الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

علمانيو تركيا··· وخط الدفاع الدستوري

علمانيو تركيا··· وخط الدفاع الدستوري
23 يونيو 2008 02:15
لا يزال حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا ينتظر بقلق بالغ صدور قرار دستوري، ربما يوجه بحظر نشاطه وطرد الكثيرين من أعضائه وقادته من الحياة السياسية، إلا أن قادته يتحمسون للحديث عن دوافع وأسباب ردة الفعل العنيفة هذه إزاء ما فعله حزبهم في الفترة الأخيرة من الحياة السياسية التركية، من بين هؤلاء يقول ''سعد الله إيرجن'' -أحد قادة الحزب من الناشطين سابقاً الذين يودون لتركيا أن تكون دولة مفتوحة وأكثر تسامحاً مع ناشطيها الإسلاميين-: ''حذار فأنت تتحدثين مع شخص مذنب خطاء''، هذا وتمتد التهمة الموجهة إلى السيد ''إيرجن'' ورفاقه من أعضاء الحزب إلى 160 صفحة، أصابت الحياة السياسية التركية بالشلل التام منذ رفع هذه الاتهامات إلى المحكمة الدستورية العليا في شهر مارس الماضي، يذكر أن ''إيرجن'' كان قد سبق له أن أدان الحظر المفروض سابقاً على ارتداء الفتيات للحجاب في المدارس والحرم الجامعي والمؤسسات الحكومية العامة، واصفاً إياه بأنه انتهاك لحقوق الإنسان· وتأكيداً لهذا الموقف انضم ''إيرجن'' إلى قائمة الموقعين على مشروع قانون يقضي برفع ذلك الحظر، بل تحدث ''إيرجن'' عن هذا الأمر في أحد البرامج التلفزيونية، غير أن التهمة الكبرى الموجهة إليه هي ارتباطه الوثيق بـ''طيب رجب أردوجان'' -رئيس الوزراء وزعيم حزب العدالة والتنمية- الذي لا يزال مهيمناً على المؤسسة الرئاسية والبرلمان والتشكيل الحكومي· ويعتقد خصوم هذا الحزب الإسلامي، أنه تمكن أكثر من غيره من القوى السياسية الأخرى على امتداد تاريخ تركيا الحديث، من فك قبضة العلمانيين على السلطة، وتقوم لائحة الاتهامات الموجهة إلى الحزب على اعتقاد بأنه يسعى إلى تحويل تركيا، بصفتها دولة ديمقراطية علمانية في الأساس، إلى دولة إسلامية، وهي التهمة التي نفاها ''إيرجن'' بشدة ووصفها بأنها تهمة سياسية وليست قانونية البتة، وهذا وافقه عليه حتى الليبراليون الذين هم أول من تعلو أصواتهم بالانتقادات لما يرون فيه نشاطاً إسلامياً من قبل الحزب الحاكم، تجري ممارسته على مستوى الحكومة التركية ومؤسساتها· ويرى الكثيرون أن الدعوى القضائية المثارة الآن ضد حزب العدالة والتنمية، تمثل آخر محاولات الحرس العلماني القديم، وهو معسكر قوي النفوذ يتألف من الجيش والمؤسسة القضائية، للتشبث بالسلطة واستعادتها من الإسلاميين· يذكر أن المحاولات السابقة التي قام بها هذا المعسكر في العام الماضي لإقصاء ''طيب رجب أردوجان'' من السلطة، قد عادت بنتائج عكسية في صناديق الاقتراع، كان الفوز فيها لصالح ''أردوجان'' وحزبه، وحين لم تفلح هذه المحاولة انتخابياً، فهاهو المعسكر نفسه يلجأ اليوم إلى حلفائه في الجهاز القضائي على أمل الانتصار له بإقصاء ''أردوجان'' وحزبه مرة واحدة وإلى الأبد من الحياة السياسية· وكما قال ''باسكن أوران'' -أستاذ العلاقات الدولية بجامعة أنقرة- فإن العلمانيين يلعبون ''لعبتهم الأخيرة''، بعد أن عجز الجيش عن تنفيذ الانقلابات، ولذلك فإن خط الدفاع الأخير المتبقي لهم هو المؤسسة الدستورية، ففي مساء السبت الماضي، جاب موكب شعبي ضم آلاف المشاركين من شتى ألوان الطيف السياسي، شوارع اسطنبول، وهو يقرع الطبول ويحمل لافتات زهرية كتبت عليها عبارات مثل ''ارفعوا أصواتكم ضد الانقلابات العسكرية''، وعلى حد تعليق ''هلال كابلان'' -وهو طالب بقسم الدراسات العليا- فإن هذه هي المرة الأولى التي ترتفع فيها أصوات الاحتجاج الشعبي ضد الانقلابات العسكرية، وفي هذا التعبير ما يعكس مدى الغضب الشعبي المحتقن مما حدث في تاريخ بلادنا· وفي الجانب الآخر، فإن من رأي ''طيب رجب أردوجان'' أن من الواجب وضع حد لممارسات ''حزب الشعب الجمهوري'' المدعوم من قبل الحرس القديم، الساعي للهيمنة على جميع المناصب الوزارية في الحكومة، في سبيل المحافظة على الطبيعة العلمانية للدولة التركية، وأكد ''أردوجان'' رغبته في المزيد من التوجهات العلمانية لبلاده، شريطة أن تفتح الطريق أمام اتساع أكبر للحريات لكافة المواطنين· هذا ويعد الصراع الدائر الآن بين العلمانيين والإسلاميين، مجرد صفحة من صفحات تاريخ طويل كان قد حدد اتجاهاته وبداياته كمال أتاتورك الزعيم المؤسس للدولة التركية الحديثة في عشرينيات العقد الماضي، وكان ''أتاتورك'' قد ولى وجهه شطر أوروبا وتقاليدها وثقافتها، بينما قرر قطع أي صلة لبلاده بالشرق، وشملت تلك التغييرات الراديكالية التي أحدثها أتاتورك في ''تركيا الفتاة'': تغيير طريقة الأبجدية التركية بحيث تكتب بالأحرف اللاتينية، ووضع المساجد تحت رقابة الدولة، إلى جانب هدمه للتراتب الهرمي الديني السائد حينئذ· علّق على هذه التحولات ''دنيجر فيرات'' -نائب رئيس حزب العدالة والتنمية- بقوله: ''لقد كانت صدمة كبيرة ومفاجئة للمجتمع التركي، فبين ليلة وضحاها، طولب بتغيير طريقة لبسه ولغته وتقاليده وعاداته، بينما تفككت مؤسساته الدينية القائمة على مر القرون''· وما لم يكن المجتمع التركي قد مر بتلك الصدمة الكبيرة، لما اهتم كثيراً للطريقة التي يلبس بها· يذكر أن التهمة الموجهة إلى السيد ''فيرات'' هي تصريحه لأحد الصحفيين بقوله: ''إن على الذين يبدون كل هذا الهوس بمسألة الحجاب، أن يعرضوا أنفسهم على أطباء نفسانيين''· غير أن تلك الصدمة المؤلمة نفسها، أثمرت مجتمعاً مزدهراً وشديد الوعي بقضايا السياسة والدين والانتماء العرقي والطبقي، على أن لهذا المجتمع نفسه سمة أخرى، يكاد ينفرد بها لوحده في المنطقة الإقليمية كلها، تتلخص في قوة شكيمة المؤسستين العسكرية والقضائية، الممثلة لمراكز نفوذ الحرس العلماني القديم، والمعروف عن الجيش التركي بصفة خاصة، أنه ظل ممسكاً دائماً بخيوط اللعبة السياسية التركية من وراء الكواليس، وقد سبقت له الإطاحة أربع مرات بحكومات ديمقراطية منتخبة منذ عام 1960 وإلى اليوم، ومع تضاؤل احتمالات الانقلاب العسكري، فليس مستبعداً أن يحقق الحرس القديم أهدافه هذه المرة عن طريق الانقلاب الدستوري· سابرينا تافارينز- اسطنبول ينشر بترتيب خاص مع خدمة ''نيويورك تايمز''
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©