الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الحرية··· عشق

23 يونيو 2008 02:17
نادرة هي الحالات التي يهتز فيها العالم وتقف شعوبه كلها على قدم واحدة، نادرة هي الأوقات التي يسري فيها بين الشعوب شيء أشبه بالمس الكهربائي، وتغلي فيها مراجل الغضب والتضامن الشعبي العام، وتشد فيها أوتار روتين الحياة اليومية العادية المألوفة، حين تهب الملايين من البشر، معلنة عصيانها وخروجها على القوانين والمألوف، رافعة مطالبتها بتغيير نواميس الحياة، ساعية بذلك إلى قلب صفحة جديدة من صفحات التاريخ· هي لحظات ثلاث معاصرة فحسب تلك التي شهدت ثورات كهذه سرت سريان النار في هشيم العالم كله· فخلال الفترة الممتدة بين 1776-1789 هبت كل من الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا في وجه كبرى النظم الأتوقراطية القابضة، وانتفضت على تراث انتهاكاتها الطويلة المشينة لحقوق الإنسان، واستطاعت كلتاهما إحلال تلك النظم بنظم حكم جمهوري مغايرة تماماً لما كان عليه الوضع سابقاً، وفي عام 1848 اكتسحت أوروبا ثورة عارمة قادها الليبراليون الوطنيون والديمقراطيون ضد العروش الحاكمة في كل من وفرنسا وبروسيا وغيرهما، وامتد تأثير هذه الثورة واقتلاعها للنظم الملكية الحاكمة حتى البرازيل، ثم تلتها انتفاضة الطلاب والشباب التي عمت كلاً من الولايات المتحدة الأميركية، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، تشيكوسلوفاكيا، وبولندا والمكسيك، التي احتج خلالها ملايين الطلاب على مؤسسات آبائهم وأجدادهم القائمة، في مقابل مطالبتهم بتشييد عالم حر جديد، أكثر ملاءمة لنمط حياتهم ومفاهيمهم وتطلعاتهم· لقد كانت تلك انتفاضة شبابية ضد ثقافة شائخة متكلسة، اعتقد الشباب أنها كانت خانقة لهم ومعادية للإناث وللاختلاف عما هو سائد مما شيده الآباء عموماً· وضمت تلك الانتفاضة عناصر وفئات جد متباينة في الانتماء والرؤى والأهداف والاتجاه الفكري السياسي، إلا أنها كانت تتألف من خليط من المطالبين بقلب تربة العالم القائم، وتشييد عالم جديد حر وأكثر انفتاحاً وتسامحاً وديمقراطية منه مع الشباب، وكانت أبرز سماتها تزكية الثقافة الشبابية وإعلاؤها على الأيديولوجيات الأبوية المتكلسة، مع إظهار عدوان شبابي خاص لارتباط هذه الأيديولوجيات بالحرب، وإحكام قبضة النظم الحاكمة على الحياة· على أن جميع هذه السمات لا تغني عن ذكر السمة الجوهرية الأهم: عشق الحرية إلى حد الهوس والجنون· في العام 1968 انتفض الشباب الأميركي ضد حرب فيتنام، وبلغت حركة التحرير الأسود أوجها هناك، وفي الوقت نفسه تمردت الحركة الألمانية على جيل الآباء الذي تمنّع عن مواجهة ماضيه النازي، بينما ثار شباب التشيك على المارد السوفييتي الذي عصف بحكومة الإصلاحيين الشيوعيين، وكذلك علت أصوات الطلاب البولنديين المطالبة بحرية التعبير، أما في فرنسا فقد تمرد الشباب على نمط الدولة الديجولية البائدة، وثاروا ضد بلى النظام التعليمي لبلادهم، هذا وقد رفعت المطالبات نفسها بإصلاح النظامين السياسي والتعليمي في إيطاليا، وخلافاً لهاتين التجربتين الأخيرتين، تمحورت أهداف الانتفاضة الشبابية المكسيكية حول الإطاحة بنظام حكم الحزب الواحد· وكما رأينا في القضايا الانتخابية المثارة في حملة انتخابات 2008 الرئاسية الجارية في بلادنا، فإن التغيير الثقافي عادة ما يستغرق عدة عقود من الزمان كي يصبح واقعاً، وتبقى المقارنة كبيرة جداً بين عالم ما قبل ثورة 1968 وما بعد عصر التنوير، حيث كان محرماً التعدد العرقي في الزواج، وكانت تمنع المرأة من فتح حساب مصرفي باسمها قبل الحصول على موافقة الزوج، بينما تنبذ العلاقات الشاذة في أوساط الجنسين، ويضطهد السود، وعالم ما بعد ثورة 1968 الذي أفضت فيه التغيرات الثقافية الكبيرة والعميقة التي عمت كلاً من أميركا وباريس وغيرهما من الدول الغربية، إلى اختيار مرشح أسود لتولي الرئاسة الأميركية عن الحزب الديمقراطي، وكما قال ''داني كوهن'' -قائد ثورة الطلاب التي عمت فرنسا في مايو من عام 1968-: إنه من المستحيل لانقلاب كهذا أن يحدث في الوعي الاجتماعي، لولا الانقلاب الذي أحدثته عاصفة ·1968 تود جيتلن أستاذ الصحافة وعلم الاجتماع بجامعة كولومبيا ينشر بترتيب خاص مع خدمة ''لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست''
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©