الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«الوسطية» الخلاقة... ودروس الانتخابات البريطانية

«الوسطية» الخلاقة... ودروس الانتخابات البريطانية
10 مايو 2010 20:21
إي. دايون جونيور محلل سياسي أميركي تقدم بريطانيا اليوم للعالم درساً مباشراً حول بعض من أهم المسائل المتعلقة بالتنظير والممارسة الديمقراطية، وهو درس يجدر بنا أن نوليه اهتماماً كبيراً. فأحياناً، لا يستطيع المرء البقاء في وسط المشهد السياسي والاكتفاء بتوجيه الانتقادات لمن يقفون على يمينه وعلى يساره. بل عليه أن يختار، وهذا بالضبط هو الموقف الذي يجد فيه زعيم "الديمقراطيين الأحرار" نِك كليج نفسه اليوم، بعد الانتخابات غير الحاسمة التي عرفتها بلاده. وبعد معظم الانتخابات، يقول السياسيون عادة إن "الشعب قال كلمته"؛ والحال أن الشعب في بعض الأحيان يغمغم بكلام غير مفهوم؛ وفي أحيان أخرى، تصدر عنه أصوات متنافرة يغطي بعضها على بعض. غير أن الشعب البريطاني أطلق هذه المرة مزيجاً من الاثنين معاً؛ ولفهم ما حدث، من المهم أن نبدأ بالأرقام. فقد فاز حزب "المحافظين" الذي يتزعمه ديفيد كاميرون بـ306 مقاعد في البرلمان -وتفصله عن تحقيق الأغلبية عشرون مقعداً- و36 في المئة من الأصوات؛ بينما فاز حزب "العمال" الحاكم بـ258 مقعداً و29 في المئة من الأصوات؛ وفاز "الديمقراطيون الأحرار" بـ47 مقعداً و23 في المئة من الأصوات. أما الأحزاب الصغيرة، وهي في معظمها أحزاب قومية ومحلية، فقد حصلت على 29 مقعداً ونسبة لافتة من الأصوات بلغت 12 في المئة. وبالتالي، فإن الدرس الذي يمكن استخلاصه هو أن بإمكان المرء أن يعول على الفوضى عندما يكون ما زال لدى بلد ما نظام انتخابي يقوم على حزبين فقط على رغم أن الثنائية الحزبية قد انهارت عمليّاً. ففي عام 1970، حصل الحزبان البريطانيان الكبيران على 90 في المئة من الأصوات معاً؛ في حين لم يتمكنا الأسبوع الماضي من تأمين سوى 65 في المئة. شخصيّاً، أفضلُ نظام الحزبين لأنه يسمح للناخبين بانتخاب حكومة بشكل مباشر، في حين أن الأنظمة متعددة الأحزاب، لا تعكس فيها الائتلافات الحكومية التي يتم تشكيلها بعد الانتخابات ما كان يريده الناخبون إلا بشكل خافت. غير أن بريطانيا بدأت تتخلى عن الثنائية الحزبية منذ وقت طويل، وتحتاج على الأقل إلى عنصر من التمثيل النسبي، مثلما يطالب بذلك "الديمقراطيون الأحرار". ومن جهة أخرى، يعتبر "المحافظون" هم الأقرب إلى الفوز في هذه الانتخابات، ولاسيما أنهم حصلوا على عدد من الأصوات أكثر بمليونين مما حصلوا عليه في 2005، وهذا ما يفسر لماذا قد يحاول كاميرون، بعد انتهاء كل المناورات، أن يحكم بدون أغلبية. بيد أن المرء يستطيع أيضاً أن يجادل بأن الجميع قد خسر الانتخابات؛ ذلك أنه إذا كان 71 في المئة من الناخبين قد رفضوا حزب "العمال"، فإن 64 في المئة من الناخبين رفضوا أيضاً "المحافظين"؛ كما أن كليج فشل هو الآخر في تحقيق الاختراق الكبير الذي كان قد توقعه كثيرون. ولهذا، فإن كليج يجد نفسه اليوم في وضع صعب جداً. وقد تفاوض مع "المحافظين" خلال عطلة نهاية لأسبوع لأنه قال خلال الحملة الانتخابية إن الحزب الذي يحصل على أكبر عدد من الأصوات والمقاعد يجب أن يحظى بأول محاولة لتشكيل حكومة. وإذا أعطى كاميرون لكليج الاستفتاء الملزم حول التمثيل النسبي الذي لطالما طالب به "الديمقراطيون الأحرار" فإن حكومة ائتلافية بين كاميرون وكليج ستصبح إمكانية حقيقية. غير أن كاميرون، الذي يواجه مقاومة داخل حزبه، يريد أن يتجنب الانتقادات بسبب التنازل بخصوص الإصلاح الانتخابي. وبالمقابل، إذا انحاز كليج إلى "المحافظين" بدون أن يحصل على الإصلاح الانتخابي، فإن الصفقة يمكن أن تنسف حزبه؛ ذلك أن قاعدة "الديمقراطيين الأحرار" تميل إلى اليسار، وقد حصل الكثير من مرشحيهم الفائزين على دعم مهم من الناخبين الذين يميلون إلى "العمال" في دوائر لم تكن فيها لـ"العمال" أية فرصة. وإضافة إلى ذلك، فقد حذر العديد من المتعاطفين مع "الديمقراطيين الأحرار" زعيمهم كليج، خلال الأسابيع القليلة الماضية، من مغبة عقد اتفاق مع كاميرون، وهو اتفاق كانت بعض التقارير الإخبارية البريطانية قد أفادت مساء الأحد بأنه بات وشيكاً. وفي المقابل، فقد فاز "الديمقراطيون الأحرار" أيضاً بأصوات احتجاجية على براون والحكومة العمالية الحالية. وإذا قام حزب كليج بدعم حكومة عمالية أخرى بقيادة براون، فإن "المحافظين" يمكن أن ينتقدوها باعتبارها تمثل "ائتلاف الخاسرين". وفي اعتقادي، فإن أفضل حل بالنسبة لكليج هو حكومة ائتلافية محدودة زمنيّاً مع "العمال" من أجل الحصول على إصلاح انتخابي وتدابير اقتصادية عاجلة، إضافة إلى استقالة براون. على أنه يمكن أن يرأس الحكومةَ الجديدة زعيم عمالي جديد، أو، كما جاء في اقتراح لـ"ذي أوبزيرفر"، وهي صحيفة موالية لـ"الديمقراطيين الأحرار"، يمكن أن يقودها براون مؤقتاً -فهو في نهاية المطاف، يجيد التعاطي مع الأزمات الاقتصادية- ولكن على أن يتنحى عن السلطة قبل إجراء انتخابات جديدة في البلاد. غير أن هذا المسار يتطلب الشجاعة؛ والحال أن حزب كليج بنى لنفسه صورة تقدمية بدون أن يضطر إلى تحمل أعباء حكومة وطنية أو الإعلان بالضبط أين تكمن ميوله الفلسفية. وهنا يكمن درس بريطاني جدير بالتأمل: إن الوسط السياسي مكان جذاب ومحبوب، كما أن الاعتدال فضيلة تمارسها الأحزاب البريطانية الكبيرة الثلاثة كلها. غير أن الناخبين، في النهاية، يريدون الانتقال إلى مكان ما، حتى عندما يعطون نتائج انتخابية غير حاسمة. وعليه، فإن ما يجري في بريطانيا يمثل اختباراً ليس لكليج فحسب، وإنما أيضاً لما إن كان السياسيون الوسطيون ذوو الشعبية الكبيرة يملكون الشجاعة والوضوح لاتخاذ قرارات صعبة وغير مريحة، حتى وإن كلفتهم صفاءهم ووضوحهم الإيديولوجي. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©