الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أول سباكة في مصر تواجه السخرية والانتقاد بالمثابرة والإتقان

أول سباكة في مصر تواجه السخرية والانتقاد بالمثابرة والإتقان
21 مارس 2011 19:25
سهام مغازي «59 سنة» أو «الأسطى» أم باسم نموذج للكفاح والعصامية بعد أن اتخذت قراراً باحتراف مهنة السباكة التي يحتكرها الذكور غير مبالية بعبارات التهكم والاستهجان والسخرية من الكثيرين، فلم تعر ذلك أهمية وواصلت مسيرتها في المهنة التي تعشقها منذ الصغر واقتحمتها وهي مقتنعة بها طالما أنها شريفة لتحمل لقب «أول سباكة في مصر». يوماً بعد يوم تثبت المرأة أنها قادرة على مزاحمة الرجال في كل مجال وكسر احتكارهم للكثير من المهن التي ظلت سنوات طويلة حكراً عليهم، حيث عملت جزارة وسائقة تاكسي وحلاق رجال ومأذونا شرعياً وعمدة. ثم أتت سهام مغازي «الأسطى» أم باسم لتثبت كفاءة في مهنتها وتفوقت على منافسيها من السباكين الرجال الذين أطلقوا عليها لقب»الدينامو» و»الدكتور»ووصفوها بأنها بمليون رجل. طريق الكفاح تقول مغازي «لم يتبادر إلى ذهني يوماً أن أصبح سباكة إذ لم تسبق لي دراية بأصول المهنة، فأنا حاصلة على دبلوم تجارة، وعملت أربع سنوات في قسم الأمانات بالفرع الرئيسي لبنك مصر، ثم سافرت إلى الكويت وعملت سكرتيرة في شركة كبرى للسيارات لمدة 10 سنوات وهناك تعرفت إلى زوجي الذي كان يعمل في الشركة نفسها، وتزوجنا ثم عدت إلى مصر عام 1989، وأقمت عدة مشاريع منها سوبر ماركت ومطعم ومصنع حلويات ومحل كوافير ومحل غسيل بالبخار، وتعرضت لعملية نصب فضاعت «تحويشة عمري» التي جنيتها خلال عملي بالكويت، ومررت بظروف عائلية صعبة جعلتني أبحث عن عمل يعينني على أعباء الحياة، وتأمين معيشة أبنائي بعد انفصالي عن زوجي وارتباطه بسيدة أخرى تاركا لي ولدا وبنتين، وبدأت أبحث عن عمل خاصة وأنا لم أحصل على شهادات خبرة من الأماكن التي عملت بها». وتضيف «تقدمت للالتحاق بدورة تدريبية في حياكة الملابس لتعلم أصول المهنة وعندما ذهبت إلى الإدارة المختصة بمشروع «أغاخان الخيري» في القاهرة أخبروني بأن الدورة ستبدأ بعد انتهاء دورة لتعليم مهنة السباكة، وطلبوا مني الانتظار لحين الانتهاء منها، فانتظرت ثلاثة شهور وعدت مجدداً للسؤال عن موعد الدورة فوجدت الإجابة ذاتها وأن عليَّ الانتظار مجددا، وانتهزت الفرصة وسألت عن دورة السباكة فقيل لي أنها مخصصة لخريجي الجامعة «الذكور» العاطلين عن العمل». وتتابع «لم يطل ترددي وقررت التقدم بطلب للالتحاق بإحدى دورات السباكة وسط ذهول الجميع وقال لي أحد المسؤولين إن الدورة تقتصر على الذكور فقط ولكن أمام تصميمي طلبوا مني الانتظار لمدة شهر آخر حتى يحين دوري ووافقوا على قبولي وخضت الدورة ما شجع 11 سيدة أخرى للتقدم للدورة تمت تصفيتهن إلى ثلاث فقط كنت واحدة منهن، واجتزت الدورة بشقيها النظري والعملي بنجاح، وتفوقت على كل المشاركين من السيدات والرجال لكني لم أنجح في مهنتي وأكون زبائن إلا من خلال الممارسة والخبرات العملية». رفض الأبناء تعترف مغازي بأن أولادها رفضوا في البداية دخولها الدورة التدريبية. وتقول «أوهمتهم بأنني سأحصل على هذه الدورة من باب العلم بالشيء فقط وعندما أكملت الدورة وبدأت ممارسة المهنة زادت اعتراضاتهم على ملابسي التي سأرتديها وكيفية تغطية جسمي خصوصاً عندما أكون في وضع غير تقليدي وأنا على الأرض أصلح بالوعة مثلاً. ابنتي «بسنت» التي كانت تدرس في الجامعة في ذلك الوقت ظلت تبكي في بادئ الأمر اعتقاداً أن مهنة أمها سوف تسيء إليها وسط أقرانها من الطلاب وبعد نجاحي بدأ أولادي يرحبون بأمهم السباكة وتغيرت نظرتهم وشعورهم تجاهي وتأكدوا أنها لا تقلل من احترامي لذاتي أو احترام الناس لي». وعن نظرة الناس إليها بعد اقتحامها هذه المهنة، تقول «كنت أعلم أنني اتخذ قرارا غريباً في نظر المجتمع ولكنني لم أعر ذلك أي اهتمام رغم قسوة ردود الفعل التي لقيتها في البداية، وكثيرا ما سمعت تعليقات ساخرة لكن عندما أثبت نجاحي في مهنتي وتأكد للناس أنني لست بأقل من أي رجل يمارس المهنة اكتسبت احترام وإعجاب الجميع، حتى أصبحت للبعض نموذجا يحتذى في الإصرار والإرادة والنجاح ولقبني البعض بـ«الدينامو والدكتور». وتضيف «مع مرور الوقت ربطتني علاقة طيبة بمعظم سكان المنطقة وأصبح لي زبون يسأل عني بالاسم، خصوصا من الرجال الذين ينشغلون بأعمالهم طول اليوم وليس لديهم وقت لانتظار السباك لأنني امنحهم الإحساس بالأمان في غيابهم أمارس عملي في حضور زوجاتهم». تمنيات بالفشل عن ردود فعل السباكين الرجال المقيمين في المنطقة، تقول مغازي «معظم السباكين بالمنطقة في البداية كانوا يتمنون فشلي وهاجمني بعضهم عندما ظنوا أنني أنافسهم في رزقهم، بينما ظن البعض أني سأغير رأيي وانسحب بعد أول تجربة، ولم اغضب وواجهت كل ذلك بإصرار على إثبات ذاتي وبدأت خطة عمل مصغرة، حيث تعرفت إلى كثير من أصحاب محلات السباكة وعرضت عليهم قيامي ببعض المقاولات فوافق البعض ورفض آخرون ومع الوقت اقتنع الجميع بقدراتي على منافسة الرجال في تلك المهنة والآن أصبحت أمتلك محلاً خاصاً بي». وعن الصعوبات اليومية التي تواجهها في المهنة، تقول «واجهت صعوبات كثيرة في بداية الأمر فالرجال كانوا يقولون أنت سيدة وكبيرة في السن والكل كان يستنكر وجودي ماعدا قلة قليلة حتى أن اثنين من الشبان كانا يعملان معي لمساعدتي في تكسير الحوائط الخرسانية وهما في حالة «خجل» اعتقاداً منهما أنها تنتقص من رجولتهما، وطلبا مني عدم الإفصاح عن عملهما معي أما الآن فلا توجد صعوبات فكل تفاصيل المهنة سبق أن تعلمتها وزادت خبراتي بالممارسة العملية وعندما كنت أواجه بعض العقبات كنت استشير بعض الزملاء من الرجال. وتضيف «علاقتي طيبة بالجميع وأي شخص يتعامل معي أول مرة يصبح زبوناً دائماً عندي، ولدي القدرة على كسب محبة وثقة الزبائن كما أحب مهنتي وأؤديها بمنتهى الإخلاص والمهارة والكفاءة، ولا أبالغ في الأتعاب التي أحصل عليها». شخصية محترمة عما إذا كانت قد تعرضت لمضايقات من الرجال أثناء ممارسة عملها، تجيب مغازي «الشخصية المحترمة تجبر من حولها على احترامها، وأنا أتمتع بشخصية من هذا النوع ولا أخشى أحدا ولا أفكر وأنا أدخل أي منزل سوى في عملي وكيفية إنجازه بحرفية وكفاءة، ولا اخفي أنني اتخذ احتياطات في حال حدوث ذلك فلدي «عدة الشغل» وأستطيع أن أدافع بأي منها عن نفسي إذا تعرضت لأي مضايقات، ولكن أكثر ما يضايقني هو الاتفاق مع الزبون على أجر معين ثم أفاجأ به يحاول المساومة بهدف دفع أجر أقل مما اتفقنا عليه ظنا منه أنني لن أستطيع مناقشته لأنني امرأة». وتضيف أنها لم تكتف بما درسته خلال الدورة التدريبية أو من خلال عملها الفعلي في السباكة لكنها تحرص على متابعة كل جديد في مجال الأدوات الصحية ومقاساتها، ولا تجد أي عيب في السؤال عما لا تعرفه حتى لا تبدو يوما مقصرة أمام زبائنها مشددة على أن الأمانة والمهارة من أهم المواصفات التي يجب أن يتمتع بها السباك لتحقيق النجاح. وعن توقعها اقتحام المرأة المصرية مهنا أخرى لا تزال حكرا على الرجال، تقول «المرأة تستطيع العمل في العديد من المهن والحرف الأخرى التي يحتكرها الرجال طالما أنها عمل شريف فهناك الجزارة وسائقة التاكسي والمأذونة والعمدة وغيرها، إلا أن هناك أعمالا بعينها يصعب عليها مزاولتها خصوصا التي تحتاج إلى قدرات جسمية خاصة مثل العمل في مصانع ومحاجر الرخام أو الحديد».
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©