الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«ناجورنو- كاراباخ».. عقبتان على طريق السلام

19 يونيو 2016 23:11
في مطلع شهر أبريل الماضي، شهد الوضع المتوتر في منطقة ناجورنو-كاراباخ اندلاع شرارة العنف مجدداً، عندما اشتبكت القوات الأذرية والأرمينية في قتال ضارٍ، أسفر عن سقوط 200 ضحية من الجانبين على الأقل. ومع أن الطرفين قد تجنبا تصعيد القتال إلى حرب شاملة، إلا أن وقف إطلاق النار بين قواتهما مازال هشاً، ولا يحول دون اندلاع القتال مجدداً. وعقب توقف القتال، اجتمع مسؤولون أميركيون، وروس، وفرنسيون مع الرئيسين الأرميني والأذري في شهر مايو المنصرم، للدفع باتجاه حل غير عسكري للأزمة، كما أنه من المقرر أن يجتمع الرئيسان لاستئناف المحادثات من أجل التوصل لتسوية شاملة. ولكن ذلك مهمة شاقة للغاية، لأن عقدين من المحادثات بين الجانبين، لم يؤديا للتوصل إلى اختراق، كما أن الحرب التي اندلعت مجدداً بينهما، ساهمت على إحداث المزيد من التقويض لآمال التوصل إلى حل وسط، وعززت من موقف القوى المتشددة على الجانبين، وبررت اللجوء لاستخدام القوة. على الجانب الأذري، شجع القتال هؤلاء الذين يصرون على شرعية، وجدوى، إعادة ضم إقليم ناجورنو- كاراباخ بالقوة. وعلى الجانب الأرميني، قوى ذلك القتال من عزيمة، هؤلاء الذين يصرون على عدم سحب القوات الأرمينية من المناطق المحيطة بالإقليم، أو القبول بأي حل لا يضمن استقلاله التام. كما أدى التصعيد الأخير أيضاً، إلى زيادة المخاوف وتعميق عدم الثقة والارتياب بين الجانبين. ومن المعروف أن أذربيجان كانت تشعر بإحباط عميق، تجاه الوضع القائم وخسارتها الفعلية لجزء مهم من أراضيها، كما كانت تشعر بنفس الدرجة من الإحباط تقريباً، تجاه عملية السلام التي تواصلت لسنوات، من دون نتائج تذكر. ويبدو أن القتال الأخير أدى لتغييرات في الخط الأمامي لمصلحة أذربيجان، وهو ما يمثل تطوراً مهماً، ليس فقط لأن الأرض المستعادة كبيرة المساحة، وذات أهمية استراتيجية، وإنما لأن المكاسب الأذرية قد وجهت ضربة للكبرياء الأرمني، ولشيء آخر أهم من ذلك، هو أنها دللت على أن وضع ناجورنو- كاراباخ ليس آمنا بالقدر الذي كانت تعتقده قيادة الإقليم. وفي حين أن التصعيد قد أدى، كما هو واضح، إلى زعزعة الجانب الأرميني، إلا أنه يبدو وكأنه قد ثبّت حالة اللانفراج العسكري الحالية. ومع أن التصعيد الأخير جعل استمرار هذه الحالة أكثر كلفة، أو أكثر خطورة بالنسبة للأرمن، إلا أنه لا يزال مع ذلك غير كافٍ، لإقناعهم بالتوصل لتسوية من خلال المفاوضات. وهناك عقبتان رئيسيتان تقفان في طريق التوصل لتسوية متفاوض عليها للنزاع حول ناجورنو- كاراباخ: العقبة الأولى: أنه من الصعوبة بمكان تسويق مثل هذه التسوية داخلياً. فالبحث الذي أجريته عن الصراع، يناقش مشكلة المحددات الداخلية للنزاع. فحتى إذا ما قام الرئيسان الأذري والأرميني بالدفع بقوة من أجل التوصل إلى اتفاق بشأن التسوية إلا أنه ليس من المرجح بالنسبة لأي طرف منهما أن يجد الكثير من الدعم سواء من حكومته، أو من شعبه. يشار في هذا السياق إلى أن القادة الأرمن الذين أبدوا موقفاً معتدلاً بدرجة زائدة في محادثات السلام، واجهوا ردود فعل معاكسة داخلية، وصلت إلى حد إجبار الرئيس السابق «ليفون تير- بيتروسيان» على التخلي عن منصبه عام 1998 بشكل عام ينظر خبراء السياسة الخارجية إلى الرئيس الأذري «إلهام علييف» على أنه قائد أشد مراساً من نظيره الأرمني. فمنذ أن جاء إلى السلطة عام 2003 عمل على تعزيز موقفه، لكنه لا يتمتع سوى بمساحة محدودة للغاية للمناورة، وهو ما يرجع أساساً للأزمة الاقتصادية التي تواجهها بلاده. العقبة الثانية: عدم وجود رغبة في التعايش. الحل المؤجل هو العقبة الثانية. فالمبادئ التي صاغت جوهر هذه المحادثات منذ انطلاقها عام 2005 تعمل على تأجيل تحديد الوضع النهائي لإقليم نجورنو- كرباخ. فوفقاً لهذه المبادئ من المقرر أن تنسحب القوات الأرمينية من المناطق المحيطة بالمنطقة، وأن يعود اللاجئون الذين نزحوا من ديارهم، وأن تتمتع المنطقة بوضع مؤقت تحت ضمانات دولية، ولكن المشكلة هي أنه لا يوجد جدول زمني متفق عليه لتنفيذ كل ذلك. وتقرير المصير النهائي للإقليم، سيتم وفقاً لتلك المبادئ بناء على «تعبير ملزم عن الإرادة». يفسر الجانب الأرمني ذلك بأنه يعني إجراء استفتاء على الاستقلال داخل المنطقة المتنازع عليها، ولكن الآذريين يرفضون ذلك ويصرون على أن الاستقلال النهائي للإقليم عنهم لا يمكن أن يكون خياراً. وعندما أشار وزير الخارجية الروسي «سيرجي لافروف» مؤخراً إلى أن جميع مكونات الاتفاق مطروحة على الطاولة، فإن الطرفين لم يتفقا على تفسير ماهية تلك المكونات، وعلى وجه الخصوص «التعبير الملزم عن الإرادة»، أو تسلسل تلك المكونات. وعلى الرغم من أن الوحدة الترابية يمكن، كما هو متخيل، أن تمثل خياراً جاذباً للناخبين في المناطق المتنازع عليها، إلا أن ذلك لا ينطبق على ناجورنو كاراباخ. فعندما يتعلق الأمر باستقلال الإقليم، نجد أن ثمة شبه إجماع على ذلك داخله. فلا توجد قوة سياسية واحدة تناقش الحاجة للاستقلال. ومن جانبها نجد أن الحكومة الآذرية، وعلى الرغم من إصرارها على إعادة دمج المنطقة في كيانها، لم تبذل مجهودا للتواصل مع الأرمن الذين يعيشون في الإقليم من أجل بناء الثقة. *محاضرة رئيسية لمادة العلوم السياسية بجامعة يورك البريطانية ينشر بترتيب خاص مع خدمة«واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©