الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«الرسم على الماء».. فن يزين الخطوط والآيات

«الرسم على الماء».. فن يزين الخطوط والآيات
20 يونيو 2016 18:52
مجدي عثمان (القاهرة) ارتبط «فن الإبرو» أو الرسم على الماء على مدى العصور الإسلامية المختلفة بفن الخط العربي ولازم تطوره، حيث استخدمه الفنان المسلم في تزيين اللوحات الخطية وآيات الذكر الحكيم، لتغطية الفراغات الأربع في كل ورقة، كما استخدم في مرحلة متقدمة في تغليف جلود المخطوطات من الداخل على شكل بطانة، ثم وضعت تلك الأوراق من الخارج بدلاً من الجلد. ويعود «الإبرو» تاريخياً إلى العصر السلجوقي «1070 - 1299م»، ثم العصر العثماني «1300 - 1923م»، على نطاق واسع في العصر الأول لتزيين وتلوين أغلفة الكتب والدفاتر واللوحات الخطية، ثم انتقل إلى الأوربيين بعد فتح القسطنطينية عام 1453م، وشهدت فترة حكم السلطان العثماني سليمان القانوني ازدهاراً لذلك الفن مع رواج فن الخط العربي، ولعل المقولة الموروثة من تلك الفترة، «المعرفة ترتبط بالشغف»، دفعت إلى الاهتمام بالفنون الإسلامية التي من بينها «فن الإبرو». بدأ التعرف إلى «الإبرو» خلال القرن الثاني عشر الميلادي في اليابان والصين تحت مسمى «سومينا جاشي» أو تعويم الأحبار على الماء ونقلها على ورق خاص، حيث فضل الخطاطون القدامى نوعاً يسمى «أجار»، الذي يحتوي على خلطة من النشادر وبياض البيض. وتُرجع بعض المصادر نشأة الإبرو إلى تركمانستان في آسيا الوسطى، حيث إن «إبرو» مشتقة من كلمة «إبر»، التي وردت في لغات آسيا الوسطى وتعني القماش ذي التعارق أو الورق المستخدم في تغليف وتبطين الكتب المقدسة، ثم انتقل إلى إيران عبر طريق الحرير وسُمي عند الإيرانيين بـ «الآبري» وتعني سطح الماء، ثم عُرف في بلاد الأناضول باسم «إبرو»، ومنها انتقل إلى أوروبا في القرن السادس عشر أي بعد فتح القسطنطينية بحوالي قرن - عن طريق التجار، وانتشر بعد ذلك بكثرة في إيطاليا وألمانيا وفرنسا وإنجلترا، وقد ظهر أول كتاب عن «فن الإبرو» في أوروبا في إيطاليا بمدينة روما عام 1626 تحت عنوان «الورق التركي». وتسمية «الإبرو» جاءت من «إبر» في الفارسية، التي تُعني الغيوم، وبالتركية معناها الورق الملون والمجزع أو الورق والقماش الملون بألوان مختلفة بشكل مموج يشبه حاجب العين، وقد توارثته الأجيال من خلال متصوفة التكية الأزبكية في منطقة أسكدار بإسطنبول. ومن أشهر رسامي الإبرو: محمد أفندي خطيب جامع آيا صوفيا، الشيخ صادق أفندي، إبراهيم أدهم أفندي، الخطاط سامي أفندي، ساجد أوك آي، سامي نجم الدين أوك ياي، الخطاط عزيز أفندي، عبد القادر قدري أفندي، نجم الدين أوك ياي، الخطاط أمين باران، ومن الجيل المعاصر حكمت بارودجي جيل وزوجته فوسون والخطاط محمد أوغور درمان. وتتنوع أشكال فن الإبرو عبر تاريخه الطويل، فهناك إبرو نجم الدين أوك ياي نسبة إلى مبتكره، ويسمى أيضاً إبرو مزهر وترسم عليه أزهار القرنفل والبنفسج والتيوليبا والسنبل، و«خطيب إبرو» أو «شرقي فلك»، الذي استحدثه الخطاط خطيب محمد أفندي مؤذن مسجد آيا صوفيا وبه أجزاء من الزهور وأشكال القلوب، وأبرو الممشيط، حيث يستخدم المشط خلال العمل، والإبرو المخطط، وفيه يُمزخ الخط العربي مع الإبرو بأن تكون الكتابة بالصمغ وعند وضع الورقة لا يقبل مكان الصمغ الألوان فيظهر الخط وسط الإبرو، وهناك «عكاسي إبرو» المرسوم من الخارج فقط، مع ترك الوسط فارغاً للكتابة، و«كوملو إبرو» أو المرمل، حيث يستخدم الرمل في إنتاجه، و«شال إبرو»، فهو يشبه نقش قماش غطاء الرأس للمرأة، كما توجد أنواع «إبرو بطاخال»، و«إبرو طراكلي»، و«تشيتشك إبرو». ويتميز فن الإبرو بتكرار نماذجه أو تقليده، ولإنتاجه يحتاج الـ «أبروزَن» أو فنان الإبرو إلى ورق يمتص الصبغات وإلى حوض على شكل مربع «تكنة»، حيث يقوم الفنان بخلط مادة بيضاء صمغية تسمى «كِتْرَه» أو الكيراجين أو «الخفرة» التي تستخرج من ساق عشبة تعرف باسم «عفان»، بمقادير معينة مع الماء، وبعدها تُفرغ الصبغات المجهَّزة على وجه الحوض المليء بالـ «كتره» ثم تحرك البقع الموجودة على سطح الماء بالفرشاة، التي يتكون رأسها من شعر ذيل الحصان أو من إبرة بأشكال متعددة وذات أسنة مختلفة، فهناك «السنبلة» و«الإبرة» و«خطيب الأبرو» و«المشط». وبعد ذلك، توضع الورقة الخاصة على سطح هذه الأشكال ثم تُمسك من الأطراف، وترفع ثم تقلب دون تحريك، وبذلك تُطبع الأشكال الموجودة على سطح الماء على الورقة، في تصميمات جمالية منها الصخري والرخامي والشال والممشط والطاووس وعش العندليب والمتردد. ومن فلسفة «الإبرو» تمكين الإنسان بهذا الفن من الهروب من العالم الخارجي والتّوغل في العالم الداخلي، حيث جوهره وأصله، ولعل الأشكال المرسومة على سطح الماء هي تعبير عن الفناء كالحياة الدنيا، ونقل هذه الأشكال إلى سطح الورقة إنما يدل على البقاء كالآخرة، إضافة إلى أن برعم الوردة في فن الأبرو يُمثل «الوحدة»، بينما الزهرة المتفتحة تدل على «الكثرة» المنبثقة من هذه الوحدة، وتمام الكمال، كفكرة المطلق والنسبي، كما ترمز إلى سمو الروح، ومن خلال الإبرو يستطيع الفنان أن يجرد نفسه من عالم المادة، وصولاً إلى عالم المعنى الروحاني.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©