الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تشيكوف.. مدرّس بكل اللغات

تشيكوف.. مدرّس بكل اللغات
13 يناير 2010 23:17
تتبدى براعة الكتاب الروس في تصوير الحياة الواقعية التي ينبغي ألا تسير فيما هي عليه. ولكن بمزيد من اللمسات اللماحة الخافتة في أعمال أعظم وأرق كتاب المسرح الروسي أنطون بافلوفتش تشيكوف (1860 ـ 1904) الذي يرى فيه معظم النقاد قمة الطبيعة في تصوير الحياة الواقعية التي لا تسير في الاتجاه الصحيح، وإنْ كانت مسرحياته تتميز بجو عام فيه من سمات المزاج والحنين ما يكاد يقرب إلى الشاعرية، تستطيع أن تدرك التميز في أسلوب هذا الكاتب ونظرته الإنسانية للحياة. وتعتبر مسرحيات “طائر النورس” و”الشقيقات الثلاث” و”بستان الكرز” بصورة عامة من أروع مسرحياته على الإطلاق .. بينما عد النقاد مسرحية “طائر النورس” وهي المسرحية التي صنعت شهرته الشعار الرسمي لمسرح موسكو الفني إلى اليوم، وهو المسرح الذي يعد أشهر مجموعة للإخراج المسرحي في العالم نظراً لدفء موضوعها وشموليته وكم العواطف الهائل الذي تتضمنه مشاهد المسرحية إلى جانب تنويعات من الشخصيات المركبة والحالات والتحولات النفسية التي تعتريها عبر الأحداث.. وإذا كان من الخطر أن نبحث عن آراء تشيكوف في مسرحياته، فمن المحتمل وكما قال روبرت بروستاين في كتابه “المسرح الثوري” أن يكون قد عبر عن مواقفه من تجربة القالب في رائعته “طائر النورس”، فهي مسرحية تتناول إلى حد كبير وظيفة الفنان المبدع في محاولة للتوفيق بين المسرح والواقع. وفيها أيضاً ينحاز إلى جانب شخصياته في كونها آخر معقل للاستنارة ضد كل ما هو سلبي ومتآكل في الحياة الروسية. ذلك بأنها واحدة من أهم المسرحيات التي تتمتع بإنسانيتها الشاملة من خلال روعة الحوار والمضمون العام وتنوع مصادر الصراع الدرامي ومقدرتها على صنع عنصر التشويق.. والمسرحية كتبها تشيكوف العام 1896 م، وقد منيت بالفشل بعد عرضها الأول على مسرح بطرسبرغ. وقد كتب تشيخوف بعد العرض الفاشل: “لن تغيب ذكرى ليلة أمس عن بالي مطلقاً، ولن أعود إلى كتابة المسرحيات مرة ثانية، ولن اسمح لأحد بإخراجها”. ولكنه ما لبث أن غير موقفه بعد النجاح الذي لاقته المسرحية في عرضها الثاني، فقد تم إحياؤها في مسرح الفن في موسكو العام 1898. ضد الأكاذيب لقد كان تشيكوف على قدر كبير من الإنسانية أعمق من غيره من كتاب المسرح المعاصرين له، فبينما هو يحلل السخافة اليائسة لشخصياته، لا يغفل مع ذلك أبداً عن رؤية الصفات في تلك الشخصيات وهي صفات تجعلهم على الرغم من يأسهم ومرارة أحلامهم تجعلهم ممتلئين حياة، ويقول في ذلك: “إن قدس أقداسي هو جسم الإنسان وصحته وذكاؤه وموهبته وإلهامه وحبه وحريته، وأشد الحريات إطلاقاً هي التحرر من الاستبداد والأكاذيب”. ولقد كانت هذه الصفات تتجسد في تشيكوف نفسه تجسداً تاماً بحيث لم يستطع أحد أن يكتب عنه بدون أن يكن له أعمق الحب والمودة، ويظل هو المؤلف، أشد شخصيات رواياته إيجابية، وهو إذ يجمع بين رقة المزاج وصلابة العقل يجعل مؤلفاته مزاجاً غير عادي من الأخلاق والواقع، من الثورة والقبول، من الاستهزاء والعطف، مما أسهم فعلاً في أن تحقق أعماله المسرحية دورها الإنساني. “طائر النورس” كما يعرفه الصيادون والبحارة هو طائر يعيش كل حياته على شواطئ البحار، يبني أعشاشه في صخورها ويحوم أبداً حول مياهها، لا يبتعد عنها قط.. وهذا هو محور المسرحية التي قدمتها في الستينات فرقة “اولدفيك” على مسرحها الخاص بموسكو. أما فكرة المسرحية فتقوم على تصوير فتاة قروية تعشق المسرح والتمثيل.. وتركض هنا وهناك، حالمة ملهوفة من أجل تحقيق حلمها بالوقوف على خشبة المسرح.. وتسوقها الأقدار لتجد نفسها أمام كاتب مسرحي شهير يحل بقريتها طلباً للراحة والاستجمام مع عشيقته الممثلة العجوز الذائعة الصيت. وعندما تلتقي الصبية بذلك الرجل الذي قد سلطت عليه الأضواء، تخر على ركبتيها عند قدميه، لكنه يخشى عشيقته الثرية، ومع ذلك يقوم بتشجيع الفتاة الساذجة خلسة على الهرب إلى المدينة لتشق طريقها في الحياة ولتجرب حظها مع المسرح. وتندفع الفتاة منقادة مسلوبة نظراً لعشقها الجارف للمسرح والتمثيل والأضواء، وأيضاً لحبها للرجل الذي سلب عقلها من أول لقاء. وتذهب إلى المدينة.. وإلى الرجل الذي كان ينتظرها هناك لكي يحطمها.. كما تحطمها المدينة باتساعها وجبروتها وتجردها من كل ما هو عاطفي وإنساني. مع تطور الأحداث نرى الفتاة وقد عادت إلى قريتها ذليلة.. وتلتقي بفتاها الذي أحبها طوال سني عمره.. أحبها حباً صادقاً طاهراً مخلصاً، مصطبراً عليها وعلى أحلامها وطموحاتها.. لكنها تصدمه حينما تصارحه بما حل بها في المدينة القاسية، فلا يجد أمامه سوى أن يترك لها الدنيا وينتحر لا لأنه جبان ولكن لأنها قالت له: “لقد حطمني حبيبي.. وتنكر لي.. ونسيني! ومع ذلك فأنا أعشقه من أعماقي عشقاً مبرحاً، عشقاً عنيفاً يائساً..”. ضجك كالبكا من تلك الجملة تبرز قسمات أسلوب وفن الكتابة عند “تشيكوف” فمن خصائصه تصوير الشخصيات اليائسة المتخبطة في خضم الحياة. كما أنه مولع بمزج الضحك مع الأسى في بوتقة واحدة، فهناك دوماً شخصية تضحك، ولكنه ضحك آس له صدى البكاء بين الضلوع.. إذ أن من ضمن شخصيات المسرحية مدرس قروي في منتصف العمر.. ساذج وطيب القلب، مذعور النفس من الدنيا ومن الناس والمجتمع.. وهو يحب فتاة عانساً حباً ذليلاً في استسلام، لكنها لا تحبه- وهذه سمة من سمات تشيكوف في رسم شخصياته حيث التناقض واختلافات المشاعر وما تحدثه من انقلابات في تفكير وسلوك وعواطف الشخصيات ـ بل تحب الفتى الذي يحب (نينا) بطلة المسرحية (عاشقة المسرح) ولكن نينا كما نعلم تحب الكاتب المسرحي الذي حطمها، والكاتب المسرحي تحبه الممثلة العجوز الشهيرة، لكنه لا يحبها.. بل يحب الدنيا ومصالحه الشخصية وشهرته.. هنا جملة من المشاعر المختلطة.. والتضاد الذي يولد صراعاً نفسياً متوالداً يضفي على المسرحية إثارة وتعاطفاً مع الشخصيات المكسورة. والمسرحية كما نرى تثقل على القلب من فرط الشجن الذي تزخر به نفوس شخصياتها المحطمة.. ولكن روعة التحليل والتصوير ومرارة السخرية وبراعة قلم أستاذ مثل “تشيكوف” تنسيك الدنيا وما عليها وتوقعك في دوامة من المشاعر المتضاربة بين ضحكة ودمعة عين. وفي مقالة له بعنوان “في مسرح تشيكوف أحلام لا تتحقق” يرى الدكتور وانيس بندك أن الفعل الدرامي يتطور في مسرحية النورس بصورة منطقية نتيجة التفاعل التام بين الشخصية والموضوع كونها تعالج واحدة من أهم مشكلات الفن، وهي مشكلة العوامل التي تخلق الفنان الموهوب. “طائر النورس” هي ثالث مسرحيات “تشيكوف” وكانت الأولى هي “ايفانوف” والثانية “شيطان الغابة” والثالثة وهي مسرحيتنا التي نحن بصددها وقد فشلت فشلاً ذريعاً حينما عرضت أول مرة لأن المخرج والممثلين لم يفطنوا إلى الأسلوب المسرحي الجديد الذي عالج به “تشيكوف” مسرحيته، ولا هم فطنوا إلى الخيال الرحب الذي تحتاج إليه.. فكانت النتيجة أن قرر “تشيكوف” الامتناع عن كتابة المسرحيات بعد فشله المرير في سانت بطرسبرغ.. ولكن من حسن حظ العالم أن “مسرح موسكو للفن” أقنعه بالسماح لفرقته بإعطاء مسرحية “طائر النورس” فرصة ثانية جديدة.. وكان أن أتت تلك الفرصة بنجاح باهر للمسرحية التي أخذت مكانها إلى جوار المسرحيتين السابقتين وأضحت مسرحيات العبقري الروسي تمثل بنجاح ساحق على أكبر المسارح في أوروبا. شهادة صديق و”تشيكوف” كمفكر إنساني وكفيلسوف وككاتب مسرحي قد سبق عهده.. هو بحق حالة استثنائية بكل المقاييس.. فان كتاب اليوم يضربون في كتاباتهم على وتر واحد عزف هو عليه من قبلهم.. وتر واحد يأتي لهم بالصيت والنجاح السريع وهو: تضارب المشاعر في النفس البشرية، حتى ليصعب على الناس تفهم بعضهم بعضا على الرغم من العيش في مكان واحد.. وعلى الرغم من بيئتهم الواحدة وحياتهم الواحدة. لعل أفضل طريقة تساعدنا على فهم شخصية تشيكوف ونفسيته هي عن طريق ترجمة مقتطفات مما كتبه عنه صديقه الحميم (قسطنطين ستانسلافسكي) فكثيراً ما يتزمت المرء مع أهله ويطوي جوانحه على ما يمضه، ويهيل أكواماً من البسمات على جراح قلبه، حتى يخفيها على أقرب الناس إليه! وقد يأنس بروحه وبقلبه وبعقله في الوقت عينه إلى صديق لا يمت إليه بصله الدم، ولكن القلبين قد ائتلفا.. والروحين قد امتزجتا.. والعقلين قد تفاهما.. لقد كان “ستانسلافسكي” خير مرجع أكيد ووثيق يلجأ إليه المؤرخون عندما يكون “تشيكوف” موضع دراسة، وقد قال عنه: “أين ومتى قابلت “تشيكوف” لاول مرة؟ لا أتذكر! ربما كان ذلك عام 1889. لقد كنا نلتقي كثيرا في فترة تعارفنا الأولى، قبل أن يكون لـ”مسرح موسكو للفن” وجود. نلتقي من وقت لآخر في حفلات غداء رسمية.. أو في احتفالات.. أو في المسارح، وأنا هنا اكره أن اعترف أنني نفرت منه خلال ذلك الوقت.. لكنني نفرت منه حقا! لم ينفتح له قلبي.. فقد كان يبدو لي متكبرا.. متعجرفا.. ومتعاليا أشد الاستعلاء! لعل ذلك كان بسبب عادته في إلقاء رأسه إلى الخلف بين الفينة والفينة، مع أن الحقيقة التي تكشفت لي بعد ذلك، هي انه كان يلقي برأسه إلى الخلف لا استعلاء، ولكن لانه كان ضعيف النظر وتساعده تلك الحركة التي يكررها على الرؤية خلال نظارته الطبية التي تمسك بأنفه! كما كانت عادته في التطلع والنظر إلى ما فوق رأس محدثه تجعله يبدو متكبرا غير مخلص. كانت عادته في تكرار لمس نظارته وتثبيتها فوق أرنبة انفه! ذلك، مع أن الحقيقة هي أن عاداته هذه جميعها كانت نتيجة لحياء أصيل جميل متغلغل في نفسه.. حياء لم أتبينه بادئ ذي بدء”. ويقول “ستانسلافسكي” أيضا عنه: “ولكن يجب ألا يظن أحدكم أن لقاءنا بعد نجاح مسرحية “طائر النورس” كان لقاء مثيرا! لقد هز “تشيكوف” يدي بشيء من الحرارة وابتسم بظرف، وهذا كل ما في الأمر! فلم يكن من محبي الإفراط في التعبير أو التوسع فيه، على حين كنت أنا اشعر بدافع قوي نحو التعبير الجارف منذ صرت من اشد المعجبين به وأخلصهم! صرت أتمنى لو أنني كنت اكبر مما أنا واكثر ذكاء مما خلقني الله! لذلك كنت في حديثي معه، اختار كلمات فخمة ضخمة عن قصد وأحاول الكلام عن أموره مهمة! حقا لقد كنت أشبه بامرأة مفتونة ملتاعة في حضرة من تحب وتهوى! ولقد شعر هو بهذا واحرج به اشد الحرج، كما أنني لم استطع تمالك نفسي وضبط شعوري للتغيير المخيف الذي طرأ عليه! فقد بصمه مرضه القاتل “مرض السل” ببصماته القاسية.. فلعل التعبير الذي ارتسم على وجهي حينئذ قد أرعبه على كل حال، وجدنا انه من المحال البقاء معا وحدنا ولحسن الحظ دخل علينا حينئذ “نميروفيتش دانشنكو” ورحنا نتحدث عن شؤون مسرحية.. واهمها رغبتنا أنا و”دانشنكو” في الحصول على حق إخراج مسرحية “طائر النورس” وهي واحدة من روائع “تشيكوف” الإنسانية.. وقد أخرجناها بنجاح باهر”. قرب النهاية في عام 1900 سافر “تشيكوف” إلى “سيباستوبول” حيث كانت فرقة “مسرح موسكو للفن” تقوم بجولة، وهناك شاهد مسرحية “طائر النورس” بثوب جديد وكأنها تخرج لأول مرة.. وفي ذلك يقول “ستانسلافسكي”: “كان اليوم هو يوم الأحد، وقد انتظرنا بفارغ الصبر وصول الباخرة المقبلة من “يالتا” والتي تحمل تشيكوف على ظهرها، وأخيراً رأيناه. كان آخر من غادر قمرته، وبدا وجهه مجهداً شديد الشحوب. وكان يسعل سعالاً قوياً، وكانت عيناه حزينتين ـ عينا رجل مريض ـ ومع ذلك حاول جهده تحيتنا بابتسامة، فشعرت حينها برغبة شديدة في البكاء” لقد جلس “تشيكوف” تلك الليلة في مقصورة مخرج مسرحيته “دانشنكو” مختفياً في الظلال.. ويومها أيضاً اتعب الجميع حتى قبل أن يصعد على خشبة المسرح ليتقبل تحية الجماهير المتحمسة. وصرح “تشيكوف” بعد ذلك انه قد استمتع بمشاهدة المسرحية استمتاعا خالصا. وكتب “تشيكوف” مسرحيتين أخريين بعد هذا النجاح وهما: “الشقيقات الثلاث” وكتبها العام 1901، و”بستان الكرز” وتجري أحداثها في بيئة اجتماعية تصور انتقال السلطة من الأرستقراطية الإقطاعية إلى البرجوازية الصاعدة، ونسبها النقاد إلى ذلك النوع من مسرحيات الصراع الاجتماعي أو الصراع الطبقي. في مسيرة حياة “تشيكوف” الكثير من الأحداث والمواقف.. فقد تزوج الممثلة الروسية الشابة “اولجانيير” التي كانت تقوم بدور البطولة في معظم مسرحياته التي كتبها قبل أن يرحل عن الدنيا في الثاني من يونيو من العام 1904. وقد نقل المؤرخون قوله لها يوم عرض مسرحيته “الخال فانيا” لأول مرة مما يكشف عن صفة التواضع في شخصيته: “أيتها الممثلة الحلوة .. إنني أفهم حالتك النفسية، أفهمها تماما! ومع ذلك، لو أنني كنت مكانك لما كنت على تلك الحال اليائسة! إن مسرحيتي قديمة، قد مضى عهدها كما أن بها عيوباً كثيرة! فإذا لم يستطع نصف الممثلين أن يتشرب بروحها.. وأن يتحمس لأحداثها.. وأن يندمج اندماجاً تاماً فيها، فالعيب بالطبع في المسرحية لا فيهم! هذه هي النقطة الأولى. أما النقطة الثانية فهي: عليك أن تمتنعي تماماً عن التفكير في النجاح والفشل. فهذا ليس من شأنك! أما النقطة الثالثة فهي أن مدير فرقتكم قد أبرق إلي بأن الليلة الثانية من عرض المسرحية كانت ناجحة نجاحاً ساحقاً، وقد أدى كل ممثل دوره بتفوق، وإنه راضٍ تماماً عن العرض”.. وفي سياق التواضع يقول أيضاً حيث كان يرى أنه لم يحقق ما كان يحلم به في عالم الكتابة على الرغم من النجاحات الكبيرة التي حققها في هذا المجال، وما نقتطفه هنا ورد في كتاب رائع للناقد الفرنسي هنري تروبا من ترجمة حصة منيف شقيقة الروائي الكبير عبد الرحمن منيف: “إن جبالاً من الأخطاء تتراكم خلفي! كذلك تتراكم أطنان من الورق المملوء بالكتابة! وقد امتلأت حياتي بالنجاح المفاجئ، وبالرغم من ذلك فأنا أشعر بأنني لم اكتب سطراً واحداً له قيمة أدبية حقيقية! وأنني أتوق لأن اختبئ في مكان لمدة خمس سنوات لأنجز عملاً جاداً، ما زلت أحس أن واجبي أن أدرس وأتعلم كل شيء من بدايته إذ أنني ككاتب لست سوى إنسان جهول تماماً”. وقد عالج السير لورانس اوليفيه إخراج مسرحية “طائر النورس” ونجح في ذلك نجاحاً باهراً متصلاً. فلنقرأ معاً رأيه في “تشيكوف”: “مع أن الجانب الأكبر من المعاني في كتابات “تشيكوف” واضح بوجه عام، فإن المرء يتعثر بين الفينة والفينة فيما لابد من تسميته “روسية متأصلة” يظل سرها مستتراً بين السطور في عناد! فنجد مثالاً على ذلك الحوار الدافئ والمرير في المسرحية بما يغري في صنع مشاهد متدفقة مفعمة بالحياة، وهذه واحدة من سمات هذا الكاتب العبقري في انتقاء الكلمات ورصد الحالة النفسية للشخصية من خلال لغة خاصة”. تشيكوف صاحب مسرحيات: “الجلف” و”بستان الكرز” و”الشقيقات الثلاث” وغيرها من الروائع المسرحية ما زال يقف على رأس الفنانين العالميين الذين أبدعوا الكثير في مجال القصة القصيرة والرواية وفن المسرح.. ولا يكاد يوجد أديب حقيقي في أي بلد من بلدان العالم لم يتأثر أعمق التأثر بكتابات “تشيكوف” وأسلوبه الفريد، فهو المثل الأعلى للكتابة الأدبية الملأى بالعذوبة والشاعرية والحنان والتصوير الساحر العجيب لمشاكل الإنسان وأحزانه وتناقضاته، لأن كتاباته لم تكن مجرد تصوير لأحوال الناس في روسيا فحسب بل كانت كتابات عالمية إنسانية تعبر عن أحوال الناس في كل مكان على نحو الشمولية التي توافرت في مسرح شكسبير، كذلك كان هذا الكاتب صاحب موهبة وعبقرية عالية جداً، وان كتاباته ما زالت تعيش حية نابضة إلى اليوم وبنفس الجاذبية والجمال والإثارة التي كانت عند ظهورها لأول مرة في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©