ولا تستطيع الحصول على حقوقها بأن الوصول إلى الهدف له وسائل كثيرة ومتعددة المسارات. المهم أن تختار المرأة الطريق الصحيح للوصول إلى حقوقها وتحافظ على كرامتها؛ فالإنسان الذي لا يحفظ كرامته لا يستحق الحياة ولن يحظى باحترام الآخرين ولا حتى باحترام من ضحى لأجلهم. ? مسمى «ألف امرأة.. لليلة واحدة» قد يذهب بالقارئ للوهلة الأولى إلى تأويلات أخرى لا تخدم النص؟ هل كان ذلك مقصوداً؟ أين هي تلك الليلة الواحدة في كل هذا الامتداد الزمني للرواية؟ ? ? الحقيقة أنني أصبو إلى رقي الثقافة لدى البعض الذين يذهب بهم التفكير دائماً إلى منحى آخر، وهذا ما لمسته في الكثير ممن التقيتهم حتى أن البعض كان يسألني: وهل هناك رجل يستطيع جمع ألف امرأة في ليلة واحدة ؟، أردت أن أقول لهم لا بد أن ننظر للأعلى قليلاً وأقصد به العقل والفكر الراقي، وفي الوقت ذاته هناك سطر كامن بين سطور الرواية قبل النهاية تقول فيه البطلة: «سأكون ألف امرأة بألف لسان، وألف قلب، وألف عقل، ولو لليلة واحدة أصل بها إلى مبتغاي». لقد نطقت بعبارتها تلك وهي واثقة تماماً مما تقول لكي تصل رسالتها التي توحي بقوة عزيمتها وأنها لا تحتاج إلى معين ليقف إلى جوارها ويساندها بل ستكون امرأة بألف وسوف تصل؛ وقد وصلت إلى جزء من هدفها، وسوف يجد القارئ أنها حرمت من دخول منزل ابنتها بناء على رغبة الأم وأهل ابنتها، وبعد أن قرأ زوج ابنتها الرواية اعتذر منها وأخبرها أنه يتشرف بدخولها منزله، وأقام لها احتفالاً خاصاً، وتحققت أمنية ابنتها التي كتمتها داخل صدرها ولم تطالب زوجها بزيارة أمها لها خشية ضياع أسرتها الصغيرة كما ضاعت أسرتها الكبيرة من قبل. وقد كنت مرافقة لها في ذلك الاحتفال، وشاهدت ابنتها وهي تسجد شكرا لله وتذرف دموع الفرح لأنها لم تكن تعلم بأن الحفل المقام ببيتها تلك الليلة ما هو إلا احتفال بأمها التي دخلت عليها بكل شموخ ومن دون أن تداس كرامتها. وقد كانت مفاجأة زوجها لها وهديته التي أهداها إياها في عيد زواجهما الثالث وكان هذا الانتصار الأول لامرأة بألف امرأة!. ? هل ترين في الانتقام حلاً؟ وهل كانت عبارة «لا شيء سوى الانتقام» اختزالاً لزمن من المعاناة، ولماذا كتبتها الآن؟ ? ? سبق وأن طالبت شموخ، في الرواية، أهل زوجها برؤية بناتها، وكانوا دائماً يصدونها بأساليب رخيصة لأنهم يعلمون مدى ارتباطها بأجزائها الأربع، مما زرع بداخلها حقداً دفيناً ظل يترعرع ويكبر يوماً بعد يوم، على الرغم من أنها امرأة طاهرة القلب ولا تحقد على من يسيء إليها ولا ترد السيئة بالسيئة، ولكن معاملة عبيد المال لها كانت كالماء يسقي بذرة الحقد حتى أثمرت شجرتها بكل ثمار الانتقام تلك. أما عن زمن الكتابة فقد حددت شموخ الزمن لأنه أصبح مناسباً لسرد حكايتها حتى يعلم الجميع ببراءتها مما نسب إليها. والسبب الأهم أنها لم تستطع النشر قبل ذلك خوفاً على بناتها اللواتي كن في سن الطفولة ويعشنَ تحت رحمة عبيد المال، أما الآن فلن يجرؤوا أبداً على إيذائهن لأنها أصبحت قوية وتستند على جدار من حديد وتقف على أرض من جبال. وحين اقترنت بخط الصحراء وجفافها وخطت بيدها المرتعشة وأناملها الجافة الناعمة وكتبت على شاطئها الرملي الذهبي الأسود، بدموعها الدموية: «لا شيء .. لا شيء سوى الانتقام»، كانت تعني كل كلمة. فقد تجرعت الألم طوال تلك السنوات وفقدت أمومتها وحرمت من تربية بناتها وخاصة ابنتها الصغرى التي لا تحمل داخلها من ذكريات طفولتها مع أمها سوى صورة كانت تخفيها داخل وسادتها حتى لا يكتشفوا أمرها فيعذبونها كما يفعلون دائماً. ? كيف هي قراءتك وتقييمك لمخرجات الرواية السعودية الحديثة مع هذا الكم الهائل من الكتابة النسوية فيها؟ هل هي ظاهرة برأيك؟ ? ? هناك الكثير من الروايات التي أبدعت بها أقلام كاتباتها، وهناك ما هو إسفاف ليس أكثر. وعلى الرغم من الكم الهائل إلا أن الأفضل والذي يرقى بفكر القارئ هو الذي سيبقى ليقف بصمة واضحة مشرفة تحمل أسماء من كتبنها بأقلام لا يسعنا إلا الوقوف احتراما لها. وهي لا تعد ظاهرة بقدر ما تعتبر مساحة كانت موصدة الأبواب وفتحت أمام الأقلام سواء الجديرة أو غير الجديرة لاحتلال تلك المساحة والبقاء في النهاية للأفضل. حلقات إبداعية ? عرفت أيضا كإعلامية وعملت في فضائيات كمعدة للبرامج الاجتماعية وأيضا لك اهتمام فوتوغرافي واضح؟ أين تجدين نفسك؟ وأين تلتقي هذه الفنون ببعضها لديك؟ ? ? إنها حلقة محكمة وأنا محورها، حين قررت تأسيس مجلة أدبية وقناة إلكترونية وموقع يختص بالسياحة في السعودية فكرت بأن أخوض مجال المونتاج كي أضيفه إلى حلقات دائرتي. أنا مصورة فوتوغرافية منذ أكثر من عشر سنوات، وقد خضت التصوير التلفزيوني عندما قررت تأسيس القناة الإلكترونية وفي النهاية كل ما أعمل به يرتبط ببعضه بعضاً. ? من جانب آخر لك اهتمام كبير بالتراث وبعض الأمكنة ذات التاريخ العريق في السعودية، ولديك رؤية ستظهر في موقع خاص بالسياحة من إعدادك، من أين يأتي هذا الاهتمام لديك؟ وهل تجدين أنه جانب مهمل في ثقافتنا؟ ? ? أنا اعشق الآثار، ولا اتوانى في زيارة المتاحف والآثار خلال سفري. ودائما أتردد على المناطق التاريخية بالسعودية. وعندما التقيت المهندس طارق خليفة رئيس لجنة الإرشاد السياحي بالسعودية، وأبديت له رغبتي في مرافقته في الرحلات السياحية الداخلية مع الأفواج الأجنبية التي تزور السعودية رحب بذلك وساندني، وزودني بمعلومات كثيرة كنت اجهلها عن بلادي الزاخرة بالآثار. لذا قررت تأسيس موقع خاص بالسياحة في السعودية، أولاً بهدف تعريف المجتمع السعودي بالثروة العظيمة التي لا يكاد يعلم سوى القليل عنها، وثانياً تعريف العالم الخارجي ببلادي. وبما أن بلادنا الحبيبة غنية بالمعالم الأثرية وتراث الأجداد وجمال الصحراء والطبيعة فقد اكتملت بذلك حلقتي. المرأة والثقافة ? كيف ترين المرأة السعودية المثقفة؟ نشاطها الثقافي.. المتغيرات والرؤى الجديدة.. هل ثمة بشائر بزمن مقبل أجمل؟ ? ? المقبل يبشر بالكثير من رقي الفكر ونمو الثقافة بعد أن تكرمت القيادة السياسية بالارتقاء بعمل المرأة السعودية في شتى المجالات. وأرى أن الكثير ممن أغلقن صناديقهن بإحكام بدأن بفتح تلك الصناديق وإخراج الجواهر الثمينة منها، والذي نراه جلياً في المناسبات الثقافية التي برزت في الآونة الأخيرة، أصبح هناك رصد للأفكار وإحكام للتفكير الصائب وسوف يأتي يوم تعبر تلك الأقلام جميع المحيطات والمحطات لتقف متجلية بشموخها وتقول هأنذا. ? وماذا تحتاج المثقفة السعودية؟ ? ? تحتاج المرأة السعودية المثقفة إلى المساندة من شقيقها الرجل ورؤساء الأندية الأدبية، وقد حان الوقت ليقف الرجل بجوار المرأة ولا يدعها تقف خلفه، فقد انتهت تلك الحقبة التي تميز بين الرجل والمرأة في مجال الثقافة وبات صوت القلم مرتفعاً وسوف يصل قريباً إلى ما بعد السحاب ولكنه سحاب بلا غيوم يمطر حروفاً راقية بأقلام واعية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©