الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أمهات منسيات

18 مارس 2013 20:14
رزقت بولدين، فأقسمت أن تتخلى عن كل مباهج الحياة من أجلهما، كرست نفسها للعمل ليل نهار من أجل رفاهيتهما، بينما تركت نصيب رعايتهما لمربية نابت عنها في النوم بالقرب منهما والحديث معهما، ومصاحبتهما للمدرسة وتحمل حماقاتهما، وامتصاص شغبهما، وتغيرت خادماتهما ومربياتهما بتغير السنين ومراحل حياتهما، فعلى أياديهن تبلورت حياة الصغيرين، وعند تحولات الجسد وانعطاف المراهقة باحا لهن بأسرارهما، بينما ظلت الأم منشغلة بعملها تحقق نجاحا بعد آخر، تجوب دنياها واعتقادها أكيد بأنها تساهم في تحسين مستوى عيش ولديها، يؤلمها الشعور بخصاصهما أو نقص في احتياجاتهما التي زادت بمرور الوقت وتعاظمت. امتص عملها طاقتها كاملة، فكانت تعود للبيت محجمة عن الحديث، مؤجلة ذلك في كل مرة إلى حين، يقبل عليها ولديها يرغبان في سرد حكايات وقصص نهارهما، لكن تعبها الدائم حال دون الانصات لهما، وتعطلت آلة الحوار وصدأت، فكبرت الهوة بين أم عاشقة لأبنائها ومتفانية من أجلهما وأبناء لا يعرفون عن أم شيئا غير حضورها الجسدي، أغرقت نفسها في وظيفتها متناسية خلق التوازن في حياتها إلى أن باتت غريبة في بيتها. فجأة أحيلت على التقاعد وجدت المال ولم تجد الولد، بحثت في كل اتجاه عن ابنيها، شعرت بفراغ كبير وهوة سحيقة تفصلها عنهما، لم يجيبا نداءها يوما، ولم يأتيا لها إلا من أجل طلب المال، فهذا ما تعودا عليه، اليوم وقتها وفير، لكن لم تجد مع من تتقاسمه، قبلاتها باتت غريبة، حضنها ناشف، حديثها عصي على المسامع، نصائحها غير مرغوبة. تعيش خواء عاطفيا، ولداها انسحبا لغيرها، وظلت تعيش منسية، هكذا حال الكثيرات اللواتي باتت تعج بهن دور المسنين التي تؤكد الدراسات أن أعدادها في تزايد، ويرجع السبب وفق أحد المحللات الاجتماعيات لانشغال الأم بالعمل خارج البيت، وترك الأولاد عند الخادمة في سن صغيرة جدا، فلا الطفل يتعود على حضن حنون، حيث يرضع من صدر أمه ويتطلع لعيونها وهي تمرر أصابعها بين خصلات شعره الناعمة، ولا هي لاعبته وتابعت خطواته الأولى، تركت ذلك للمربية التي لا تملك أي عاطفة تجاهه، بينما هو لا يعرف أحدا سوى وجوه تتناوب على رعايته رغم قسوتها، فيكبر الطفل خاوي المشاعر، غير حنون، مهتز عاطفيا، مما يجعل خيوط الترابط تتفسخ وتنحل، ويكبر الطفل بدون مشاعر تجاه أمه، وفاقد الشيء لا يعطيه. أما الحلول التي اقترحتها الخبيرة الاجتماعية أن تترك الأم العاملة أو التي تخرج لتقضي وقتا مع صديقاتها ومع أهلها مستعيضة بالمربيات عن نفسها قميصا أو جزءا من ملابسها يحمل رائحتها ليشتمها الصغير، وبالتالي يكبر متعودا على أمه ويحبها ويسكب عليها مشاعره عند الكبر ويكون بارا بها!!! منطقيا هذا الحل غير واضح ومفهوم، فإذا آمنا بصدقية حديثها والطفل رضيع يكتفي حسب اعتقادها بشم رائحة أمه، فكيف وهو طفل يرغب في حضن دافئ؟ وكيف وهو مراهق يتوق لصحبة والدته وتفهمها لتمر به نحو الحياة بسلام؟ lakbira.tounsi@admedia.ae
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©