الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سايكس - بيكو جديدة

20 يونيو 2016 23:18
في 16 أيار - مايو 1916، أي قبل قرن من الزمن بالضبط، وقع ممثلو بريطانيا وفرنسا على اتفاق سايكس بيكو الذي وضع حداً لسيطرة الإمبراطورية العثمانية على منطقة الشرق الأوسط لمدة 400 سنة. وتم رسم خريطة جديدة للمنطقة، أدت إلى وجود ترتيب بريطاني وفرنسي، وإلى تقسيم المنطقة بينهما، ولكن فيما بعد أن غادر البريطانيون والفرنسيون المنطقة، مع انتهاء الحرب العالمية الثانية، فبقي العرب وحدهم. رفض الكثيرون في حينه، اتفاق سايكس بيكو والنظام الذي أوجده، وحاولوا وضع خريطة جديدة لتوحيد المنطقة، لكن العالم الغربي خشي من تداعيات إحداث أي تغيير في المنطقة، فقام بزرع الدولة الصهيونية في قلب المنطقة، مدركاً أن مصلحة الحفاظ على التقسيم العربي هي غاية إسرائيلية بالدرجة الأولى. لم تحقق الصراعات القومية العربية - الفارسية النتائج المطلوبة في تأليب الشعوب العربية ضد بعضها، وضد إيران، منذ عهد الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، لذا نصح المستشرق البريطاني-الأميركي برنارد لويس باستخدام العنصر المذهبي. فبدأنا نسمع عن البيت الشيعي والبيت السني في العراق مثلاً، بفضل القنوات الطائفية العربية التي أخدت على عاتقها «تنيوِّر» المشاهد العربي، الذي لم يكن يعرف فرقا بين شيعي وعلوي وسني،ولم تنس هذه القنوات المقززة دعوة مشاهديها إلى الحذر مما اسمته المؤامرة الصليبية، التي يحوكها ضد بلادهم مواطنوها المسيحيون. وكانت النتيجة حروباً بينية ونزاعات دموية في سوريا والعراق واليمن وليبيا. لبنان لا يستطيع أن ينتخب رئيساً، مصر ما بعد الانقلاب تتحول إلى شبه دولة بوليسية، الحدود بين المغرب والجزائر موصدة منذ أكثر من عشرين سنة، السودان بعد أن انسلخ ربعه، يحاول احتواء أربعة صراعات في دارفور وأبيي وكردفان وبحر الغزال. السلطة الفلسطينية البائسة تطلب من المجتمع الدولي أن يحميها من الاحتلال الإسرائيلي. جماعات إرهابية تقيم دولاً وخلافات وجيوباً في أكثر من موقع حتى أن بعض هذه الإمارات الإسلامية تزيد مساحتها على مساحة بريطانيا، إيران تكاد تسيطر على أربع دول، وعصائبها وحرسها يقاتلون في أكثر من موقع. ودول الخليج العربي التي تعاني تراجع أسعار النفط، مضطرة إلى حشد كافة إمكانياتها لمواجهة الخطر الإيراني والتمدد الشيعي، تونس بدورها تواجه العديد من المشاكل الاقتصادية والأمنية، والجزائر تعيش أزمة قيادية، والمغرب جعل معركته الوحيدة «مغربية الصحراء». الأردن الذي يعتبر البلد الأمن الوحيد في المنطقة يعاني الفقر ونقص المياه. في ظل هذا الخراب، تتصدر إسرائيل المشهد بقوة غير مسبوقة وعنجهية ورعونة فظة، وتدس أياديها السوداء في كل صراع لتأجيجه وتوسيعه. كان بإمكان معظم الدول العربية، لو سمح لها، أن تنتقل إلى الحكم المستقر والتعددية والديمقراطية وبناء اقتصاد وطني متين وصحافة متطورة وأحزاب سياسية جادة، ولكن القوى الاستعمارية تحالفت مع القوى الأكثر عنصرية ورجعية في المنطقة، كإسرائيل وأيران، لهزيمة كل من يمثل التوجه القومي العربي، وبالتالي تم التخلص من هذه الأنظمة، وخلق عصر الفوضى والفراغ القيادي ونمو التيارات الإسلامية المتطرفة التي عطلت قدرات البلاد، وأدخلتها في حروب داخلية لا تبدو لها نهاية قريبة. إن قراءة التطورات في المئة سنة الأولى لاتفاقية سايكس بيكو يمكن أن تفسر لنا أن ما يجري اليوم في رقعة جغرافية تزيد مساحتها على 12.5 مليون كيلومتر مربع ويزيد عدد سكانها على أربعمئة مليون، وتضم أكبر عدد من اللاجئين والمشردين والفقراء والجماعات الإرهابية والأراضي المحتلة، هو من أجل صياغة سايكس - بيكو جديدة، وبأياد محسوبة على الأمة العربية. نصَّار وديع نصَّار
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©