الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فرح مؤقت

فرح مؤقت
20 أغسطس 2009 20:54
سكنت إلى نفسها ترقب الصغار يركضون في أرجاء حياتهم، تتطلع إلى مستقبلهم، تحاول الإمساك بخيوطه، تسترجع ذكريات صغارها حين كانت في عنفوان شبابها، تفرش الفرحة وتلف بيتها السعادة والقلق، حين مسكت بيد رجل وسارا في درب الحياة وأقسما أن يكونا معا ولا يفترقا ليصلا بأولادهما لبر الأمان، تعاهدا على الحب والوفاء، رغم بساطة العيش عرفا كيف يتحدثان وكيف يوصلان دواخل مشاعرهما، يطفوا غضبهما ويتأجج وينطفئ ويخبو لتحل البسمة، كانت تترقب نجاحاتهم وتهلل لها، تبتهل، تقيم الولائم، وتخرج الصدقات لتجنب أولادها عاديات الزمان وغضبه، لم تكن حاجتها في الدنيا لا مال ولا عقار، بل استثمار في الولد، كبوات الحياة وعراقيلها علمتها الصمود وإلغاء البكاء، أسقط من حياتها معنى الخيبة والفشل، ناهضت قهر الدنيا بالصبر والحكمة، جاهدت ليكون بيتها عامرا مستقبلا، تسرب العمر وتوالت الأحداث وكبر الأولاد وغادر أغلبهم، رحل رفيق دربها وظلت وحيدة تنظر من يطرق بابها، من يخابرها ويتحدث معها، من يكلمها ويؤنس وحدها، تتعاقب الفصول والشهور والأسابيع والأيام والليالي، طويلة هي تلك الأيام الموحشة الباردة من غير ولد ولا ونيس، قاسية حياة الانتظار والترقب، انتظار وانتظار... تمني النفس باللقاء، بالعودة والفرح، تجمل حياتها بالصبر، يقهرها الحنين، حيث يفارقها الزمن عن محبيها. يرجعون لأيام معدودة تقيم ولائم السعادة على شرفهم، ترجع لأيامها الغابرة حين كان لا ينطفئ ضوء البيت ولا تسكن زواياه إلا نادرا، تضحك بدموعها، تعيش الفرح المؤقت، تسكب حنانها وحنينها، تعم البهجة، وتسعد بحياتها من جديد، تفيض مشاعرها وتغسل هموم وحدتها، تسترجع حيويتها، يفيض حنانها عن كل من حولها، وتعيش تلاوين الحياة من جديد والحب المتجدد، فلم يعد الأولاد فقط من يملأون حياتها، بل صغارهم كذلك، تزدان زوايا بيتها، وتشتعل سعادة، تسترجع عافيتها وتتخلى على أغلب مسكناتها، تلغي تحذيرات الأطباء من السهر والتعب، ولا شيء ينهكها، تلغي كل طقوس أيامها المنصرمة، تتمرد وتعيش السهر والسمر. وفجأة تنقضي الأيام ويحين الرحيل، تراها تنكب على نفسها، وتسكن مشاعرها، لا تملك إلا دموعها تغسل وجنتيها، ويعتلي الشحوب ملامحها، فجأة تنقضي الأيام ويسكن بيتها وتنطفئ أضواء أرجائه، يتلاشى صراخ الأطفال وتغيب ضحكاتهم البريئة، ترجع لوحدتها وانتظارها، ترجع لأدويتها الكثيرة، تتمزق حياتها شوقا وحنينا، ينفطر قلبها، يرثى لحالها، ولحال مثيلاتها، يخلفن وفجأة تجدهن بدون أولاد، هكذا ستجلس تعد لياليها الباردة وتنظر قدوم من يأتي أو قد لا يأتي. لكبيرة التونسي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©