الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الأسطوري يهزم الواقعي في «خور الجمّال»

الأسطوري يهزم الواقعي في «خور الجمّال»
20 أغسطس 2009 00:48
في روايته الجديدة «خور الجمِّال» الصادرة عن دار الهلال، يواصل الكاتب المصري أحمد أبو خنيجر مشروعه المشغول برصد عالم الصعيد أقصى جنوب مصر. وهو عالم له سمات خاصة وشديدة التميز على مستوى المكان والبشر والثقافة، فلا هو الصعيدي القح ولا هو النوبي الصرف. تبدأ الرواية بمشهد صامت وحدث مهيب ومرعب: حية رقطاء أسطورية وسط حلقة من الرجال، حلقة وسطها حية. حلقة يضربها الخوف والقلق والتوتر. حلقة غير مستوية، منبعجة كأنما يلفها اعصار، جعل القبضات على العصي والفؤوس مضطربة، متشنجة حول «حية قتلوا وليفها وجاءت لتنتقم». هذا المشهد يقع في مكان فلاحي مزروع كان في الأصل بدوياً صحراوياً، ويهيمن على الجزء الأول من الرواية الذي جاء بدون عنوان ربما للإيحاء بأنه مقدمتها أو فرشتها، وهو يدور في الخور بين عالمي الصحراء والزرع، ومنه تنسل حكاية أو اسطورة «خور الجمّال» في أجزاء معنونة بأسماء ذات نكهة صحراوية موحية بمضامينها مثل: «عن الجمل والحية» و»جمل الماء» و»الحجر الأحمر»، وتتبدى الأسطورة التي تقوم عليها الرواية على هيئة قافلة بدوية راحلة على الجمال ضلت طريقها في الصحراء بسبب اعتماد شيخها وقائدها وحكيمها على ابنه الصغير في مهمة صعبة هي قيادة «جمل الماء» الذي يعتبر جمل الحياة بالنسبة لقافلة في الصحارى الشاسعة، فقد ضيع الجمل وألقى بالقافلة كلها على شفا التهلكة. وبعد فترة من التيه والتخبط والإشراف على الموت عطشاً وخوفاً وهلاكاً في الصحارى المجهولة الشاسعة تقع القافلة على المنقذ، خور أخضر أشبه بأدغال من النباتات القاسية وينتهي بالماء. وبينما الصبي، ابن شيخ القافلة وقائدها الذي أضاع جمل الماء، يهم بالقفز فوق بعيره لمصاحبتها أمره والده بالبقاء في الخور حتى يعودوا إليه، وانطلقت القافلة وتركته وحيدا ينتظر ما لا يأتي أبداً وهو حائر يفكر طوال الوقت في إن كان هذا المصير انتقاماً أو اختباراً. هنا تبدأ قصته مع استصلاح الخور ومده بمياه النيل وزراعته بمحاصيل وارفة، وعهده مع الحية - ساكنته - على حسن الجوار منذ البداية، ثم علاقته الحذرة المستريبة بأهل القرية، وإصراره على الزواج من ابنة الراعي التي يؤمن الجميع بأن جنية خطفت والدها الراعي للابد حينما دخل الخور يبحث عن شاه ضلت منه، وهي قصة تعتمد على الاسطورة في فهم الأحداث والشخصيات والمواقف، والصراع فيها بين الابن المتشكك في الاسطورة والخائف منها في الوقت نفسه والجد المؤسس، ابن الصحراء الذي أحيا الخور وعمَّره والذي يؤمن بالاسطورة وبأن الحية جار ورفيق خيّر يشاركه الخور بناء على عهد قديم بينهما وأي إخلال به معناه الهلاك، والراوي «وهو بضمير الغائب» يبدو منحازاً لعقيدة الجد ابتداءً من المشهد الأول، تلك الحلقة المرعبة التي تنذر بانتقام محقق للجميع، وهو في الوقت نفسه مشهدها الأخير فأحداثها تنتهي عملياً برجل يبدو وكأنه هبط من السماء واحتضن الحية وخرج بها من وسط الرجال ثم سرعان ما اختفى في الصحارى الشاسعة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©