الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

تألموا كي تستيقظوا..

10 مايو 2010 20:26
أن تتألم، هو أن تعلن أمام جسدك أنك حي تُرزق، تعمل حواسك بشكل طبيعي، تصغي للإنذارات، تستنفر، يتفاعل معها الجسد ويستجيب، فإما أن يحرضّك للذهاب إلى الطبيب، وإما أن تلجأ إلى طرقك الخاصة، ليس كي تزيل الألم، ولكن كي تهدئ طنينه في جسدك، ورنينه في رأسك، فالألم لا يزول وإنما يستكين..

أن تتألم، هو أن تعلن لنفسك أنك إنسان يعيش وسط نوعه وفصيلته بجدارة، ويستحق أن يكون معهم وبينهم، يحمل صفاتهم المظهرية والمعنوية والروحانية والنفسية والاجتماعية، ينشغل بمعنى وجوده بينه وبين ذاته، وبمحتوى نفسه والآخر، ومكانته في الهرمية أو التراتبية أو التسلسلية، ومستوى قبوله العيش والتحرك والعمل في تلك المكانة، يتألم أينما كان وكيفما كان، إن كان في قمة الهرم يتألم لمن أقل منه، وإن كان في قاعدة الهرم يتألم لمن هو أعلى، والألم في الحالتين ليس حسداً، وإنما يقظة ووعي وتفاعل وتأمل، فيما هو كائن، وما يجب أن يكون، فأخذ الأمور على علاتها، أو التغاضي عنها وإهمالها، يعني فقدان النفس للتألم الذي يعني أنك معنيّ بكل ما يحيط بك، ومن يدور حولك، وما يحدث وما سيحدث، وكيفية دوران الدائرة التي أنت جزء منها.
أن تتألم، هو أن تدرك ورطة وعيك، أو وعيك الذي يعيش في ورطة، ومن لا يشعر أنه متورط أو منخرط في أمر ما في هذه الحياة، يعيش على حافتها، وبذلك، فهو معرّض للسقوط في أي لحظة، دون أن ينتبه إليه أحد، حتى أقرب الناس إليه، فلذة العيش أن تعيش وبداخلك أمر يقضّ مضجعك دائما، وقد يخصّك شخصيا أو يخص الآخرين من حولك، وقد يستبد هذا القلق الإيجابي – والبعض يعتبره سلبيا- إلى درجة أن كثيرين يموتون في سبيل فكرة، أو مبدأ أو عقيدة، هؤلاء هم الأحياء..
الإنسان لا يصطنع الألم، ولا يجره من أذنيه جراً إلى جسده أو نفسه أو روحه، إنما يصاب به نتيجة تطور وعيه، وكثرة قراءاته، وتوسع مساحات تأمله، وتحملّه مسؤولية الآخرين وهو ليس في موقع مسؤولية، إنما هي مسؤولية إنسانية ووجودية وإبداعية، مسؤولية إعادة ترتيب الأفكار بشكل دائم، مسؤولية البحث عن وسائل تحقق معنى الإنسانية، والوقوع في فخ المسؤولية ورطة تعطي دقائق الحياة قيمة خاصة.
الإنسان الذي لا يتألم ليس إنسانا، وإن حمل ملامح فصيلته، يعيش ورطة حقيقية مع ذاته، ولنتخيّل معاً إنسانا لا يشعر بآلام جسده رغم وجود خلل عضوي، تحرقه النار وهو يتفرج على جلده وهو ينسلخ أو يذوب، ينزف عضو من أعضائه دون أن ينتبه، غياب الإحساس بالألم يفقد الإنسان قيمة الانتباه، وهذا الغياب يشبه إلى حد التطابق غياب الألم عن النفس، الروح، الذات، فلا يكترث لفوضى وتراجع القيم، ولا تهزه التراجعات والهزائم، ولا ترمش عينه لوقوع مذبحة أو استلاب وطن أو أرض أو اعتداء على عرض، وافتقاد الإنسان لهذا الألم، يضعه بعيدا عن فصيلته، والعبرة من خلقه، ويضمّه إلى الأشكال الجامدة، والحجارة الصماء؛ يضربونها، أو يضربون بها.. لا فرق..
حين لا تشعرون بالألم، عليكم أن تستيقظوا، وتضربوا أجسادكم وأنفسكم بطرق كثيرة، ليس من بينها العصا .. وسلامتكم..


akhattib@yahoo.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©