الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الدراما اليونانية... والوجه الآخر للأزمة المالية

10 مايو 2010 20:24
دانييل أكست زميل بجامعة «بارد كوليدج» في نيويورك تعد الولايات المتحدة من آخر الأماكن في العالم حيث يمكن رؤية غلو الرأسمالية بكل تمظهراته. وعلى غرار العبقري المبتكر المجنون -وهو كذلك- تنتاب نظامَنا بين الحين والآخر نوبة هياج عصبي، ثم ينتهي به الأمر عاجلاً أم آجلاً إلى السقوط بعنف والانزلاق الأكيد على ما يبدو نحو الركود العميق. وقد كانت الأزمة المالية التي ألمت بنا مؤخراً واحدة من حالات الهياج والانهيار العصبي الدورية تلك. والواقع أن ما يحدث في أوروبا هذه الأيام هو إعادة لذلك الفيلم، ولكن الفرق هو أنه هذه المرة من إخراج مخرج اشتراكي؛ حيث يتعلق الأمر بأزمة ديون، تماماً على غرار أزمتنا في أميركا. وأزمة أوروبا قد لا تكون أقل خطراً من تلك التي ألمت بنا، وهي ليست سوى واحدة من الخصائص التي تميز النظام الاقتصادي الذي تكشف عنها. ولئن كانت الرأسمالية الأميركية أصبحت قاب قوسين أو أدنى من الانتحار في عام 2008، فإن دولة الرفاه الأوروبية اليوم تبدو متجهة نحو التدمير الذاتي أيضاً، حتى وإن كانت العملية تتم بالعرض البطيء. ويمكن القول إن أوجه الشبه بين الأزمتين -إحداهما مفاجئة والأخرى ما زالت تتطور- تنطوي على دروس مفيدة. ففي نهاية المطاف، كل منهما تتعلق بالغلو: غلو الرأسمالية من جانبنا، وغلو الاشتراكية في الجانب الآخر من المحيط الأطلسي. وفي كلتا الحالتين معاً، تقوم مظاهر الغلو هذه على ما يعرف بين مهنيي قطاع الاستثمارات بـ"مال الناس الآخرين". ففي أميركا، وكما هي عادتنا، سبق الأزمة نمو كبير واستهلاك قوي؛ حيث انهارت ثقافة الادخار، ومعها انهارت معايير السلوك الرصين في اجتماعات مجالس الإدارة والبنوك. ومن جانبهم، قصَّر المنظمون الحكوميون في أداء واجبهم على النحو الصائب أيضاً، ربما لأنهم استشعروا غياب الإرادة السياسية لإبعاد الحلويات في وقت كان فيه الناس ما زالوا يقضون وقتاً ممتعاً. وكان شبه الانهيار المالي الذي تسببنا فيه للعالم نتيجةً لانفلات الرأسمالية من عقالها. أما في دول الأطراف الأوروبية التي تواجه متاعب اقتصادية الآن، فتعزى الأزمة إلى النمو والتراكم البطيء والمطرد للنوايا الحسنة. وقد خرجت الاشتراكية عن السيطرة بوتيرة بطيئة في البلدان الديمقراطية، خلافاً للرأسمالية؛ غير أن الثقافة -ثقافة الاكتفاء الذاتي التي توجد دائماً في خطر في دولة رفاه اجتماعي انهارت هناك هي الأخرى. وتماماً مثلما فعلوا هنا، أنفق الناس هناك أكثر مما يكسبون، وإن كانت حكوماتهم هي التي قامت بالاقتراض والإنفاق من أجلهم. وفي كلا المكانين، كان الزعماء المنتخَبون ضد التخلي عن المقرِضين خشية أن يجر النظام برمته إلى الحضيض. وعلاوة على ذلك، فإن "المال السهل" هو في صميم الأزمة في كل من أوروبا والولايات المتحدة. فهنا في أميركا، منحنا ألان جرينسبان (رئيس الاحتياطي الفيدرالي السابق) والصينيين الكثير جداً من الائتمان المالي، الأمر الذي دفع أسعار المنازل للارتفاع، وهو ما أدى بدوره إلى مزيد من الاقتراض. وفي أوروبا، انتقلت بلدان مثل اليونان إلى استبدال عملاتها باليورو، ما مكنها من الاقتراض بشكل أرخص -وأدى ذلك إلى مزيد من الإنفاق والتملص الضريبي. ثم إن المواقف تجاه المقرِضين، الذين يبدو أنهم قد استيقظوا أخيراً من نشوة الجشع في كل من أوروبا والولايات المتحدة، متشابهة على نحو لافت. فهنا، الناس غاضبون من المصرفيين والمستثمرين بسبب إقراضهم الكبير لنا. وهناك، يزداد الناس غضباً لأن المقرِضين يمتنعون بشكل متزايد عن الإقراض، ما قد يترك اليونان، ولا أدري من أيضاً، عاجزة عن تمويل عجزها. إنه أمر مذهل حقاً أن المشكلة هي نفسها في كل من الرأسمالية والاشتراكية: فعاجلا أو آجلا سينفد "مال الآخرين". ولئن كانت الأزمة المالية الأميركية قد أتاحت لـ"أعـدقائنا" الأوروبيين فرصة للتشفي، فيبدو الآن أنه حان دورنا نحن أيضاً للاستمتاع والمرح لما يصيب الأوروبيين ولنقول لهم "لقد نبهناكم!". ولكن مثلما أنه كان من السابق لأوانه أن يجد الأوروبيون في ما حل بنا متعة، فإنه سيكون من الخطأ أيضاً أن نرتاح نحن كثيراً لمتاعب منطقة اليورو. والسبب هو أنه على رغم العجز الفيدرالي، إلا أن سياسيينا على مستوى الولايات أيضاً يقدمون وعوداً متهورة لموظفي القطاع العام مقابل هدوء العمالة والدعم الانتخابي. فولايتا كاليفورنيا ونيويورك، على سبيل المثال لا الحصر، وهما من المذنبين الرئيسيين، تقومان منذ سنوات بخلط إسراف الميزانية مع الاختلال الوظيفي السياسي؛ والحال أن تمرد دافعي الضرائب وضغط الالتزامات المعاشية والاعتماد الطويل على التزوير في الحسابات، كلها أمور يمكن أن تجلب لسكارامينتو (عاصمة كاليفورنيا) وألباني (عاصمة نيويورك) نسخة أميركية مما تعانيه أثينا اليوم، ولاسيما أن الولايتين، على غرار اليونان، لا تمتلكان عملة داخلية يمكن أن تقوما بخفض قيمتها. بيد أنه مثلما أن الأزمة الأميركية الأخيرة لم تكن كافية -تقريباً- لإسقاط الرأسمالية، فإن الأزمة الأوروبية لن تُنهي الاشتراكية أيضاً. وعلى نحو مثالي، سيتعلم كل جانب شيئاً من الآخر، وسيسعى كل منا وراء النوع الهجين الذي يناسبه، بحيث نؤمم أشياء ونخصخص أشياء أخرى وفق تركيبة جديدة تلائم طابعنا وتاريخنا. صحيح أن سلوك مثل هذا الطريق الوسط سيبدو دائماً رتيباً ومملاً، ولكن ربما أخذنا فيه ما يكفي من الإثارة والهيجان لبعض الوقت. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشيونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©