الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

في ذكرى الحريق المشؤوم.. الأقصى في خطر

في ذكرى الحريق المشؤوم.. الأقصى في خطر
20 أغسطس 2009 21:01
تمر بنا في هذه الأيام ذكرى مريرة على قلوبنا، ألا وهي الذكرى الأربعون لإحراق المسجد الأقصى المبارك والتي توافق الحادي والعشرين من شهر أغسطس من كل عام، حيث اعتدى الإسرائيليون على أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين الشريفين بالنسبة للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، فقد تعرض المسجد الأقصى المبارك للحريق المشؤوم وأصبح منبر البطل صلاح الدين أثراً بعد عين، هذا الحريق الذي أيقظ أمة، وأنشأ منظمة، هي منظمة المؤتمر الإسلامي، وهذا الاعتداء ليس جديداً، فقد سبقته حوادث عديدة منها إغلاق باب المغاربة، والسيطرة عليه، ومن ثم هدم حي المغاربة، وبعده مجزرة الأقصى عام 1990، وأحداث النفق عام 1996، وحرق باب الغوانمة والتضييق على الأوقاف في إصلاح وترميم المسجد، ومنع المصلين من الوصول إلى المسجد الأقصى المبارك لتكتحل عيونهم بالصلاة فيه. إن ذكرى حريق المسجد الأقصى تتزامن مع الهجمة الشرسة التي تتعرض لها مدينة القدس بصفة عامة والمسجد الأقصى بصفة خاصة، حيث قامت سلطات الاحتلال الإسرائيلي بمصادرة آلاف الدونمات من أراضي محافظة القدس، لتوسعة المستوطنات الإسرائيلية التي تقع شرق القدس، بالإضافة إلى إعلان سلطات الاحتلال الإسرائيلي عن طرح عطاء لبناء ستة آلاف وحدة سكنية حول مدينة القدس بهدف عزل هذه المدينة عن محيطها، وما المخططات الخطيرة التي تم كشف النقاب عنها في الأيام الماضية وهي عبارة عن وثيقة إسرائيلية رسمية تعتبر الساحات المحيطة بالمسجد الأقصى المبارك وقبة الصخرة المشرفة «ساحات عامة»، ووثائق أخرى تبين قرار سلطات الاحتلال إقامة مجموعة من الكنس اليهودية في الجهة الغربية الجنوبية، وبناء جسر بعرض 18 متراً لربط ساحة المغاربة بالمسجد الأقصى من خلال باب المغاربة. إن سلطات الاحتلال الإسرائيلي تقوم بعملية تهويد للمدينة المقدسة، والمقصود من ذلك هو ما يتم الآن داخل البلدة القديمة من سيطرة على بعض المنازل، ومصادرة لهويات المقدسيين، وفي الوقت ذاته هناك عملية تطوير للمستوطنات الواقعة خارج حدود بلدية القدس حيث يجري العمل على إقامة أكثر من خمسين ألف وحدة سكنية للمستوطنين، فسلطات الاحتلال تسعى إلى أمور عديدة من وراء ذلك منها الخروج من حدود القدس لتنفيذ مخطط القدس الكبرى، وإحداث تغيير ديموغرافي داخل مدينة القدس، والأمر الثالث : وهو الأهم حيث يقضي بفصل شمال الضفة الغربية عن جنوبها. إن مشروع «القدس الكبرى» الذي خططت له حكومات ومؤسسات يهودية محلية ودولية يستهدف القدس الشرقية كلها وضواحيها أيضاً، فقد تمت المصادقة في العام 1997أيضا على إقامة ما سُمي بالبوابة الشرقية للقدس، التي تبلغ مساحتها 2200 دونم، لإقامة حوالي 2000 وحدة سكنية كمنطقة للصناعات التكنولوجية العالية، وأرى أن كل ذلك يأتي ضمن إطار إغلاق القدس من الناحية الشرقية، وبالتالي إحداث تغيير ديموغرافي لمصلحة الجانب الإسرائيلي وعدم إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس. إن مدينة القدس تحتل مكاناً مميزاً في نفوس العرب والمسلمين، فهي المدينة التي تهفو إليها نفوس المسلمين، وتشد إليها الرحال من كل أنحاء المعمورة، ففيها المسجد الأقصى المبارك أولى القبلتين، وثاني المسجدين، وثالث الحرمين الشريفين، وفيها التاريخ الإسلامي العريق الذي يزرع نفسه بقوة في كل شارع من شوارع القدس، وكل حجر من حجارتها المقدسة، وكل أثر من آثارها. إن ارتباط المسلمين بالمسجد الأقصى المبارك ارتباط عقدي، وليس ارتباطاً انفعالياً عابراً، ولا موسمياً مؤقتاً، حيث إن حادثة الإسراء والمعراج من المعجزات، والمعجزات جزء من العقيدة الإسلامية. إن الفلسطينيين يرفضون القرارات الجائرة التي تتخذها الحكومة الإسرائيلية لتهويد المدينة المقدسة، فمدينة القدس مدينة فلسطينية عربية إسلامية وهي العاصمة الأبدية لدولة فلسطين، كما يرفضون رفضاً باتاً الإجراءات الإسرائيلية بتوسيع حدود بلدية القدس، وكذلك القرارات الصادرة عن محكمة العدل العليا التي تسمح لليهود بالصلاة في ساحات الحرم، ويدينون بشدة الاعتداءات الإسرائيلية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في فلسطين، ومنع المصلين من أداء صلاة الجمعة في المساجد، كما يستنكرون العبارات والألفاظ البذيئة التي تصدر عبر وسائل إعلامهم بحق الفلسطينيين والعرب والمسلمين، ويشجبون بشدة التصريحات حول إقامة كنيس يهودي في ساحات الحرم القدسي الشريف أو بجواره، فالمسجد الأقصى المبارك وقف إسلامي بكل ساحاته ومصاطبه وقبابه وأسواره وكل ما تحته وقف وما فوقه وقف إسلامي ليس لغير المسلمين حق فيه فالمسجد الأقصى المبارك مسجد إسلامي بقرار رباني وليس بقرار وضعي. لقد قامت الدنيا ولم تقعد عندما هدم معبد بوذا، وعقدت الاجتماعات على أعلى المستويات، ومجلس الأمن، فأين هذه المؤسسات اليوم مما يحدث للأقصى الأسير، من محاولات لهدمه، وتصديع بنيانه، ومنع أهله من الوصول إليه. أين هي حرية العبادة ؟! وأين أدعياء حضارة القرن الحادي والعشرين ؟! فمن جوار المسجد الأقصى المبارك نوجه نداء إلى المليار ونصف المليار مسلم باسم القدس والأقصى الأسير، وأهله المحاصرين، يخاطبهم الأقصى، كما خاطب القائد صلاح الدين: يا أيها الملك الـــــذي لمعالــم الطغيـان نكــــــس جاءت إليك ظلامـــــة تشكو من البيت المقدس كل المساجد طهــرت وأنا على شرفي مـــدنس لقد كانت مدينة القدس سبباً في وحدة المسلمين أيام الصليبيين، وهي التي ستوحد العرب والمسلمين إن شاء الله. لذلك فيجب على الأمتين العربية والإسلامية أن تجمع شملها وتوحد كلمتها لتتمكن من إعادة تحرير القدس والمقدسات. إن مسؤولية الدفاع عن المسجد الأقصى المبارك ليست مسؤولية الشعب الفلسطيني وحده وإن كان هو رأس الحربة، فهو الشعب الذي منحه الله عز وجل شرف المرابطة في هذه البلاد (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، ولعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك، قيل: أين هم يا رسول الله؟ قال: (ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس) (أخرجه أحمد). إنها مسؤولية العرب والمسلمين في مساندة هذا الشعب، والوقوف بجانبه ودعم صموده للمحافظة على أرضه ومقدساته، خصوصاً في هذه الأيام التي يتعرض فيها المسجد الأقصى المبارك لمؤامرات خبيثة، للحديث الشريف (أفتنا في بيت المقدس ؟ فقال: أرض المحشر والمنشر، إئتوه فصلوا فيه فإن كل صلاة فيه كألف صلاة في غيره، قالوا : ومن لم يستطع أن يأتيه ؟ قال : فليبعث بزيت يسرج في قناديله، فإن من أهدى له زيتاً كان كمن أتاه) ( أخرجه أحمد) . فلماذا لا تعقد المؤسسات العربية والإسلامية اجتماعات لها لمناقشة هذا الوضع الخطير؟! وهل هناك أهم وأخطر من أولى القبلتين ومسرى النبي محمد صلى الله عليه وسلم ؟! وبهذه المناسبة ندعو جماهير شعبنا الفلسطيني إلى رص الصفوف وجمع الشمل وتوحيد الكلمة، للدفاع عن المقدسات كافة، وعن المسجد الأقصى المبارك بصفة خاصة، وشدّ الرحال إليه دائماً، لإعماره وحمايته من المؤامرات الخطيرة، فسر قوتنا في وحدتنا، وإن ضعفنا في فرقتنا وتخاذلنا. كما ونناشد منظمة المؤتمر الإسلامي ولجنة القدس ورابطة العالم الإسلامي وجامعة الدول العربية بضرورة التحرك السريع والجاد لإنقاذ المسجد الأقصى المبارك، ووقف الاعتداءات الإسرائيلية في مدينة القدس، وسائر الأراضي الفلسطينية. وعلينا أن نعلم بأن يد الله مع الجماعة، والمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً، وأن الليل مهما طال فلا بد من بزوغ الفجر، وإن الفجر آت بإذن الله. وليعلم الجميع بأن الباطل مهما قويت شوكته وكثر أعوانه فلا بد له من يوم يخر فيه صريعاً أمام قوة الحق والإيمان، ( كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ (سورة الرعد الآية (17 ) ). وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين بقلم الشيخ الدكتور يوسف جمعة سلامة خطيب المسجد الأقصى المبارك
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©