الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جبرة العين

19 يونيو 2016 23:16
ما إن تقبل على تلك الجبرة المقاومة للتغيير والانجراف وراء تيارات الحداثة حتى تشم روائح قديمة وعبقاً تاريخياً منعشاً، يعيدك إلى ثمانينيات القرن الماضي بألوانه واحتياجاته وأشخاصه، فقد اختزلت تلك الجبرة أشكالاً وعبارات ومواد وذكريات لن يصادفها الباحث إلا في ذلك المربع الصغير في حجمه العظيم في تاريخه. وكم هي ممتعة تلك الجبرة حين تلتقي مع شهر رمضان المبارك الذي تجمعه بها ذكريات يستشعرها من كان لذاكرته حضور واستطاعت تسجيل ما كان بينهما من علاقة خاصة، فالمأكولات الرمضانية من خبز الرقاق ومن سمن البقر والرطب الطازج واللبن المجفف (اليقط) ودبس التمر واللومي اليابس، والعسل الصافي، والأسماك المجففة (العوال والجاشع) والمملحة (المالح) والخضروات والفواكه المقطوفة من المزارع الخاصة، والمشغولات اليدوية من سعف النخيل كالخصفة والمهفة، والسمك الطازج رغم خلو مدينة العين من البحار. وما يزيد نكهة جبرة العين طعماً أولئك المسنون الذين يقومون ببيع البضائع بأنفسهم، وإن كان الأمر لايخلو من باعة السوق من العمالة الآسيوية إلا أن الصورة الطاغية على جبرة العين مقابلة تلك الوجوه الكريمة من الشواب والعيايز وبيعهم لمنتجات رغم بساطتها، فإنها مطلب للكثير غير متوفر لدى غيرهم. جبرة العين ذلك المكان المريح الذي يمكن زيارته لمجرد إشباع حاجة شعورية كالحنين إلى الماضي المضيء الذي نراه مجسماً فيها، أصبح الكثير منا قلقاً من تغييرها إلى سوق خضار حديث مليء بالفواكه والخضار المعدل وراثياً، أو على الأقل مليء بالمواد الكيميائية التي تهدد الصحة البشرية. إن التغيير مطلب ضروري في الحياة، ولابد من وجوده واحتوائه لكل مكونات الوجود وكل موجودات الحياة، ولكن لاضير أن يبقى مكاناً كجبرة العين يصل العديد منا بحقبة زمنية عبر أشخاصه ومحتوياته وروائحه، ولا بأس من تطويره مبنى وتنظيما ما لم يمس ذلك التغيير الموجودات من البضائع والموجودين من الأشخاص الذين سيغير وجودهم الكثير بالنسبة لمن عرف جبرة العين وأحب ارتيادها واعتاد رؤيتهم منتشرين في أطرافها.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©